الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1042 999 - مالك ، عن نافع ؟ أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن ، التي لم تسن ، والتي نقص من خلقها .

21281 - قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي في ذلك .


قال أبو عمر : جمهور العلماء روى حديث ابن عمر هذا في الموطأ ، وغيره .

21282 - وقال بعضهم : أنه كان يتقي من الضحايا التي لم تسن ، بكسر السين .

21283 - وبعضهم يرويه : التي لم تسن بفتح السين .

21284 - فمن روى بكسر السين يجعله من السنن ويقول : إن المعروف من مذهب ابن عمر أنه كان لا يضحي إلا بالثني من الضأن ، والمعز ، والإبل والبقر في الهدايا والضحايا .

[ ص: 131 ] 21285 - والذي روي عنه : لم تسن بفتح السين ، يقول : معناه لم تعط أسنانا ، وهي الهتماء ، لا تجوز عند أكثر أهل العلم في الضحايا .

21286 - وكان أبو محمد بن قتيبة يقول : ليس الصواب في حديث ابن عمر هنا إلا قول من رواه لم تسنن بنونين ، أي لم تعط أسنانا .

21287 - قال : وهذا كلام العرب لم يقولوا تسنن من لم تخرج أسنانه ، فكما يقولون لم يلبن إذا لم يعط لبنا ، ولم يستمن ، أي لم يعط سمنا ، ولم يعسل ، لم يعط عسلا .

21288 - وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي .

21289 - وقال غير ابن قتيبة : لم تسنن التي لم تبدل أسنانها .

21290 - وهذا نحو قول ابن عمر في أنه لا يجوز إلا الثني فما فوقه إلا الجذع .

21291 - وأما حديث ابن عمر أنه كان يتقي في الضحايا ، والبدن التي نقص من خلقها ، والتي لم تسنن ، ففيه ، دليل على أن كل ما نقص من الخلق في الشاة لا تجوز في الضحية عنده .

21292 - إلا أن العلماء مجمعون على أن الجماء جائز أن يضحى بها ، فدل [ ص: 132 ] إجماعهم هذا على أن النقص المكروه هو ما تتأذى به البهيمة ، وينقص من ثمنها ، ومن شحمها .

21293 - وأجمع الجمهور على أن لا بأس أن يضحي بالخصي الأجم ، إذا كان سمينا .

21294 - وهم مع ذلك يقولون : إن الأقرن الفحل أفضل من الخصي الأجم إلا أن يكون الخصي الأجم أسمن ، فالأصل مع تمام الخلق السمن .

21295 - ذكر ابن وهب ، قال : أخبرني عبد الجبار بن عمر ، عن ربيعة أنه كان يكره كل نقص يكون في الضحية أن يضحي به ، قال : فأخبرني عمرو بن الحارث ، وابن لهيعة ، عن بكير بن الأشج ، عن سليمان بن يسار ، أنه كان يكره من الضحايا التي بها من العيب ما ينقص من سمنها قال : وسمعت مالكا يكره كل نقص يكون في الضحية إلا القرون وحدهم ، فإنه كان لا يرى بأسا أن يضحي بمكسورة القرن ، وتراه بمنزله الشاة الجماء .

21296 - قال أبو عمر : جمهور العلماء على القول بجواز الضحية [ ص: 133 ] المكسورة القرن إذا كان لا يدمي ، فإن كان يدمي ، فقد كرهه مالك ، وكأنه جعله مرضا بينا .

21297 - وقد روى قتادة ، عن جرير بن كليب ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الضحايا عن أعضب القرن والأذن .

21298 - قال قتادة : فقلت لسعيد بن المسيب : ما عضب الأذن والقرن ؟ قال النصف أو أكثر .

21299 - قال أبو عمر : لا يوجد ذكر القرن في غير هذا الحديث ، وبعض أصحاب أبي قتادة لا يذكر فيه القرن ، ويقتصر فيه على ذكر الأذن وحدها بذكره .

21300 - كذلك رواه هشام ، عن قتادة .

21301 - وهذا الذي عليه جماعة الفقهاء في القرن .

21302 - وأما الأذن ، فكلهم يراعون فيه ما قدمنا ذكره .

21303 وفي إجماعهم على إجازة الضحية بالجماء ما يبين لك أن حديث القرن [ ص: 134 ] لا يثبت ، ولا يصح ، وهو منسوخ ; لأنه معلوم أن ذهاب القرنين معا : أكثر من ذهاب بعض أحدهما .

21304 - وأما قول ابن عمر : يتقى من الضحايا ، والبدن التي لم تسن ، فإن ابن قتيبة قال : هي التي لم تنبت أسنانها ، كأنها لم تعط أسنانا .

21305 - وهذا كما تقول لم تلبن ، أي لم تعط لبنا ، ولم تستمن ، أي لم تعط سمنا ، ولم تعسل أي لم تعط عسلا .

21306 - قال : وهذا مثل النهي عن الهتماء في الأضاحي .

21307 - وقال غيره : التي لم تسن : التي لم تنزل أسنانها .

21308 - وهذا يشبه مذهب ابن عمر ؟ لأنه كان يقول في الضحايا والبدن : الثني فما فوقها ، ولا يجوز عنده الجذع من الضأن ، فما فوقها ، ولا غيره .

21309 - وهذا خلاف الآثار المرفوعة وخلاف الجمهور ، الذين هم حجة على من شذ عنهم ، وبالله التوفيق .

21310 - قال أبو عمر : ورواية مالك عن نافع ، عن ابن عمر في التي لم تسن ، والتي نقص من خلقها أصح من رواية من روي عنه جواز الأضحية بالأبتر ، والله أعلم .

21311 - وذكر ابن وهب ، قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب أنه قال : لا [ ص: 135 ] تجوز في الضحايا المجذوعة ثلث الأذن ومن أسفل منها ، ولا تجوز المسلولة الأسنان ، ولا الصرماء ، ولا جداء الضرع ، ولا العجفاء ، ولا الجرباء ، ولا المصرمة الأطماء ، وهي المقطوعة حلمة الثدي ، ولا العوراء ، ولا العرجاء .

21312 - قال أبو عمر : قول ابن شهاب في هذا الباب هو المعمول به ، والله الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية