الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 351 ] ( 7 ) باب ما جاء فيمن يضطر إلى أكل الميتة 1038 - مالك ; إن أحسن ما [ ص: 352 ] سمع في الرجل ، يضطر إلى الميتة : أنه يأكل منها حتى يشبع ، ويتزود منها ، فإن وجد عنها غنى طرحها .


22298 - قال أبو عمر : روى فضيل بن عياض ، وأبو معاوية ، وسفيان ، وشعبة ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق قال : من اضطر إلى الميتة ، والدم ولحم الخنزير ، فلم يأكل حتى مات دخل النار ، وهذا لفظ حديث فضيل بن عياض .

22299 - واختلف العلماء في مقدار ما يأكل المضطر من الميتة .

22300 - فقال مالك في موطئه ما ذكرنا ، وعليه جماعة أصحابه .

22301 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما : لا يأكل المضطر من [ ص: 353 ] الميتة إلا مقدار ما يسد الرمق ، والنفس .

22302 - وقال عبد الله بن الحسن : المضطر يأكل من الميتة ما يسد جوعته .

22303 - وحجة هؤلاء أن المضطر إنما أبيح له أكل الميتة إذا خاف على نفسه الموت ، فإذا أكل منها ما يزيل الخوف ، فقد زالت الضرورة ، وارتفعت الإباحة ، فلا يحل أكلها .

22304 - وحجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة ; لقول الله تعالى 4 فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه 4 [ البقرة : 173 ] ، وقال : 4 إلا ما اضطررتم إليه [ الأنعام : 119 ] 22305 - فإذا كانت الميتة حلالا للمضطر إليها أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها ، فتحرم عليه .

22306 - وهو قول الحسن .

قال الحسن : إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قوته .

22307 - وقد قيل : من تغدى لم يتعش منها ، ومن تعشى لم يتغد منها .

[ ص: 354 ] 22308 - وفي الحديث المرفوع : متى تحل لنا الميتة يا رسول الله ؟ قال : ما لم تصطبحوا ، أو تغتبقوا ، والصبوح : الغداء ، والغبوق : العشاء ، ونحو هذا .

22309 - واختلفوا في قوله تعالى غير باغ ولا عاد [ البقرة : 173 ] .

22310 - فقالت طائفة منهم : مجاهد : غير باغ على الأئمة ، ولا عاد ; قاطع سبيل .

22311 - وروي عن مجاهد في قوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد [ البقرة : 173 ] . قال : غير قاطع سبيل ، ولا مفارق الأئمة ، ولا خارج في [ ص: 355 ] معصية ، فإن خرج في معصية لم يرخص له في أكل الميتة .

22312 - وقال سعيد بن جبير في قوله : غير باغ ولا عاد : قال هو الذي يقطع الطريق ، فليس له رخصة إذا اضطر إلى شرب الخمر وإلى الميتة .

22313 - وقال الشافعي : من خرج عاصيا لله لم يحل له شيء مما حرم الله عليه بحال ; لأن الله - عز وجل - إنما أحل ما حرم للضرورة على شرط أن يكون المضطر غير باغ ، ولا عاد ولا متجانف لإثم .

22314 - وهذا معنى قول مالك .

22315 - واتفق مالك ، والشافعي أن المضطر لا تحل له الخمر ولا يشربها ولا تزيده إلا عطشا .

22316 - وهو قول مكحول ، والحارث العكلي ، وابن شهاب الزهري .

22317 - ذكر وكيع عن سفيان ، عن برد ، عن مكحول ، قال : لا يشرب المضطر الخمر ، فإنها لا تزيده إلا عطشا .

[ ص: 356 ] 22318 - وروى جرير ، عن مغيرة ، عن الحارث العكلي ، قال : إذا اضطر إلى الخمر ، فلا يشربها ، فإنها لا تزيده إلا عطشا .

22319 - وروى ابن وهب ، عن يونس أنه سأل ابن شهاب عن الرجل يضطر إلى شرب الخمر هل فيه رخصة ؟ قال : لم يبلغني أن في ذلك رخصة لأحد ، وقد أرخص الله تعالى للمؤمن فيما اضطر إليه مما حرم عليه .

22320 - وقال آخرون منهم عكرمة : غير باغ ولا عاد قال : يتعدى ، فيزيده على ما يمسك نفسه ، والباغي : كل ظالم في سبيل الغير مباحة .

22321 - وهو قول الحسن ، قال في قوله : غير باغ ولا عاد ، قال : غير باغ فيها ، يأكلها ، وهو غني عنها .

22322 - قال أبو عمر : من حجة من لم ير شرب الخمر للمضطر أن الله - عز وجل - ذكر الرخصة للمضطر مع تحريم الدم والميتة ولحم الخنزير .

22323 - وذكر تحريم الخمر ، ولم يذكر مع ذلك رخصة للمضطر فالواجب أن لا يتعدى الظاهر إلى غيره ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية