الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 386 ] [ ص: 387 ] 27 - كتاب الفرائض [ ص: 388 ] [ ص: 389 ] ( 1 ) باب ميراث الصلب 22465 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ، في فرائض المواريث : أن ميراث الولد من والدهم ، أو والدتهم أنه إذا توفي الأب أو الأم ، وتركا ولدا رجالا ونساء . فللذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف . فإن شركهم أحد بفريضة مسماة ، وكان فيهم ذكر ، بدئ بفريضة من شركهم . وكان ما بقي بعد ذلك بينهم ، على قدر مواريثهم .


22466 - قال أبو عمر : ما ذكره مالك - رحمه الله - في ميراث البنين ذكرانا كانوا ، أو إناثا من آبائهم ، أو أمهاتهم ، فكما ذكر لا خلاف في شيء من ذلك بين العلماء إذا كانوا أحرارا مسلمين ، ولم يقتل واحد منهم أباه ، وأمه عمدا .

22467 - وأما قوله عز وجل - فإن كن نساء فوق اثنتين فالمعنى في ذلك عند جمهور العلماء ، وجماعة الفقهاء الذين تدور عليهم في الأمصار الفتوى إن كن نساء اثنتين ، فما فوقها .

22468 - وما أعلم في هذا خلافا بين علماء المسلمين إلا رواية شاذة لم تصح عن ابن عباس أنه قال : للاثنتين النصف ، كما للبنت الواحدة حتى تكون البنات أكثر [ ص: 390 ] من اثنتين ، فيكون لهن الثلثان .

22469 - وهذه الرواية منكرة عند أهل العلم قاطبة ، كلهم ينكرها ، ويدفعها ما رواه ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس . أنه جعل للبنتين الثلثين .

22470 - وعلى هذا جماعة الناس .

22471 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد العدول مثل ما عليه الجماعة في ذلك .

22472 - حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثني عيسى بن إسماعيل الطباع ، قال : حدثني عمرو بن ثابت ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر بن عبد الله أن امرأة من الأنصار أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - بابنتي سعد بن الربيع فقالت : يا رسول الله ; إن سعد بن الربيع قتل يوم أحد شهيدا ، فأخذ عمهما كل شيء من تركته ولم يدع من مال أبيهما شيئا ، والله ما لهما مال ، ولا تنكحان إلا ولهما مال ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سيقضي الله في ذلك ما شاء ، [ ص: 391 ] فنزلت : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك [ النساء : 11 ] ; فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمهما ، فقال : أعط هاتين الجاريتين الثلثين مما ترك أبوهما ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي ، فهو لك .

22473 - روى هذا الحديث جماعة من الأئمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله .

22474 - وعبد الله بن محمد بن عقيل قد قبل جماعة من أهل العلم بالحديث حديثه ، واحتجوا به ، وخالفهم في ذلك آخرون ، فكان هذا من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيانا لمعنى قول الله - عز وجل : فإن كن نساء فوق اثنتين . . [ النساء : 11 ] أي اثنتين فما فوقهما ، ونسخا لما كان عليه أهل الجاهلية من تركهم توريث الإناث من [ ص: 392 ] أولادهم .

22475 - وإنما كانوا يورثون الذكور حتى نزلت : يوصيكم الله في أولادكم . . . [ الآية 11 ] من سورة النساء .

22476 - كذلك روي عن ابن مسعود ، وابن عباس .

22477 - وقد استدل من العلماء قوم ممن لم يثبت عندهم هذا الحديث بدلائل على أن الابنتين حكمهما في الميراث حكم البنات ، منها أن الابنة لما أخذت مع أخيها السدس ، كان ذلك أحرى أن تأخذ ذلك مع أختها .

22478 - ومنها أن البنت لما كان لها النصف ، وكان للأخت النصف ، وجعل الله للأختين الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك قياسا ، ونظرا صحيحا .

22479 - وفي حديث ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى في بنت ، وبنت ابن ، وأخت ، فجعل للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس ، وجعل الباقي للأخت .

22480 - فلما جعل للابنة ، ولابنة الابن الثلثين كانت الابنتان أولى بذلك ; [ ص: 393 ] لأن الابنة أقرب من ابنة الابن .

التالي السابق


الخدمات العلمية