الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
119 [ ص: 129 ] ( 22 ) باب جامع غسل الجنابة

97 - مالك ، عن نافع ؛ أن عبد الله بن عمر ، كان يقول : لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ، ما لم تكن حائضا ، أو جنبا .


3053 - قال أبو عمر : هذا معنى قد اختلفت فيه الآثار ، واختلفت فيه أيضا فقهاء الأمصار .

3054 - قال الوليد بن مسلم : سمعت الأوزاعي يقول : لا بأس بفضل وضوء المرأة إلا أن تكون حائضا أو جنبا .

3055 - قال الوليد : وقال مالك والليث بن سعد ، يتوضأ به إذا لم يجد غيره ، ولا يتيمم .

3056 - وفي هذه المسألة للسلف خمسة أقوال :

3057 - ( أحدها ) : قول ابن عمر هذا ، وبه قال الأوزاعي . وروي ذلك عن الحسن والشعبي ، رواه هشيم وغيره ، عن يونس ، عن الحسن .

3058 - وقال إسماعيل بن أبي خالد : سألت الشعبي عن فضل وضوء الحائض والجنب ، فنهى أن يتوضأ به .

3059 - ( والثاني ) : الكراهية أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة ، وأن تتوضأ المرأة [ ص: 130 ] بفضل الرجل .

3060 - رواه داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، قال : لقيت رجلا صحب النبي - عليه السلام - ما صحبه أبو هريرة أربع سنين فقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يغتسل الرجل بفضل المرأة ، ولا تغتسل المرأة بفضله " .

3061 - هكذا رواه أبو خيثمة زهير بن معاوية عن داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري .

[ ص: 131 ] 3062 - ورواه أبو عوانة عن داود الأودي عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة . فأخطأ فيه .

3062 م - وروى عبد العزيز بن المختار ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس أن النبي - عليه السلام - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة ، والمرأة بفضل الرجل ، ولكن ليشرعا جميعا .

3063 - وقد روى سليمان التيمي عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - عليه السلام - نهى أن يغتسل الرجل والمرأة من إناء واحد .

3064 - ( والوجه الثالث ) : الكراهية أن يتوضأ الرجل بفاضل طهور المرأة ، والترخيص في أن تتطهر المرأة بفضل طهور الرجل .

3065 - ورواه شعبة ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن سرجس ، عن النبي - عليه السلام - .

3066 - ورواه سليمان التيمي عن أبي حاجب عن رجل من أصحاب النبي عن النبي - عليه السلام - ورواه شعبة عن عاصم الأحول ، وهو عاصم بن سليمان . عن أبي حاجب ، عن الحكم الغفاري ، عن النبي - عليه السلام .

[ ص: 132 ] 3067 - واسم أبي حاجب سوادة بن عاصم .

3068 - وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب ، رواه قتادة عنهما .

3069 - وروى الوليد بن مسلم قال : أخبرني سالم أنه سمع الحسن يقول أكره الوضوء بفضل المرأة ، حائضا كانت ، أو غير حائض .

3070 - ( والقول الرابع ) : أنهما إذا شرعا جميعا في التطهر فلا بأس به . وإذا خلت المرأة بالطهور فلا خير في أن يتوضأ بفضل طهورها .

3071 - روي ذلك عن جويرية زوج النبي - عليه السلام - .

3072 - ورواه الشيباني عن عكرمة .

3073 - ورواه الأوزاعي عن عطاء .

3074 - وهو قول أحمد بن حنبل .

3075 - قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - : فضل وضوء المرأة ؟ فقال : إذا خلت به تتوضأ منه . إنما الذي رخص فيه أن يتوضآ معا جميعا .

3076 - وذكر حديث الحكم بن عمرو الغفاري ، فقال : هو يرجع إلى أن الكراهة إذا خلت به المرأة . قيل له : فالمرأة تتوضأ بفضل الرجل ؟ قال : أما الرجل فلا بأس به . إنما كرهت المرأة .

[ ص: 133 ] 3077 - وجاء عن عطاء أنه قال : لا يصلح للرجل أن يغتسل بماء اغتسلت به المرأة ، إلا أن يشرعا فيه جميعا .

3078 - ذكره دحيم ، عن محمد بن شعيب ، عن الأوزاعي ومعاوية بن سلام ، عن عطاء .

3079 - وذكره عبيد الله بن موسى ، عن زكريا ، عن الشعبي ، قال : لا يغتسل الرجلان جميعا إذا أجنبا ، والرجل والمرأة يغتسلان جميعا .

3080 - وهذا غريب عجيب .

3081 - ( والقول الخامس ) : أنه لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه شرعا جميعا ، أو خلا كل واحد منهما به .

3082 - وعلى هذا القول فقهاء الأمصار ، وجمهور العلماء ، والآثار في معناه متواترة .

3083 - فمنها حديث ابن عباس أن امرأة من نساء النبي - عليه السلام - اغتسلت من الجنابة ، رأى رسول الله أن يغتسل من فضلها ، فأخبرته أنها اغتسلت منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " الماء لا ينجسه شيء " .

3084 - وروى عكرمة عن ابن عباس من طرق كثيرة ومنهم من يجعله عن ابن [ ص: 134 ] عباس ، عن ميمونة . ومنهم من قال فيه : بعض أزواج النبي - عليه السلام - .

3085 - وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد ، عن ابن عباس أن ميمونة أخبرته أنها كانت تغتسل هي والنبي - عليه السلام - من إناء واحد - هو الفرق - من الجنابة .

3086 - ولحديث عائشة طرق متواترة ، منهم من يقول فيه : يشرعان فيه جميعا .

3087 - ومنهم من يقول فيه وهما جنبان .

3088 - وروي أيضا حديث عائشة من طرق سعيد بن المسيب ، وعكرمة ومعاذة العدوية ، كلهم عن عائشة بمعنى واحد .

3089 - وروى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة مثله ، قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد من الجنابة .

3090 - وروي من حديث علي بن أبي طالب ، وجابر بن عبد الله ، وأنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل هو وبعض نسائه من إناء واحد .

3091 - وروي عن أم صبية الجهنية - وهي خولة بنت قيس - أنها قالت : اختلفت يدي ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد .

[ ص: 135 ] 3092 - ومن حديث أم هانئ قالت : اغتسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وميمونة من إناء واحد .

3093 - وقال ابن عمر : كان الرجال والنساء يتوضؤون من إناء واحد في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

3094 - وقال ابن عباس : لا بأس أن تتوضأ بفضلها ، وتتوضأ بفضلك . وكان يقول : هن ألطف بنانا ، وأطيب ريحا .

3095 - وقال الزهري : تتوضأ بفضلها ، كما تتوضأ بفضلك .

3096 - وقال مالك : لا بأس بذلك ، حائضا كانت ، أو جنبا .

3097 - وقال الشافعي : لا بأس أن يتوضأ بفضل الحائض والجنب ، لأن النبي - عليه السلام - اغتسل هو وعائشة من إناء واحد ، فكل واحد منهما مغتسل بفضل وضوء صاحبه . وليست الحيضة في اليد ، وليس المؤمن بنجس ، وإنما هو متعبد بأن يمس الماء في بعض حالاته دون بعض .

3098 - قال أبو عمر : في حديث عائشة ، وميمونة من نقل الحفاظ ذكر الجنابة ، وهو قاطع لقول من قال : لا يغتسل بفضل الحائض والجنب ، وهو قول الحجازيين والعراقيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية