الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1111 [ ص: 5 ] [ ص: 6 ] 28 - كتاب النكاح

[ ص: 7 ] ( 1 ) باب ما جاء في الخطبة

1062 - مالك ، عن محمد بن يحيى بن حبان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " .

1063 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 8 ] قال : " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه " .

23057 - قال مالك : وتفسير قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما نرى ، والله أعلم ، لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه . أن يخطب الرجل المرأة . فتركن إليه ، ويتفقان على صداق واحد معلوم . وقد تراضيا . فهي تشترط عليه لنفسها ، فتلك التي نهى أن يخطبها الرجل على خطبة أخيه . ولم يعن بذلك ، إذا خطب الرجل المرأة فلم يوافقها أمره ، ولم تركن إليه . أن لا يخطبها أحد . فهذا باب فساد يدخل على الناس .


23058 - قال أبو عمر : بنحو ما فسر مالك هذا الحديث فسره الشافعي ، وأبو عبيد .

[ ص: 9 ] 23059 - وهو مذهب جماعة الفقهاء ، كلهم يتفقون في ذلك المعنى ، وهو المعمول به عند السلف والخلف .

23060 - وذلك والله أعلم لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباح الخطبة لأسامة بن زيد على خطبة معاوية بن أبي سفيان ، وأبي جهم بن حذيفة حين خطبا فاطمة بنت قيس ، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشاورة له ، فخطبها لأسامة بن زيد على خطبتها .

23061 - ومعلوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفعل ما ينهى عنه .

23062 - ولا أعلم أحدا ادعى نسخا في أحاديث هذا الباب ، فدلست ذلك على أن المعنى ما قاله الفقهاء من الركون والرضا ، والله أعلم .

[ ص: 10 ] 23063 - وسيأتي القول في قول أسامة في موضعه من هذا الكتاب ، إن شاء الله عز وجل .

23064 - وقد روي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح ، أو يترك " .

23065 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في " التمهيد " .

23066 - والمعنى فيه ما تقدم عن مالك ، وغيره من العلماء .

23067 - فإذا ركنت المرأة ، أو وليها ، ووقع الرضا ، لم يجز لأحد حينئذ الخطبة على من ركن إليه ، ورضي به ، واتفق عليه ، ومن فعل ذلك كان عاصيا إذا كان بالنهي عالما .

23068 - واختلفوا في فسخ نكاحه ، وسنذكر بعد ذلك في هذا الباب ، إن شاء الله تعالى .

23069 - وقد روى ابن وهب ، عن الليث ، وابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن عبد الرحمن بن شماسة المهري أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " المؤمن أخو المؤمن ، لا يحل لمؤمن أن [ ص: 11 ] يبتاع على بيع أخيه حتى يذر ، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر " .

23070 - ومن الدليل على ما وصفنا ما جاء عن السلف ما رواه ابن وهب في " موطئه " قال : أخبرنا مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن سعد ، عن الحارث بن أبي ذباب : أن جريرا البجلي أمره عمر بن الخطاب أن يخطب عليه امرأة من دوس ، ثم أمره مروان بن الحكم من بعده أن يخطبها عليه ، ثم أمره عبد الله بن عمر بعد ذلك ، فدخل عليها ، فأخبرها بهم الأول فالأول ، ثم خطبها معهم لنفسه ، فقالت : والله ما أدري أتلعب أم أنت جاد ؟ قال : بل جاد ، فنكحته ، فولدت له ولدين .

23071 - وفي سماع إسماعيل بن أبي أويس ، قال : سمعت مالكا يقول : أكره إذا بعث الرجل رجلا يخطب له امرأة أن يخطبها الرجل لنفسه ، وأراها خيانة .

[ ص: 12 ] 23072 - ولم أسمع أحدا رخص في ذلك .

23073 - قال : وسئل مالك عن رجل خطب امرأة ، وركنت إليه ، واتفق على صداق معلوم ، حتى صارت من اللائي قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه " 23074 - قال مالك : إذا كان هكذا ، فملكها زوج آخر ، ولم يدخل بها ، فإنه يفرق بينهما .

23075 - وإن دخل بها مضى النكاح ، وبئس ما صنع حين خطب امرأة في حال نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخطب عليها .

23076 - قال أبو عمر : هذا هو المشهور عن مالك ، وتحصيل مذهبه فيمن خطب بعد الركون على خطبة أخيه أن يفسخ نكاحه ، إن لم يدخل ، فإن نكح لم يفسخ .

23077 - وقد روي عنه أنه يفسخ على كل حال .

23078 - وقد روي عنه أنه لا يفسخ أصلا ، وإن كان عاصيا بفعله .

23079 - وهو قول الشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهما .

[ ص: 13 ] 23080 - وقد قال الشافعي ليس بعاص إلا أن يكون بالنهي عالما وغير متأول .

23081 - وقال داود : يفسخ نكاحه على كل حال .

23082 - وقال ابن القاسم : إذا تزوج الرجل المرأة بعد أن ركنت إلى غيره ، فدخل بها ، فإنه يتحلل الذي خطبها عليه ويعرفه بما صنع ، فإن حلله ، وإلا فليستغفر الله من ذلك ، وليس يلزمه طلاقها ، وقد أثم فيما فعل .

23083 - قال ابن وهب : إن لم يجعله الأول في حل مما صنع ، فليطلقها ، فإن رغب فيها الأول ، وتزوجها ، فقد برئ هذا من الإثم ، وإن كره تزويجها ، فليراجعها الذي فارقها بنكاح جديد ، وليس يقضى عليه بالفراق .

23084 - وقال ابن القاسم : إنما معنى النهي في أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في رجلين صالحين ، وأما إذا كان الذي خطبها أولا فركنت إليه رجل سوء ، فإنه ينبغي للولي أن يحضها على تزويج الرجل الصالح الذي يعلمها الخير ، ويعينها عليه .

23085 - قال أبو عمر : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع الرجل على بيع أخيه ، أو يخطب على خطبة أخيه " والبيع عندهم ( مكروه ) غير مفسوخ ، فكذلك النكاح ; [ ص: 14 ] لأنه لم يملك بضعها بالركون دون العقد ، ولا كانت له بذلك زوجة يجب بينهما الميراث ، ويقع الطلاق ، ولو كان كذلك لقضى مالك بفسخه قبل الدخول ، وبعده .

23086 - وفسخ النكاح عنده قبل الدخول من باب إعادة الصلاة في الوقت ليدرك العمل على سنته وكمال حسنه .

23087 - والركون عند أهل اللغة السكون إلى الشيء بالمحبة له ، والإنصات إليه ، ونقيضه النفور عنه .

23088 - ومن ذلك قوله تعالى ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار [ هود : 113 ] .

23089 - وقد روي في هذا المعنى عن عقبة بن عامر تشديد وتغليظ ، رواه ابن السرح ، عن حيوة بن شريح أن زياد بن عيينة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول على المنبر : لئن يجمع الرجل حطبا حتى يصير مثل الجبل ، ثم يوقده بالنار ، فإذا احترق اقتحم فيه حتى يصير رميما - خير له من أن يفعل إحدى ثلاث : يخطب على خطبة أخيه ، أو يسوم على سوم أخيه ، أو يصر لقحة .

23090 - قال أبو عمر : ما صح العقد فيه وكمل النكاح له ارتفع الوعيد فيه [ ص: 15 ] أن يكون كبيرة ، فمغفور مع اجتناب الكبائر .

التالي السابق


الخدمات العلمية