الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1104 [ ص: 488 ] ( 13 ) باب ميراث أهل الملل

1055 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين بن علي ، عن عمر بن عثمان بن عفان ، عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يرث المسلم الكافر " .

[ ص: 489 ] 1056 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن علي بن أبي طالب ; أنه أخبره : إنما ورث أبا طالب عقيل وطالب . ولم يرثه علي قال : فلذلك تركنا نصيبنا من الشعب .


22909 - قال أبو عمر : لم يتابع أحد من أصحاب ابن شهاب مالكا على قوله في الحديث الأول المسند عن عمر بن عثمان ، فكل من رواه عن ابن شهاب قال فيه عمرو بن عثمان ، إلا مالكا ، فإنه قال فيه عمر بن عثمان .

22910 - وقد وقفه على ذلك يحيي القطان ، والشافعي ، وابن مهدي ، وأبى إلا عمر بن عثمان .

22911 - وذكر ابن معين ، عن عبد الرحمن بن مهدي قال : قال لي مالك : تراني لا أعرف عمر من عمرو ، وهذه دار عمر ، وهذه دار عمرو .

22912 - قال أبو عمر : لا يختلف أهل النسب أنه كان لعثمان ابن يسمى عمر ، وابن يسمى عمرا ، إلا أن هذا الحديث لعمرو ، عند جماعة أهل الحديث ، لا لعمر ، وله أيضا من البنين أبان ، والوليد ، وسعيد ، ولكن صليبة أهل بيته في ذلك عمرو بن عثمان .

[ ص: 490 ] 22913 - وممن قال في هذا الباب عن ابن شهاب ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد : معمر ، وابن عيينة ، وابن جريج ، وعقيل ، ويونس ، وشعيب ، والأوزاعي ، وهؤلاء جماعة أئمة حفاظ ، وهم أولى أن يسلم لهم ، ويصوب قولهم .

22914 - ومالك حافظ الدنيا ، ولكن الغلط لا يسلم منه أحد .

22915 - وقالت الجماعة . في هذا الحديث بإسناده المذكور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " ، فاقتصر مالك - رحمه الله - على موضع الفقه الذي فيه التنازع ، وعزف عن غيره ، فلم يقل : ولا الكافر المسلم ; لأن الكافر لا يرث المسلم بإجماع المسلمين على ذلك ، فلم يحتج إلى هذه اللفظة مالك .

22916 - وجاء من الحديث بما فيه الحجة على من خالفه في توريث المسلم من الكافر ، وهي مسألة اختلف فيها السلف ، وذلك أن معاذ بن جبل ، ومعاوية بن أبي سفيان كانا يورثان المسلم من الكافر .

22917 - وروي ذلك عن عمر بن الخطاب ، ولا يصح .

22918 - ورواه الثوري عن حماد بن إبراهيم ، عن عمر أنه قال : أهل الشرك نرثهم ، ولا يرثونا .

[ ص: 491 ] 22919 - والصحيح عنه أنه قال في أهل الكفر : لا نرثهم ، ولا يرثونا .

22920 - ذكره مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر .

22921 - وروى مالك ، وابن جريج ، وابن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار ، عن محمد بن الأشعث ، عن عمر ، أنه قال له في عمته وماتت نصرانية : " يرثها أهل دينها " .

22922 - ورواه ابن جريج أيضا عن عمرو بن ميمون ، عن العرس بن قيس ، عن عمر بن الخطاب في عمة الأشعث بن قيس : " يرثها أهل دينها " .

22922 م - وممن قال بقول معاذ ، ومعاوية : إن المسلمين يرثون قراباتهم من الكفار ، ولا يرثهم الكفار محمد بن علي ابن الحنفية ، ومحمد بن علي بن حسين ، وسعيد بن المسيب ، ومسروق ، ويحيى بن يعمر .

22923 - ورواية عن إسحاق بن راهويه .

22923 م - وقال بعضهم : نرثهم ، ولا يرثونا كما ننكح نساءهم ، ولا ينكحون نساءنا .

22924 - ورووا فيه حديثا ليس بالقوي مسندا ، قد ذكرته في " الإشراف " .

22925 - وقال عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب وزيد ، وابن [ ص: 492 ] مسعود ، وابن عباس ، وجمهور التابعين بالحجاز ، والعراق : لا يرث المسلم الكافر ، كما لا يرث الكافر المسلم .

22926 - وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعيد ، وأبو عبيد ، وأحمد بن حنبل ، وداود بن علي ، وأبو جعفر الطبري ، وعامة العلماء .

22927 - وحجتهم حديث ابن شهاب هذا عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث الكافر المسلم ، ولا المسلم الكافر " .

22928 - واختلفوا في معنى هذا الحديث في ميراث المرتد على قولين : 22929 - ( أحدهما ) : أن ماله إذا قتل على ردته في بيت المال لجماعة المسلمين .

22930 - وهو قول زيد بن ثابت ، وجمهور فقهاء الحجاز .

22931 - وبه قال مالك ، والشافعي .

22932 - وحجتهم أن ظاهر القرآن في قطع ولاية المؤمنين من الكفار .

22933 - وعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث المسلم الكافر " ، ولم يخص مرتدا من غيره .

22934 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وجمهور الكوفيين ، وكثير من [ ص: 493 ] البصريين : إذا قتل المرتد على ردته ، ورثه ورثته من المسلمين .

22936 - قال : ولا يرث المرتد أحدا من مسلم ، ولا كافر .

22937 - وروى الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني قال : أتي علي - رضي الله عنه - بالمستورد العجلي ، وقد ارتد ، فعرض عليه الإسلام ، فأبى ، فضرب عنقه ، وجعل ميراثه لورثته من المسلمين .

22938 - وهو قول ابن مسعود .

22939 - وتأول من ذهب إلى هذا في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرث المسلم الكافر " ، أي الكافر الذي يقر على دينه .

22940 - وأما المرتد ، فلا دين له ، ولا ملة يقر عليها .

22941 - ومن حجتهم أيضا أن قرابة المسلم المرتد مسلمون .

22942 - فقد جمعوا القرابة والإسلام .

22943 - وتأول أصحاب مالك ، والشافعي في حديث علي أنه جعل ميراث المرتد لقرابته المسلمين ; لما رأى فيهم من الحاجة ، وكانوا ممن يستحقون ذلك في جماعة المسلمين من بيت مالهم ، ولا يمكن عموم جماعة المسلمين بميراثه ذلك ، فجعله لورثته على هذا الوجه لا على أنه ورثهم منه على طريق الميراث ، والله أعلم .

[ ص: 494 ] 22944 - واختلفوا في توريث أهل الملل بعضهم من بعض .

22945 - فذهب مالك إلى أن الكفر ملل مختلفة ، فلا يرث عنده يهودي نصرانيا ولا يرثه النصراني ، وكذلك المجوسي لا يرث نصرانيا ولا يهوديا ولا يرثانه .

22946 - وهو قول ابن شهاب ، وربيعة ، والحسن البصري .

22947 - وبه قال شريك القاضي ، وأحمد ، وإسحاق ، وحجتهم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يتوارث أهل ملتين " .

22948 - رواه جماعة من الثقات عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

22949 - وقال هشيم عن الزهري في حديثه ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم .

وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، وأبو ثور ، وداود ، وهو قول الثوري ، وحماد : الكفار كلهم يتوارثون ، والكافر يرث الكافر على أي كفر كان ، لأن الكفر كله عندهم ملة واحدة .

22950 - واحتجوا بقول الله عز وجل : قل يا أيها الكافرون [ سورة الكافرون ] ثم قال : لكم دينكم ولي دين [ الكافرون : 6 ] فلم يقل أديانكم فدل على أن الكفر كله ملة ، والإسلام ملة ، ومن ذلك قوله - عز وجل - [ ص: 495 ] ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [ البقرة : 120 ] ولم يقل مللهم فجعلهم على ملة واحدة .

22951 - قالوا : ويوضح لك ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يتوارث أهل ملتين " وقوله : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " فجعلوا الكفر كله ملة واحدة والإسلام ملة .

22952 - وقال شريح القاضي ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وشريك بن عبد الله النخعي القاضي يجعلون الكفر ثلاث ملل : اليهود والسامرة ملة ، والنصارى والصابئون ملة ، والمجوس ومن لا دين له ملة ، والإسلام ملة ، على اختلاف عن شريك ، وابن أبي ليلى في ذلك أيضا; لأنهما قد روي عنهما مثل قول مالك أيضا في ذلك .

22953 - وأما تقدم إسلام علي - رضي الله عنه - في حياة أبيه ، وتأخر إسلام عقيل ، فمذكور خبرهما بذلك في كتاب الصحابة ، والحمد لله .

22954 - وأما الشعب ، فشعب بني هاشم معروف ، وإليه أخرجتهم قريش مع بني عبد المطلب بن عبد مناف حين تقاسموا عليهم في أن لا يبايعوا ولا يدخلوا في شيء من أمور دنياهم .

22955 - والشعب في " لسان العرب " ما انفرج بين جبلين ، ونحوهما ، ومن شعاب مكة أزقتها وأبطانها ; لأنها بين آطام ، وجبال ، وأودية .

التالي السابق


الخدمات العلمية