الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1096 1047 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب ; أن عمر بن الخطاب فرض للجد ، الذي يفرض الناس له اليوم .

1048 - مالك ; أنه بلغه عن سليمان بن يسار أنه قال : فرض عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت ، للجد مع الإخوة ، الثلث .

22646 - قال مالك : والأمر المجتمع عليه عندنا ، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ; أن الجد أبا الأب ، لا يرث مع الأب دنيا شيئا ، وهو يفرض له مع الولد الذكر ، ومع ابن الابن الذكر ، السدس فريضة ، وهو فيما سوى ذلك ، ما لم يترك المتوفى أما أو أختا لأبيه ، يبدأ بأحد إن شركه بفريضة مسماة ، فيعطون فرائضهم ; فإن فضل من المال السدس فما فوقه فرض للجد السدس فريضة .

[ ص: 433 ] 22647 - قال مالك : والجد ، والإخوة للأب والأم ، إذا شركهم أحد بفريضة مسماة ، يبدأ بمن شركهم من أهل الفرائض . فيعطون فرائضهم . فما بقي بعد ذلك للجد والإخوة من شيء ، فإنه ينظر ، أي ذلك أفضل لحظ الجد ، أعطيه الثلث مما بقي له وللإخوة ، أو يكون بمنزلة رجل من الإخوة ، فيما يحصل له ولهم ، يقاسمهم بمثل حصة أحدهم ، أو السدس من رأس المال كله . أي ذلك كان أفضل لحظ الجد ، أعطيه الجد ، وكان ما بقي بعد ذلك للإخوة للأب والأم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، إلا في فريضة واحدة ، تكون قسمتهم فيها على غير ذلك ، وتلك الفريضة : امرأة توفيت ، وتركت زوجها ، وأمها ، وأختها لأمها وأبيها ، وجدها ، فللزوج النصف ، وللأم الثلث ، وللجد السدس ، وللأخت للأم والأب النصف ، ثم يجمع سدس الجد ، ونصف الأخت ، فيقسم أثلاثا ، للذكر مثل حظ الأنثيين فيكون للجد ثلثاه وللأخت ثلثه .

22648 - قال مالك : وميراث الإخوة للأب مع الجد ، إذا لم يكن معهم إخوة لأب وأم ، كميراث الإخوة للأب والأم ، سواء ، ذكرهم كذكرهم ، وأنثاهم كأنثاهم . فإذا اجتمع الإخوة للأب والأم ، والإخوة للأب ، فإن الإخوة للأب والأم ، يعادون الجد بإخوتهم لأبيهم ، فيمنعونه بهم كثرة الميراث بعددهم ولا يعادونه بالإخوة للأم ، لأنه لو لم يكن مع الجد غيرهم . لم يرثوا معه شيئا ، وكان المال كله للجد . فما حصل للإخوة من بعد حظ الجد ، فإنه يكون للإخوة من الأب والأم . دون الإخوة للأب ولا يكون للإخوة للأب معهم شيء ، إلا أن يكون الإخوة للأب والأم امرأة واحدة ، فإن كانت امرأة واحدة ، فإنها تعاد الجد بإخوتها لأبيها ما كانوا فما حصل [ ص: 434 ] لهم ولها من شيء كان لها دونهم ، ما بينها وبين أن تستكمل فريضتها ، وفريضتها النصف من رأس المال كله . فإن كان فيما يحاز لها ولإخوتها لأبيها فضل عن نصف رأس المال كله ، فهو لإخوتها لأبيها ، للذكر مثل حظ الأنثيين . فإن لم يفضل شيء ، فلا شيء لهم .


22649 - قال أبو عمر : أما اختلاف العلماء من الصحابة ، والتابعين ومن بعدهم من المخالفين في ميراث الجد بأن أبا بكر الصديق ، وعبد الله بن عباس ، وعائشة أم المؤمنين ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وأبا الدرداء ، وأبا هريرة ، وابن الزبير ، وأبا موسى كانوا يذهبون إلى أن الجد عند عدم الأب كالأب سواء ، ويحجبون به الإخوة كلهم ، ولا يورثون أحدا سوى الإخوة شيئا مع الجد .

22650 - وبه قال طاوس ، وعطاء ، وعبد الله بن عتبة ، وابن مسعود والحسن ، وجابر بن زيد ، وقتادة ، وعثمان البتي ، وأبو حنيفة ، والمزني صاحب الشافعي ، وأبو ثور ، وإسحاق ، ونعيم بن حماد ، وداود بن علي ، ومحمد بن جرير الطبري .

22651 - وروي عن عمر ، وعثمان أنهما قالا بذلك ، ثم رجعا عنه .

[ ص: 435 ] 22652 - روى ابن عيينة ، وغيره ، عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال : [ ص: 436 ] كتب ابن الزبير إلى أهل العراق : أما أبو بكر فكان يجعل الجد أبا ، وقال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كنت أتخذ خليلا ، لاتخذت أبا بكر خليلا " .

22653 - وحجة من جعل الجد أبا ; لأنه يقع عليه اسم أب .

22654 - وأجمعوا أنه كالأب في الشهادة لابن ابنه ، وكالأب فيمن يعتق عليه ، وأنه لا يقتص له من جده ، كما لا يقتص له من أبيه ; ولأن له السدس مع الأب الذكر ، وهو عاصب ، وذو فرض وليس ذلك لأحد غيره ، وغير الأب .

22655 - ولما كان ابن الابن كالابن عند عدم الابن كان كذلك أبو الأب عند عدم الأب كذلك .

22656 - واتفق علي بن أبي طالب ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود على توريث الإخوة مع الجد ، إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك .

22657 - فمذهب زيد ما ذكره مالك في هذا الباب ، وقال : إنه الأمر المجتمع عليه عندهم .

22658 - وأما علي ، فكان يشرك بين الإخوة والجد ، إلا السدس يجعله كأحدهم ، وإذا كان السدس خيرا له من المقاسمة أعطاه السدس ، وإذا كانت المقاسمة خيرا له من السدس أعطاه السدس بعد أخذ كل ذي فرض فرضه ، وكذلك إن لم يكن في الفريضة ذو فرض غير الإخوة ، والجد لا ينقص أبدا من السدس شيئا ، ويكون بذلك السدس مع ذوي الفروض ذا فرض ، وعاصبا ومع الإخوة أخا ، إلا أن [ ص: 437 ] تنقصه المقاسمة من السدس ، فلا ينقصه منه شيئا ، ولا يزيده مع الوالد الذكر شيئا على السدس ، ولا ينقصه منه شيئا مع غيرهم .

22659 - وإذا كانت أخت لأب وأم ، وأخ لأب ، وجد ، أعطى الأخت للأب والأم النصف فريضتها ، وقسم ما بقي بين الأخ ، والجد ، فإن كان أخ لأم وأخ لأب ، أو إخوة لأم وأب ، أو إخوة لأب لم يلتفت إلى الإخوة ، ولم يعاديهم الجد ، وقاسم بهم الإخوة للأب والأم دون الإخوة للأب .

22660 - قال أبو عمر : روي عن ابن عباس أنه سأل زيد بن ثابت عن قوله في الجد ، وفي معاداته الإخوة للأب والأم للإخوة للأب ؟ فقال : إنما أقول برأيي كما تقول برأيك .

22661 - قال أبو عمر : انفرد زيد بن ثابت من بين الصحابة - رضوان الله عليهم - بقوله في معاداته الجد بالإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم ، ثم يصير ما وقع لهم في المقاسمة إلى الإخوة للأب والأم ، ولم يقله أحد غيره ، إلا من اتبعه فيه ، قد خالفه فيه طائفة من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض لإجماع [ ص: 438 ] المسلمين أن الإخوة للأب لا يرثون شيئا مع الإخوة للأب والأم ، فلا معنى لإدخالهم معهم ، وهم لا يرثون ; لأنه خفيف على الجد في المقاسمة .

22662 - وذهب إلى قول زيد بن ثابت في الجد خاصة : مالك بن أنس وسفيان الثوري ، والأوزاعي ، وابن سيرين ، ومحمد بن إدريس الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وعبيد الله بن الحسن ، والحسن بن زياد اللؤلئي ، وأحمد بن حنبل ، وأبو عبيد .

22663 - ولم يذهب إلى قول زيد في منعه من توريث ذوي الأرحام ، وفي الرد على ذوي السهام ، وفي قوله ، ثلث المال بعد ذوي الفروض ، والعصبات والموالي أحد من الفقهاء الذين ذكرنا إلا مالكا ، والشافعي ، وسيأتي القول في ذلك كله في أبوابه بعد - إن شاء الله عز وجل .

22664 - وذهب إلى قول علي في الجد : المغيرة بن مقسم الضبي ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وجماعة من أهل العلم بالفرائض ، والفقه .

22665 - ومن حجة من ورث الأخ مع الجد أن الأخ أقرب إلى الميت من الجد ; لأن الجد أبو أبي الميت ، والأخ ابن أبي الميت .

22666 - ومعلوم أن الابن أقرب من الأب ، فكيف يكون من يدلي بالأبعد أحق ، وأولى ، فكيف من يدلي بالأقرب ، هذا محال .

[ ص: 439 ] 22667 - وقد أجمعوا أن ابن الأخ يقدم على العم ، وهو يدلي بالأخ ، والعم يدلي بالجد ، فدل هذا كله على أن الجد ليس بأولى من الأخ ، والله أعلم .

22668 - وقول ابن مسعود في مقاسمة الجد الإخوة مختلف عنه فيه .

22668 م - وروي عنه قول زيد أنه قاسم الجد بالإخوة إلى الثلث ، فإن نقصته المقاسمة من الثلث فرض له الثلث على حسب قول زيد .

22669 - وروي عنه مثل قول علي .

22670 - وقد ذكرنا عنه الروايات في " الإشراف " . وذكرنا هناك أقوالا للصحابة شاذة لم يقل أحد بها من الفقهاء ، فلم أر لذكرها وجها هاهنا .

22671 - وأما الفريضة التي ذكرها مالك في هذا الباب ، فهي المعروفة عند الفرضيين بالأكدرية ، وهي : زوج ، وأم ، وأخت لأب وأم ، أو لأب ، وجد .

[ ص: 440 ] 22672 - وقد اختلف العلماء من الصحابة ، ومن بعدهم فيها .

22673 - فكان عمر ، وعبد الله بن مسعود يقولان : للزوج النصف ، وللأم السدس ، وللأخت النصف ، وللجد السدس .

22674 - وروي عنهما أيضا : للزوج النصف ، وللأم الثلث ، مما بقي ، وللأخت النصف عالت الفريضة إلى ثمانية .

22675 - وكان علي ، وزيد يقولان : للزوج النصف ، وللأم الثلث ، وللأخت النصف ، وللجد السدس ، والفريضة من ستة عالت إلى تسعة ، إلا أن زيدا يجمع سهم الأخت ، والجد ، وهي سبعة ، فيجعلها بينهما على ثلاثة أسهم : سهمان [ ص: 441 ] للجد ، وسهم للأخت ، عملها أن تضرب ثلاثة في تسعة بسبعة وعشرين : للزوج ثلاثة في ثلاثة تسعة ، وللأم سهمان في ثلاثة ستة ، وتبقى اثنا عشر : للأخت ثلثها أربع ، للجد ثلثاها ثمانية .

22676 - وقال الشعبي : سألت قبيصة بن ذؤيب ، وكان من أعلمهم بقول زيد فيها - يعني الأكدرية ، فقال : والله ما فعل زيد هذا قط يعني أن أصحابه قاسوا ذلك على قوله .

22677 - وقال أبو الحسين بن اللبان الفارض : لم يصح عن زيد ما ذكروا - [ ص: 442 ] يعني في الأكدرية وقياس قوله أن يكون للزوج النصف ، وللأم الثلث ، وللجد السدس ، وتسقط الأخت كما يسقط الأخ لو كان مكانها ; لأن الأخ والأخت سبيلهما واحد في قول زيد ; لأنهما عنده عصبة مع الجد ، يقاسمانه .

22678 - واختلف في السبب الموجب لتسمية هذه الفريضة بالأكدرية : 22679 - فقيل : سميت بذلك لتكدر قول زيد فيها ; لأنه لم يفرض للأخت مع الجد ، وفرض لها في هذه المسألة .

22680 - وقيل : سميت بذلك ; لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلا يقال له الأكدر ، فأخطأ فيها ، فنسبت إليه .

22681 - حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عبد الله بن يونس ، قال : حدثني بقي بن مخلد ، قال : حدثني أبو بكر قال : حدثني وكيع ، عن سفيان ، قال : قلت للأعمش : لم سميت الأكدرية ؟ قال : طرحها عبد الملك بن مروان على رجل يقال له الأكدر كان ينظر في الفرائض فأخطأ فيها ، فسماها الأكدرية .

22682 - وقال وكيع : وكنا نسمع قبل هذا أنها سميت الأكدرية ، لأن قول زيد تكدر فيها ، لم يقس قوله .

22683 - وأما قول مالك في معاداة الإخوة للأب وللأم مع الجد ، بالإخوة للأب ثم انفرادهم بالميراث دونهم . فقد ذكرنا أن ذلك قول زيد وحده من بين جميع الصحابة .

[ ص: 443 ] 22684 - وأما قوله في الإخوة للأم في ذلك فإجماع أنهم لا يرثون عند الجميع مع الجد .

22685 - وقد ذكرنا ذلك في باب ميراث الأخوة للأم .

22686 - وأما قوله في الأخت الشقيقة أنها تعاد الجد بإخوتها لأبيها ، فإن حصل لها ولهم في ذلك النصف ، فهو لها دونهم ، وإن كان أكثر ، فالفضل على النصف لهم على حسب ما وصف فهو مذهب زيد .

22687 - وكان علي - رضي الله عنه - يفرض للأخوات للأب والأم ، ثم يقسم الباقي للإخوة للأب والجد ما لم تنقصه المقاسمة من السدس ، فإن نقصته فرض له السدس ، وفضل الباقي للإخوة للأب .

22688 - وأما ابن مسعود ، فأسقط الإخوة للأب مع الإخوة للأب والأم والجد ، فعلى قول ابن مسعود في أخت لأب وأم ، وأخت لأم وجد : المال بين الأخت ، والجد نصفين ، ولا شيء للإخوة للأب .

22689 - وذهب إلى قول ابن مسعود في الجد مع الإخوة : مسروق ، وشريح ، وطائفة من متقدمي أهل الكوفة .

22690 - ومن هذا الباب : أم ، وأخت ، وجد .

[ ص: 444 ] 22691 - واختلف فيها الصحابة - ( رضوان الله عليهم - ) على خمسة أقوال : 22692 - ( أحدها ) : من جعل الجد أبا أبو بكر ، وابن عباس وابن الزبير ، ومن ذكرنا معهم أعطوا الأم الثلث ، والباقي للجد ، وحجبوا الأخت بالجد ، كما تحجب بالأب .

22693 - ( والثاني ) : قول علي ، قال : للأم الثلث ، وللأخت النصف ، وما بقي فللجد .

22694 - ( والثالث ) : قول عثمان ، جعلها أثلاثا : للأم الثلث ، وللأخت الثلث ، وللجد الثلث .

22695 - ( والرابع ) : قول ابن مسعود ، قال : للأخت النصف ، والجد الثلث وللأم السدس ، وكان يقول : معاذ الله أن أفضل أما على جد .

22696 - ( والخامس ) : قول زيد بن ثابت ، قال : للأم الثلث ، وما بقي للجد ، والأخت ، للذكر مثل حظ الأنثيين .

22697 - وهذه الفريضة تدعى الخرقاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية