الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
128 103 - مالك ، عن نافع ؛ أن عبيد بن عبد الله بن عمر ، أرسل إلى عائشة يسألها : هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض ؟ فقالت : لتشد إزارها على أسفلها ، ثم يباشرها إن شاء .


3313 - قال أبو عمر : لا أجد بعد السنة أقعد بهذا المعنى من عائشة ، فكانت تفتي بمعنى ما وعت عن النبي - عليه السلام - في ذلك .

[ ص: 183 ] 3314 - وقد ذكرنا في التمهيد حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها . ولم يؤاكلوها . ولم يشاربوها ، ولم يجامعوها في البيت . فسئل رسول الله عن ذلك . فأنزل الله " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى " ( البقرة : 222 ) . فقال رسول الله : " جامعوهن في البيوت . واصنعوا كل شيء إلا النكاح " .

3315 - فبان في هذا الحديث المعنى الذي فيه نزلت الآية ومراد الله بها على لسان نبيه عليه السلام .

3316 - وأما قول الفقهاء في مباشرة الحائض وما يستباح منها - فقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف : له منها ما فوق الإزار ، وهو قول سالم بن عبد الله ، والقاسم بن محمد .

3317 - وحجتهم ظواهر الآثار عن عائشة ، وميمونة ، وأم سلمة عن النبي - عليه السلام - أنه كان يأمر إحداهن أن تشد إزارها ثم يباشرها .

[ ص: 184 ] 3318 - وقال سفيان الثوري ، ومحمد بن الحسن ، وبعض أصحاب الشافعي : يجتنب موضع الدم .

3319 - وممن روي عنه هذا المعنى ابن عباس ، ومسروق بن الأجدع ، وإبراهيم النخعي ، وعكرمة .

3320 - وهو قول داود بن علي .

3321 - ومن حجتهم حديث ثابت ، عن أنس ، عن النبي - عليه السلام - قوله : " اصنعوا كل شيء ما خلا النكاح " .

3322 - وفي رواية بعض رواته " ما خلا الجماع " .

3323 - وحديث الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ناوليني الخمرة من المسجد . قلت : إني حائض . قال : إن [ ص: 185 ] حيضتك ليست في يدك " .

3324 - رواه أبو إسحاق السبيعي عن البهزي ، عن عائشة ، وقد ذكرنا هذه الأحاديث بأسانيدها في التمهيد .

3325 - وفيها دليل على أن كل عضو منها ليست فيه الحيضة فهو في الطهارة . بمعنى أنه يبقى على ما كان ذلك العضو عليه قبل الحيضة ودل على أن الحيض لا حكم له في غير موضعه الذي أمرنا بالاجتناب له من أجله .

3326 - وروى أيوب ، عن أبي معشر ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، قال : سألت عائشة : ما يحل لي من امرأتي وهي حائض ؟ قالت : كل شيء إلا الفرج .

3327 - وروى الليث : عن حكيم بن الأشج ، عن أبي مرة مولى عقيل ، عن حكيم بن عقال ، سألت عائشة : ما يحل لي من امرأتي إذا حاضت ؟ قالت : ما عدا فرجها .

3328 - وإذا ترتبت هذه الآثار مع حديث زيد بن أسلم في هذا الباب ، وحديث ربيعة ، والأحاديث عن أزواج النبي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرهن أن تشد كل واحدة [ ص: 186 ] منهن عليها إزارها إذا حاضت ، ثم يباشرها - لم تتدافع ، وكان بعضها يعضد بعضا على ما تأولنا من قطع الذريعة في شد الإزار ؛ لئلا يتطرق إلى الموضع المحظور ، والله أعلم .

3329 - وقد ذكر أبو داود في السنن حديثا مسندا عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها ، وهي حائض - : " اكشفي عن فخذيك فكشفت فوضع خده وصدره على فخذي وحنيت عليه حتى دفئ ، وكان قد أوجعه البرد " .

3330 - وهذا يبين لك ما قلناه ، وبالله توفيقنا .

3331 - واختلف الفقهاء في الذي يأتي امرأته وهي حائض :

3332 - فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم : يستغفر الله ، ولا [ ص: 187 ] يعود ، ولا شيء عليه . من غرم .

3333 - وهو قول ربيعة ، ويحيى بن سعيد ، وبه قال داود .

3334 - وروي عن محمد بن الحسن أنه قال : يتصدق بنصف دينار . لحديث خصيف ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي - عليه السلام - فإذا وقع على أهله وهي حائض فليتصدق بنصف دينار .

3335 - وقال أحمد بن حنبل : يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار ، وقال أحمد ما أحسن حديث عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم عن ابن عباس عن النبي - عليه السلام - في الذي يأتي امرأته وهي حائض : يتصدق بدينار أو بنصف دينار .

3336 - ورواه الثوري وشعبة وغيرهما عن الحكم بن عتبة عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب .

3337 - وقال أبو داود : هي الرواية الصحيحة . وربما لم يرفعه شعبة .

3338 - وقال الطبري : أستحب له أن يتصدق بدينار ، أو بنصف دينار ، فإن لم يفعل فلا شيء عليه .

3339 - وهو قول الشافعي ببغداد ، ثم رجع عنه بمصر .

[ ص: 188 ] 3340 - وقالت فرقة من أهل الحديث : إن وطئ في الدم فعليه دينار . وإن وطئ في انقطاع الدم فعليه نصف دينار . لحديث علي بن الحكم البناني ، عن أبي الحسن الجزري ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، عن النبي - عليه السلام - بذلك . كذلك رواه ابن جريج ، عن علي بن الحكم ، عن مقسم عن ابن عباس .

3341 - وقال الأوزاعي : من وطئ امرأته وهي حائض يتصدق بخمسي دينار . ورواه عن يزيد بن أبي مالك ، عن عبد الحميد ، عن عبد الرحمن ، عن النبي - عليه السلام - .

3342 - قال أبو عمر : حجة من لم يوجب عليه إلا الاستغفار والتوبة - اضطراب هذا الحديث عن ابن عباس مرسلا ، والذمم على البراءة ، لا يجب أن يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مدفع فيه . وذلك معدوم في هذه المسألة .

3343 - واختلف الفقهاء أيضا في وطء الحائض بعد الطهر .

3344 - فقال مالك وأكثر أهل المدينة : إذا انقطع عنها الدم لم يجز وطؤها حتى تغتسل . وبه قال الشافعي والطبري ، ومحمد بن مسلمة .

3345 - وقال أبو يوسف ، وأبو حنيفة ، ومحمد : إن انقطع دمها بعد مضي عشرة أيام كان له أن يطأها قبل الغسل ، فإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل . أو يدخل عليها وقت صلاة .

[ ص: 189 ] 3346 - قال أبو عمر : هذا الحكم لا وجه له ، وقد حكموا للحائض بعد انقطاع دمها بحكم الحائض في العدة ، وقالوا : لزوجها عليها الرجعة ما لم تغتسل .

3347 - فعلى قياس قولهم هذا لا يجب أن توطأ حتى تغتسل ، وهو الصواب مع موافقة أهل الحجاز في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية