الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1066 - مالك ; أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه قال : قال عمر بن الخطاب : لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها . أو السلطان .


23163 - قال أبو عمر : قول عمر هذا اختلف فيه أصحابنا على قولين :

[ ص: 29 ] 23164 - ( فمنهم من قال ) : إن قوله : وليها ، أو ذوي الرأي من أهلها ، أو السلطان أن كل واحد من هؤلاء جائز إنكاحه ، ونافذ فعله إذا أصاب وجه الصواب من الكفاءة ، والصلاح .

وقال آخرون : أراد بقوله : ( وليها ) أقرب الأولياء ، وأقعدهم بها .

23165 - وأراد بقوله : " ذوي الرأي من أهلها " عصبتها أولوا الرأي ، وإن بعدوا منها في النسب إذا لم يكن الولي الأقرب .

23166 - وكذلك السلطان إذا لم يكن ( ولي ) قريب ولا بعيد ، وجعلوا قول عمر هذا على الترتيب ، لا على التخيير ، كنحو اختلاف العلماء في معنى قول الله عز وجل في المحاربين : أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض [ المائدة : 33 ] .

23167 - وهذا كله من قولهم تصريح أنه لا نكاح إلا بولي .

23168 - واختلفوا في حكم الولي ، ومعناه على ما نوضحه عنهم ، وعن غيرهم من العلماء ، إن شاء الله .

23169 - قال أبو عمر : روي عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : لا نكاح إلا بولي من حديث أبي موسى الأشعري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه حديث وصله جماعة عن أبي إسحاق ، [ ص: 30 ] عن أبي بردة ، عن أبي موسى ، عن أبيه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم : أبو عوانة ، ويونس بن أبي إسحاق ، وإسرائيل بن يونس .

23170 - وقد ذكرنا الطرق عنهم في " التمهيد " وأرسله شعبة ، والثوري ، فروياه عن أبي إسحاق ، عن أبي بردة ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

23171 - روى ابن جريج ، عن سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل - ثلاث مرات - فإن دخل بها ، فالمهر لها بما أصاب منها ، فإن اشتجروا ، فالسلطان ولي من لا ولي له " .

[ ص: 31 ] 23172 - روى هذا الحديث عن ابن جريج جماعة لم يذكروا فيه علة .

23173 - ورواه ابن عيينة ، عن ابن جريج بإسناده ( مثله ) ، وزاد قال ابن جريج ; فسألت عنه الزهري ، فلم يعرفه ، ولم ير واحد هذا الكلام عن ابن جريج في هذا الحديث ، غير ابن علية ، فتعلق به من أجاز النكاح بغير ولي ، وقال : هو حديث واه إذ قد أنكره الزهري الذي عنه روي ، وطعنوا بذلك على سليمان بن موسى في حفظه ، قالوا : لم يتابعه عليه أحد من الحفاظ أصحاب الزهري ، وقال به من لم يجز النكاح إلا بإذن ولي .

وهو حديث صحيح لأنه نقله عن الزهري ثقات .

قالوا : وسليمان بن موسى إمام أهل الشام ، وفقيههم عن الزهري .

23174 - وقد رواه عن الزهري ، كما رواه سليمان بن موسى : جعفر بن [ ص: 32 ] ربيعة ، والحجاج بن أرطاة . ولا يضر إنكار الزهري له ; لأنه من نسي شيئا بعد أن حفظه ، لم يضر ذلك من حفظه عنه .

[ ص: 33 ] 23175 - قال أبو عمر : حديث جعفر بن ربيعة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل . . . " الحديث . لا أحفظه إلا من حديث ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة .

23176 - ورواه عن ابن لهيعة : ابن وهب ، والقعنبي ، وعبد الغفار بن داود الحراني ، والمعلى بن منصور ، وغيرهم .

23177 - واحتجوا أيضا بما حدثني أحمد بن قاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثني إسماعيل بن موسى ، قال : حدثني إسحاق بن عيسى ، قال : حدثني هشيم ، عن الحجاج ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي ، والسلطان ولي من لا ولي له " .

23178 - فإن قيل : إن الحجاج بن أرطاة ليس في الزهري بحجة ، وأجمعوا على أنه كان يدلس ويحدث عن الثقات بما لم يسمع عنهم إذا سمعه [ ص: 34 ] منهم ، قيل له : قد رواه ابن أبي مليكة ، عن أبي عمرو مولى عائشة ، عن عائشة بإسناد ، كلهم ثقات ، وعدول .

23179 - حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني عبد الله بن إدريس ، عن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن أبي عمرو مولى عائشة ، عن عائشة قالت : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " تستأمر النساء في أبضاعهن " قلت يا رسول الله ! إنهن يستحيين ، قال : " الأيم أحق بنفسها ، والبكر تستأمر ، وسكوتها إقرارها " .

23180 - وقد تكلمنا على علل أحاديث هذا الباب ، وتصحيحها في " التمهيد " بما يطول ذكره .

23181 - وأجمع العلماء على أن الولي المذكور بالإشارة إليه في هذا الحديث هو الولي من النسب والعصبة .

23182 - واختلفوا في غير العصبة مثل وصي الأب ، وذي الرأي من السلطان ، إلا أنهم أجمعوا أن السلطان ولي من لا ولي له ; لأن الولاية بعد عدم التعصيب تنصرف إلى الذي يقف على هذا الأصل .

[ ص: 35 ] 23183 - قال أبو عمر : كان الزهري يقول : وهو راوية هذا الحديث : إذا تزوجت المرأة بغير إذن وليها كفؤا ، جاز .

23184 - وهو قول الشعبي .

23185 - وبه قال أبو حنيفة ، وزفر .

23186 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : لا يجوز النكاح إلا بولي ، فإن سلم الولي جاز ، وإن أبى أن يسلم ، والزوج كفؤا ، أجازه القاضي .

23187 - ونحو هذا مذهب الأوزاعي .

23188 - وأما مالك فتحصيل مذهبه أنه : " لا نكاح إلا بولي " هذه جملته .

23189 - وروى أشهب ، عن مالك أن الشريفة ، والدنية ، والسوداء ، والمسالمة ، ومن لا خطب لها في ذلك سواء .

23190 - هذا معنى رواية أشهب عن مالك .

23191 - وقال ابن القاسم عنه : إذا كانت المرأة معتقة ، أو مسكينة دنية ، أو تكون في قرية لا سلطان فيها ، فلا بأس أن تستخلف رجلا يزوجها ، ويجوز ذلك . وإن كانت ذات حسب لها حال ، وشرف ، فلا ينبغي لها أن يزوجها إلا وليها ، أو السلطان .

23192 - وقال مالك في الولي الأبعد يزوج وليته بإذنها ، وهناك من هو أقرب إليها : أن النكاح جائز إذا كان للناكح صلاح ، وفضل .

[ ص: 36 ] هذا قوله في " المدونة " .

23193 - وقال سحنون : أكثر الرواة يقولون : لا يزوجها ولي ، وثم أقرب منه ، فإن فعل نظر السلطان في ذلك .

23194 - قال : وروى آخرون أن للأقرب أن يرد أو يجيز ، إلا أن يطول مكثها عند الزوج ، وتلد أولادا .

23195 - قال : وهذا في ذات المنصب والقدر .

23196 - وذكر ابن حبيب ، عن الماجشون ، قال : النكاح بيد الأقعد ، فإن شاء فسخه ، وإن شاء أجازه ، إلا أن يدخل بها الزوج .

23197 - وقال المغيرة : لا يجوز أن يزوجها ولي ، وثم من هو أولى منه ، ويفسخ نكاحه .

23198 - والمسائل في هذا الباب عن مالك ، وأصحابه كثيرة الاضطراب .

23199 - وقال مالك ، وجمهور أصحابه : الأخ وابن الأخ أولى من الجد بالإنكاح .

23200 - وقال المغيرة : الجد أولى من الأخ .

23201 - وروى ابن القاسم ، عن مالك : الابن أولى من الأب .

[ ص: 37 ] 23202 - وهو تحصيل المذهب عند المصريين من أصحابه .

23203 - وروى المدنيون ، عن مالك أن الأب أولى .

23204 - وقال إسماعيل بن إسحاق : قال مالك في هذا الباب أقاويل ، يظن من سمعها أن بعضها يخالف بعضا .

23205 - قال : وجملة هذا الباب أن الله - تبارك وتعالى - أمر بالنكاح ، وحض عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجعل الله المؤمنين بعضهم أولياء بعض ، وبذلك يتوارثون ، ثم تكون ولاية أقرب من ولاية ، كما قرابة أقرب من قرابة .

23206 - فمن كان أولى بالمرأة كان أولى بإنكاحها ، فإن تشاجروا ، نظر الحاكم في ذلك إذا ارتفعوا إليه . ثم أتى بكلام قد ذكرناه عنه في " التمهيد " أكثره لا حجة فيه ، ثم قال : فإن نكحت المرأة بغير ولي فسخ النكاح ، فإن دخل وفات الأمر بالدخول ، وطول الزمن والولادة ، لم يفسخ ; لأنه لا يفسخ من الأحكام إلا الحرام البين ، أو يكون خطأ لا شك فيه ، فأما ما يجتهد فيه الرأي ، وفيه الاختلاف ، فلا يفسخ .

23207 - قال : ويشبه على مذهب مالك أن يكون الدخول فوتا ، وإن لم يتطاول ، ولكنه احتاط في ذلك .

[ ص: 38 ] 23208 - قال : والذي يشبه عندي على مذهب مالك في المرأة إذا تزوجت بغير ولي ، ثم مات أحدهما أنهما يتوارثان ، وإن كان مالك يستحب ألا يقام على ذلك النكاح .

23209 - قال : وقد ذكر ابن القاسم ، عن مالك أنه كان يرى بينهما الميراث .

23210 - قال أبو عمر : مذهب الليث بن سعد في هذا الباب نحو قول مالك .

23211 - وأما الشافعي ، فالنكاح عنده بغير ولي مفسوخ قبل الدخول وبعده ، طال الأمد ، أو لم يطل ، ولا يتوارثون إن مات أحدهما .

23212 - والولي عنده من فرائض النكاح ولي القرابة لأولي الديانة وحدها دون القرابة ، ثم الولاية عنده على الأقرب فالأقرب ، ( والأقعد فالأقعد ) ولا مدخل عنده للأبعد مع الأقرب في إنكاح المرأة ، إلا أن يكون الأقرب سفيها ، أو غائبا غيبة يضر بالمرأة انتظاره لطولها ، ولا ولاية عنده لأحد مع الأب من [ ص: 39 ] الأولياء ، فإن مات الأب ، فالجد ، ثم أبو الجد ، ثم أبوه ، أبدا هكذا .

23213 - والبكر والثيب في ذلك سواء ، لا تنكح واحدة منهما بغير ولي ، إلا أن الثيب لا ينكحها أب ولا غيره إلا بإذنها ، وتنكح البكر من بناته بغير أمرها .

23214 - واحتج بقول الله عز وجل : وأنكحوا الأيامى منكم [ النور : 32 ] .

23215 - وقوله تعالى في الأيامى : فانكحوهن بإذن أهلهن [ النساء : 25 ] .

23216 - وقوله تعالى مخاطبا للأولياء : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] .

23217 - نزلت هذه الآية في عضل معقل بن يسار أخته ، وكان زوجها طلقها ، ثم أراد رجعتها ، فخطبها ، فأبى معقل أن يردها إلى زوجها ، فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي " .

[ ص: 40 ] 23218 - قال : فإن لم يكن ولي القرابة من العصبة ، فليس بولي ، والسلطان ليس بولي إلا لمن لا ولي له من العصبة ; لقوله ، صلى الله عليه وسلم : " السلطان ولي من لا ولي له " .

23219 - وقال الثوري : الأولياء : العصبة ، كقول الشافعي .

23220 - وقال أبو ثور : كل من وقع عليه اسم ولي ، فله أن ينكح .

23221 - وهو قول محمد بن الحسن .

23222 - وقال أحمد بن حنبل ، وإسحاق في النكاح بغير ولي نحو قول الشافعي .

23223 - وقال : إسحاق بن منصور : قلت لأحمد بن حنبل : إذا تزوجها بغير ولي ثم طلقها ، قال : أحتاط لها ، وأجيز طلاقه .

[ ص: 41 ] 23224 - قال إسحاق : كلما طلقها ، وقد عقد النكاح بغير ولي ، لم يقع عليها طلاق ، ولا يقع بينهما ميراث ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " فنكاحها باطل ( ثلاثا ) " .

23225 - والباطل مفسوخ ، فلا يحتاج إلى فسخ حاكم ، ولا غيره .

23226 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه ، فليس الولي عندهم من أركان النكاح ولا من فرائضه ، وإنما هو من تمام النكاح ، وجماله ; لأن لا يلحقه عارها ، فإذا تزوجت كفؤا جاز ، بكرا كانت أو ثيبا .

23227 - وقالوا في قول رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها " دليل على أن لها أن تزوج نفسها ; لأنه لم يقل أنه أحق بها في الإذن دون العقد .

23228 - قالوا : ومن ادعى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد الإذن دون العقد ، فعليه الدليل .

23229 - قالوا : والأيم : كل امرأة لا زوج لها ، بكرا كانت أو ثيبا .

23230 - قالوا : والمرأة إذا كانت رشيدة جاز لها أن تلي عقدة نكاحها ; لأنه عقد أكسبها مالا ، فجاز أن تليه بنفسها كالبيع ، والإجارة .

23231 - قالوا : وقد أضاف الله - عز وجل - النكاح إليها بقوله : [ ص: 42 ] حتى تنكح زوجا غيره وبقوله : أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] . وقوله : فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف .

23232 - ورووا عن علي أنه كان يجيز النكاح بغير ولي .

23233 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني ابن فضيل ، عن أبيه ، عن الحكم ، قال : كان علي - رضي الله عنه - إذا رفع إليه رجل تزوج امرأة بغير ولي دخل بها أمضاه .

23234 - قال : وحدثني يحيى بن آدم ، قال : حدثني سفيان ، عن أبي قيس ، عن هذيل : إذا رفعت إلى علي امرأة قد زوجها خالها ، وأمها ، فأجاز علي النكاح .

23235 - قال يحيى : وقال سفيان : لا يجوز ; لأنه غير ولي .

23236 - وقال الحسن بن صالح : هو جائز ; لأن عليا حين أجازه كان بمنزلة الولي .

[ ص: 43 ] 23237 - قال أبو عمر : لهذه المسألة في إنكاح المرأة نفسها ، وعقدها في ذلك موضع في كتابنا ، غير هذا ، نذكره هناك ، أبلغ من الذكر هاهنا إن شاء الله عز وجل .

23238 - ومن الحجة على الكوفيين في جواز إنكاح المرأة نفسها ما رواه هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تنكح المرأة المرأة ، ولا تنكح المرأة نفسها ، فإن الزانية التي تنكح نفسها " .

23239 - ولما لم تل عقدة النكاح غيرها لم تل عقد نكاح نفسها .

23240 - ألا ترى إلى حديث القاسم ، عن عائشة أنها كانت إذا خطب إليها بعض قرابتها ، وبلغت التزويج تقول للولي : زوج ، فإن النساء لا يعقدن النكاح .

23241 - والدليل على صحة ذلك قول الله عز وجل : وأنكحوا الأيامى منكم [ النور : 32 ] .

23242 - وقال : فانكحوهن بإذن أهلهن [ النساء : 25 ] .

[ ص: 44 ] 23243 - وقال : ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن [ البقرة : 221 ] .

23244 - وهذا كله يدل على أن أمرهن إلى الرجال .

23245 - ولولا ذلك ما خوطبوا بإنكاحهن .

23246 - وكذلك قيل لهم : ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] .

23247 - وليس في قوله ، صلى الله عليه وسلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها " حجة لمن ذهب إلى أن المرأة تزوج نفسها لقوله ، صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير ولي ، فنكاحها باطل " ولم يخص ثيبا من بكر .

23248 - وفي هذين الحديثين ما دل على أن الثيب أحق بنفسها من البكر ، وأن للولي فيها حقا ليس يبلغ مبلغ حقه في البكر ; لأن الأب يزوج البكر بغير إذنها ، ولا يزوج الثيب إلا بإذنها .

23249 - ومن الدليل على أنه أراد الإذن دون العقد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد نكاح خنساء ، وكانت ثيبا ، وزوجها أبوها بغير إذنها .

وقيل : كانت بكرا ، والاختلاف في ذلك ووجوهه تأتي في موضعها من كتابنا هذا ، إن شاء الله عز وجل .

23250 - وأما المرأة تجعل عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي لها ، فيعقد [ ص: 45 ] نكاحها ، فقد اختلف مالك وأصحابه في ذلك :

23251 - ففي " المدونة " قال ابن القاسم : وقف فيها مالك ، ولم يجبني عنها .

23252 - وقال ابن القاسم : إن أجازه الولي جاز ، وإن أراد الفسخ فسخ ، دخل ، أو لم يدخل ، إذا كان بالقرب ، فإن تطاول الأمد ، وولدت الأولاد ، جاز إذا كان ذلك صوابا .

23253 - قال وكذلك قال مالك .

23254 - قال سحنون : وقال غير ابن القاسم : لا يجوز ، وإن أجازه الولي ، فإنه نكاح عقده غير الولي .

23255 - وذكر ابن حبيب ، عن ابن الماجشون ، أنه لا يجوز ، وإن أجازه الولي .

23256 - وقال : والفسخ فيه بغير طلاق .

23257 - وذكر ابن شعبان ، عن ابن الماجشون ، عن مالك ، قال : إذا زوجها أجنبي ، لم يكن للولي أن يجيزه ، وإن ولدت منه ; لقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير ولي ، فنكاحها باطل " [ ص: 46 ] 23258 - قال ابن شعبان : وقد قال مالك : إذا زوج المرأة غير وليها يفسخ قبل الدخول بتطليقة ، فلا شيء لها من الصداق .

23259 - قال : وقال مالك فيمن تزوجت بغير ولي ، ودخل بها ، والزوج كفء ووليها قريب ، فلا نرى أن نتكلم في هذا .

23260 - قال أبو عمر : ما رواه ابن الماجشون ، عن مالك في ما ذكره ابن حبيب ، وابن شعبان هو القول بظاهر قوله ، صلى الله عليه وسلم : " لا نكاح إلا بولي ، وأيما امرأة نكحت بغير ولي ، فنكاحها باطل " .

23261 - وهو قول المغيرة ، وجمهور أهل المدينة .

23262 - وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وعامة أهل الحديث .

23263 - وأما رواية ابن القاسم ، وما كان مثلها عن مالك ، فهو نحو قول أبي حنيفة ، والكوفيين ، وقول أبي ثور على ما وصفنا من مذاهبهم فيما مضى من هذا الباب ، إلا أن ابن القاسم ، ومن قال بقوله من المالكيين مع قولهم : لا نكاح إلا بولي يجيزون النكاح بغير ولي إذا وقع ، وفات بالدخول ، أو بالطول .

[ ص: 47 ] 23264 - ولا أعلم أحدا فرق بين الشريفة ذات الحسب والمال ، وبين الدنية التي لا حسب لها ولا مال ، إلا مالكا في رواية ابن القاسم وغيره عنه .

23265 - وكذلك لا أعلم أحدا من العلماء فرق بين الثيب والبكر في الولي ، فقال : جائز أن تنكح الثيب بغير ولي ، وأنه جائز لها أن تزوج نفسها والبكر لا يجوز نكاحها إلا بإذن وليها ، إلا داود بن علي ، فإنه جاء بقول خالف فيه من سلف قبله من العلماء ، فقال : لا أمر للولي مع الثيب ، وجائز نكاحها بغير ولي ، وأما البكر ، فلا يجوز نكاحها إلا بإذن ولي من العصبة .

23266 - واحتج بما حدثناه عبد الله بن محمد قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني الحسن بن علي ، قال حدثني عبد الرازق ، قال : أخبرنا معمر ، عن صالح بن كيسان ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ليس للولي مع الثيب أمر ، واليتيمة تستأمر ، وصمتها إقرارها " .

[ ص: 48 ] 23267 - قال أبو عمر : ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر .

23268 - خالف داود أصله في هذه المسألة ، وقال فيها بالمجمل والمفسر ، وهو لا يقول بذلك ، فجعل قوله : " لا نكاح إلا بولي " مجملا ، وقوله : " الأيم أحق بنفسها من وليها " مفسرا ، وهما في الظاهر متضادان ، وأصله في الخبرين المتضادين أن يسقطا جميعا ، كأنهما لم يجبا ، ويرجعان ويرجع إلى الأصل فيهما ، ولو كان الناس عليه ، كقوله في استقبال القبلة بالبول والغائط ، أسقط فيهما الحدثين ، ولم يجعلهما مجملا مفسرا ، وقال بحديث الإباحة مع ضعفه عنده ، لشهادة أصله له ، فخالف أصله في هذه المسألة ، وخالف أصلا له آخر .

23269 - وذلك أنه كان يقول : إذا اجتمع في مسألة على قولين ، فليس لأحد أن يخترع قولا ثالثا ، والناس في هذه المسألة ، مع اختلافهم لم يفرقوا بين البكر والثيب . من قال إنه لا نكاح للأول ، ومن أجاز النكاح بغير ولي كلهم لم يفرق بين البكر والثيب في مذهبه ، وجاء داود يقول بفرق بينهما بقول لم يتقدم إليهم .

23270 - قال أبو عمر : قوله ، صلى الله عليه وسلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها " يحتمل أنه يكون أحق بنفسها ولا حق لغيرها معها ، كما زعم داود .

[ ص: 49 ] 23271 - ومحتمل أن يكون أراد أنها أحق بأن لا تنكح إلا برضاها ، خلاف البكر التي للأب أن ينكحها بغير رضاها ، وأن وليها أحق بإنكاحها ، فلما قال ، صلى الله عليه وسلم : " أيما امرأة نكحت بغير ولي ، فنكاحها باطل " ، دل على أن المراد بهذا الأيم أحق بنفسها ، أن فيها إنما هو الرضا ، وحق الولي أنه أحق بالتزويج ; لقوله : أيما امرأة نكحت بغير ولي ، و لا نكاح إلا بولي . قول عام في كل متواجد ، وكل نكاح .

23272 - وقوله : " الأيم أولى بنفسها من وليها " ، ويميل أن لوليها في إنكاحها حقا ، ولكن حقها في نفسها أكثر ، وهو أن لا تزوج إلا بإذنها ، وقد أخبر أنه وليها ، ولا فائدة في ولايته إلا في تولي العقد عليها إذا رضيت ، وإذا كان لها العقد على نفسها لم يكن وليا .

وهذا واضح عال .

23273 - وفيما تقدم من قول الله تعالى : فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] . وأنها نزلت في عضل معقل بن يسار أخته ، عن ردها إلى زوجها . كفاية وحجة بالغة ، وبالله التوفيق .

23274 - قال أبو عمر : أجمع العلماء على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة ولا يشاورها ، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة بنت أبي بكر وهي [ ص: 50 ] صغيرة بنت ست سنين أو سبع سنين ، أنكحه إياها أبوها .

23275 - وقال العراقيون : إذا أنكح الأب أو غيره من الأولياء الصغيرة ، فلها الخيار إذا بلغت .

23276 - وقال فقهاء أهل الحجاز : لا خيار لها في الأب . ولا يزوجها صغيرة غير الأب .

23277 - قال أبو قرة : سألت مالكا عن قوله ، صلى الله عليه وسلم : " والبكر تستأذن في نفسها " أيصيب هذا القول الأب ؟ قال : لا ، لم يعن الأب بهذا ، إنما عنى به غير الأب . قال : ونكاح الأب جائز على الصغار من ولده ، ذكرا كان أو أنثى ، ولا خيار لواحد منهم قبل البلوغ .

23278 - قال : ولا ينكح الصغيرة أحد من الأولياء غير الأب .

23279 - قال أبو عمر : اختلفوا في الأب ، هل يجبر ابنته الكبيرة البكر على النكاح أم لا ؟ .

23280 - فقال مالك ، والشافعي ، وابن أبي ليلى : إذا كانت المرأة بكرا ، كان لأبيها أن يجبرها على النكاح ما لم يكن ضررا بينا ، وسواء كانت صغيرة أو كبيرة .

[ ص: 51 ] 23281 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وجماعة .

23282 - وحجتهم أنه لما كان له أن يزوجها صغيرة ، كان له أن يزوجها كبيرة إذا كانت بكرا ; لأن العلة البكورة ; لأن الأب ليس كسائر الأولياء ، بدليل تصرفه في مالها ، ونظره لها ، وأنه غير متهم عليها ، ولو لم يجز له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها ، لم يكن له أن يزوجها صغيرة .

كما أن غير الأب لم يكن له أن يزوجها بكرا بالغا إلا بإذنها ، لم يكن له أن يزوجها صغيرة ، ولو احتيج إلى إذنها في الأب ما زوجها حتى تكون ممن لها الإذن بالبلوغ .

23283 - فلما أجمعوا على أن للأب أن يزوجها صغيرة ، وهي لا إذن لها صح لها بذلك أن له أن يزوجها ، بغير إذنها ما كانت بكرا ; لأن الفرق إنما ورد بين البكر والثيب على ما في الحديث .

23284 - ومن حجتهم أيضا قوله ، صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح اليتيمة إلا بإذنها " فدل على أن ذات الأب تنكح لغير إذنها ، إذا كانت بكرا ، بإجماعهم أيضا ، على أن الثيب لا تزوج إلا بإذنها ، وأنها أحق بنفسها في العقد .

23285 - ولما قال ، صلى الله عليه وسلم : " الثيب أحق بنفسها " دل على أن البكر وليها أحق [ ص: 52 ] بالعقد عليها ، وهو الأب ، بدليل قوله ، صلى الله عليه وسلم : " اليتيمة لا تنكح حتى تستأمر " .

23286 - وروى محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو رضاها " .

23287 - رواه جماعة من الحفاظ ، عن محمد بن عمرو .

23288 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في " التمهيد " .

23289 - ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ في هذا الحديث غير محمد بن عمرو ، والله أعلم .

23290 - وقد روي من حديث أبي موسى ، وهو ثابت أيضا .

23291 - حدثناه عبد الوارث ، قال : حدثني إسحاق بن الحسن الحربي ، قال : حدثني أبو نعيم ، قال : حدثني يونس بن أبي إسحاق ، قال : حدثني أبو بردة ، عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " تستأمر اليتيمة في نفسها ، [ ص: 53 ] فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أنكرت ، لم تكره " .

23292 - قال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وأبو ثور ، وأبو عبيد : لا يجوز للأب أن يزوج البالغ من بناته بكرا كانت أو ثيبا إلا بإذنها .

23293 - ومن حجتهم قوله ، صلى الله عليه وسلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها " .

23294 - قالوا : والأيم التي لا بعل لها ، وقد تكون بكرا وثيبا .

23295 - قالوا : وكل أيم على هذا إلا ما خصته السنة ، ولم تخص بذلك إلا الصغيرة وحدها يزوجها أبوها بغير إذنها ; لأنه لا إذن لمثلها .

23296 - وقد ثبت أن أبا بكر زوج عائشة ابنته من النبي - صلى الله عليه وسلم - صغيرة ، ولا أمر لها في نفسها ، فخرج النساء من الصغار بهذا الدليل .

23297 - وقالوا : الولي هاهنا : كل ولي ; أب وغير أب ، أخذا بظاهر العموم ، [ ص: 54 ] ما لم يرده نص يخرجه عن ذلك ، ولا نص ، ولا دليل يخص ذلك إلا في الصغيرة ذات الأب .

23298 - واحتجوا أيضا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تنكح البكر حتى تستأذن " .

23299 - قالوا : فهذا على عمومه في كل بكر ، إلا الصغيرة ذات الأب ; بدليل الإجماع على معنى حديث تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - عائشة ، رضي الله عنها .

23300 - قال أبو عمر : قوله ، صلى الله عليه وسلم : " لا تنكح البكر حتى تستأمر " .

23301 - رواه يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

23302 - وقد ذكرنا الأسانيد بذلك في " التمهيد " .

[ ص: 55 ] 23303 - ولا أعلم أحدا روى هذا الحديث بهذا اللفظ ، إلا يحيى بن أبي كثير ، رواه عنه جماعة من أصحابه ; منهم : أبان ، وهشام ، وشيبان ، والأوزاعي ، هكذا لم يختلفوا فيه .

23304 - حدثني محمد بن عبد الملك ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن زياد ، قال : حدثني الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ، قال : حدثني عبد الوهاب ، عن هشام بن أبي عبد الله ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن " .

قالوا : يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ قال أن تسكت
.

23305 - هكذا في حديث هشام : الأيم .

23306 - وقال أبان : ( الأيم ) لا تنكح حتى تستأمر .

23307 - قال : حدثني عبد الله ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثني أبان ، قال : حدثني يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تنكح الثيب حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن " .

[ ص: 56 ] قالوا : يا رسول الله : وكيف إذنها ؟ قال أن تسكت
.

23305 - هكذا في حديث هشام : الأيم .

23306 - وقال أبان : ( الأيم ) لا تنكح حتى تستأمر .

23307 - قال : حدثني عبد الله ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثني أبان ، قال : حدثني يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تنكح الثيب حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن " .

قالوا يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ قال : " إذا سكتت فهو رضاها
" .

23308 - قالوا : فظاهر هذا الحديث يقتضي أن البكر لا ينكحها وليها أبا كان أو غيره حتى يستأمرها ، ويستأذنها ، وذلك لا يكون إلا في البوالغ .

23309 - واحتجوا أيضا بحديث ابن عباس : أن جارية بكرا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 57 ] 23310 - قال أبو عمر : حديث ابن عباس هذا انفرد به جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس لم يروه غيره من أصحاب أيوب فيما علمت ، وقد ذكرته بإسناده في " التمهيد " .

23311 - ويحتمل أن يكون زوجها من غير كفء ، أو ممن يضر بها ، ولا يؤمن عليها . لو صح حديث جرير هذا .

23312 - وقد روي أن هذه القصة كانت في خنساء بنت خدام ، وهي ثيب ، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

23313 - قال أبو عمر : يحتمل أن تكون البكر المذكورة في حديث يحيى بن أبي كثير ، هي اليتيمة المذكورة في حديث محمد بن عمرو ، فيكون حديث محمد بن عمرو مفسرا لحديث يحيى ، وإذا حمل على هذا لم يتعارض الحديثان ، وهو عندي حديث واحد ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أجمله يحيى بن أبي كثير ، وفسره محمد بن عمرو ، والله أعلم .

23314 - واختلفوا في غير الأب من الأولياء هل له أن يزوج الصغيرة ؟ .

[ ص: 58 ] 23315 - فقال مالك ، والشافعي : لا يجوز لأحد من الأولياء غير الأب أن يزوج الصغيرة قبل البلوغ أخا كان أو غيره .

23316 - هذا هو تحصيل مذهب مالك عند البغداديين من المالكيين ، وعليه يناظرون .

23317 - وهو قول ابن القاسم وأكثر أصحاب مالك .

23318 - وهو قول الشافعي ، وأصحابه ، وقول ابن أبي ليلى ، والثوري .

23319 - وبه قال أحمد بن حنبل في رواية ، وأبو ثور ، وأبو عبيد .

23320 - وحجة من قال بهذا القول حديث النبي ، صلى الله عليه وسلم : " تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فقد أذنت " .

23321 - قالوا : والصغيرة ممن لا إذن لها ، فلم يجز العقد عليها إلا بعد بلوغها ، ولأن من عدا الأب من أوليائها أخا كان أو غيره ، ليس له أن يتصرف في مالها ، فكذلك في بضعها .

23322 - واختلف أصحاب مالك في اليتيمة تنكح قبل البلوغ ، وهي في غير فاقة شديدة ، هل يفرق بينهما ؟ ، وهل يفسخ نكاحها بعد الدخول على ما قد [ ص: 59 ] ذكرناه في كتاب " اختلاف أقوال مالك ، وأصحابه " ، والذي رواه عيسى ، عن ابن القاسم قال : إن زوجها وليها قبل البلوغ ، نزلت المواريث في ذلك النكاح .

23323 - ولا أعلم أن مالكا كان يبلغ به إلى قطع المواريث فيه ، وهو أمر قد أجازه جل الناس .

23324 - وقد زوج عروة بن الزبير ابنة أخيه وهي صبية من ابنه ، والناس يومئذ متوافرون ، وعروة من هو .

23325 - وقال أحمد بن حنبل : لا أرى للقاضي ، ولا للولي أن ينكح اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين .

23326 - قال : فإن زوجها صغيرة دون تسع سنين فلا أرى أن يدخل بها حتى تبلغ تسع سنين .

23327 - قال أبو عمر : هذا أخذه من نكاح عائشة ، والله أعلم .

23328 - ولا معنى للجد في ذلك .

23329 - وقال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن : يجوز أن يزوج الصغيرة وليها من كان أبا أو غيره ، غير أن لها الخيار إذا بلغت .

23330 - وهو قول الحسن ، وعطاء وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز ، وقتادة ، وابن شبرمة ، والأوزاعي .

[ ص: 60 ] 23331 - وقال أبو يوسف : لا خيار للصغيرة إذا بلغت ، زوجها أبوها ، أو غيره من أوليائها .

23332 - وكل هؤلاء يقولون : من جاز أن يزوجها كبيرة ، جاز أن يزوجها صغيرة ، والله أعلم .

23333 - قال أبو عمر : في هذا الباب نوازل ليس هذا موضع ذكرها . كالذي تزوج بغير ولي ، ثم يجيزه الولي قبل الدخول وبعده ، وكنكاح العبد أو الأمة بغير إذن سيدها ، هل هو موقوف على إجازة الولي ، أو السيد أم لا ؟ ومثل ذلك من نوازل هذا الباب ، ليس كتابنا موضعا لها ، والله الموفق للصواب .

23334 - واختلفوا في سكوت اليتيمة البكر ، هل يكون رضا منها قبل إذنها في ذلك ، وتفويضها ؟ .

23335 - فعند مالك وأصحابه : أن البكر اليتيمة إذا لم تؤذن في النكاح ، فليس السكوت منها رضا ، فإن أذنت وفوضت أمرها ، وجعلت عقد نكاحها إلى وليها ، فأنكحها ممن شاء ، ثم جاء يستأمرها ، فإن إذنها حينئذ الصمت ، عندهم ، إذا كانت بكرا بالغا كما ذكرنا .

23336 - وفي مذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، وغيرهما ، أن سكوت البكر اليتيمة إذا استؤمرت ، وذكر لها الرجل وصفا ، وأخبرت بأنها تنكح منه ، وذكر لها [ ص: 61 ] الصداق ، وأخبرت بأن سكوتها يعد رضا منها ، فسكتت بعد ذلك ، فقد لزمها النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية