الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1055 [ ص: 215 ] 1012 - مالك عن يحيى بن سعيد ، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة . فلما أراد أن يذبحها قال له : سم الله . فقال له الغلام : قد سميت . فقال له : سم الله ويحك . قال له : قد سميت الله . فقال له عبد الله بن عياش : والله . لا أطعمها أبدا .


21635 - قال أبو عمر : هذا حديث واضح في أن من ترك التسمية على الذبيحة عمدا ، لم تؤكل ذبيحته تلك .

21636 - ألا ترى أن في خبره هذا أراد أن يذبحها ، فقال له : سم الله ، فأمره بذلك من قبل أن يذبحها ، وراجعه بما لم يصدقه ; لأنه كان بموضع لا يخفى عنه ذلك لقربه ، وعلم معاندته ، لأنه كان يجيبه بقوله : قد سميت ، ولا يسمي ، ولو قال في موضع قوله : قد سميت باسم الله اكتفى بذلك منه ، فاعتقد أنه عمدا ، ترك التسمية عليها ، فلم يستحل أكله .

21637 - وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم فيمن ترك التسمية على الصيد ، أو الذبيحة عامدا .

[ ص: 216 ] 21638 - وأما اختلاف العلماء فيمن ترك التسمية على الذبيحة ، أو على الإرسال على الصيد عامدا ، أو ناسيا : 21639 - فقال مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي : إن تركها عمدا ، لم تؤكل الذبيحة ، ولا الصيد ، وإن نسي التسمية في ذلك أكلت .

21640 - وبه قال إسحاق بن راهويه ، ورواية عن أحمد بن حنبل .

21641 - وقال بعض هؤلاء : من تعمد ترك التسمية مع علمه بما أمره الله به فيها فقد استباح بغير ما أذن الله له فيه فصار في معنى قوله : وإنه لفسق ، فلم تؤكل ذبيحته .

21642 - وهذا ليس بشيء ; لأن هذا إنما قيل في ذبيحة من ذبح لغير الله - عز وجل - ممن لا يؤمن بالله .

21643 - وللكلام في ذلك موضوع غير هذا .

21644 - وقال الشافعي ، وأصحابه : تؤكل الذبيحة ، والصيد في الوجهين جميعا ، تعمد في ذلك أو نسيه .

21645 - وهو قول ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، وأبي رافع ، وطاوس ، وإبراهيم

[ ص: 217 ] النخعي
، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقتادة .

21646 - ولا أعلم أحدا روى عنه أنه لا يؤكل ممن نسي التسمية على الصيد أو الذبيحة ، إلا ابن عمر ، والشعبي وابن سيرين .

21647 - وقد أجمعوا في ذبيحة الكتابي أنها تؤكل ، وإن لم يسم الله عليها إذا لم يسم عليها غير الله .

21648 - وأجمعوا أن المجوسي ، والوثني لو سمى الله لم تؤكل ذبيحته .

[ ص: 218 ] 21649 - وفي ذلك بيان أن ذبيحة المسلم حلال على كل حال ; لأنه ذبح بدينه .

21650 - وروي عن ابن عباس ، وأبي وائل شقيق بن سلمة ، وابن أبي ليلى أنهم قالوا في ذلك : إذا ذبحت بدينك ، فلا [ ص: 219 ] يضرك .

21651 - واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال : لما كان المجوسي لو سمى الله تعالى لم تنفع تسميته شيئا ; لأن المراعاة لدينه ، كان المسلم إذا ترك التسمية عامدا لا يضره ; لأن المراعاة دينه .

21652 - وهو معنى قولهم : إنما ذبحت بدينك .

21653 - وقد روي عن الحسن مثل قول مالك .

21654 - وعلى هذين القولين جمهور العلماء بتأويل القرآن .

21655 - قال ابن جريج : قلت لعطاء : لو أن ذابحا ذبح ذبيحته ، لم يذكر عليها اسم الله ، أيأكلها ؟ قال : نعم ، سبحان الله ، أوكل من ذبح يذكر اسم الله ؟ .

[ ص: 220 ] 21656 - قال عطاء : كل مسلم صغير ، أو كبير ، امرأة ، أو صبية ذبح ، فكل من ذبيحته ، ولا تأكل من ذبيحة مجوسي .

21657 - وقال أبو ثور ، وداود بن علي : من ترك التسمية عامدا ، أو ناسيا ، لم تؤكل ذبيحته ، ولا صيده .

21658 - وهذا قول لا نعلمه روي عن أحد من السلف ممن يختلف عنه فيه إلا محمد بن سيرين ، ونافعا مولى ابن عمر .

21659 - وهذان يلزمهما أن يتبعا سبيل الحجة المجتمعة على خلاف قولهما ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية