الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1129 [ ص: 165 ] ( 8 ) باب ما لا يجمع بينه من النساء

1081 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ; أن [ ص: 166 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها " .


[ ص: 167 ] 23877 - قال أبو عمر : زعم بعض الناس أن هذا الحديث لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا من حديث أبي هريرة ، وقد روي من حديث جابر ، وأبي سعيد الخدري .

23878 - حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثني قاسم ، حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني ابن نمير ، عن ابن إسحاق ، عن يعقوب بن عتبة ، عن سليمان بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري عن النبي - عليه السلام - قال : " لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها " 23879 - وحدثني سعيد ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر قال : حدثني ابن المبارك ، عن عاصم ، عن الشعبي عن جابر ، عن النبي - عليه السلام - مثله .

23880 - وأما طرق حديث أبي هريرة ، فمتوافرة .

[ ص: 168 ] 23881 - رواه عنه سعيد بن المسيب ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعبد الرحمن الأعرج ، وأبو صالح السمان ، والشعبي ، وغيرهم .

23882 - وروي أيضا من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

23883 - وهو حديث مجتمع على صحته ، وعلى القول بظاهره ، وبما في معناه ، فلا يجوز عند الجميع الجمع بين المرأة ، وعمتها ، وإن علت ، ولا بين المرأة وخالتها ، وإن علت ، ولا يجوز نكاح المرأة على بنت أختها ، ولا على بنت أخيها ، وإن سفلت .

23884 - وهذا في معنى تفسير : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ النساء : 23 ] أنها الأم وإن علت ، والابنة وإن سفلت ، وكما لا يجوز نكاح المرأة على عمتها ، كذلك لا يجوز نكاح عمتها عليها ، وكذلك حكم الخالة مع بنت أختها ; لأن المعنى الجمع بينهما .

23885 - وهذا كله مجتمع عليه ، لا خلاف فيه .

23886 - وقد روي مرفوعا من أخبار الآحاد العدول هذا المعنى [ ص: 169 ] مكشوفا بما حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني ابن فضيل ، عن داود ، عن الشعبي ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها ، ولا تنكح العمة على بنت أخيها ، ولا الخالة على بنت أختها ، ولا تتزوج الكبرى على الصغرى ، ولا الصغرى على الكبرى .

23887 - قال أبو عمر : عند الشعبي في هذا الباب حديثان :

( أحدهما ) : عن جابر .

( والآخر ) : عن أبي هريرة .

23888 - ومن الناس من تعسف ، فجعله من الاختلاف .

23889 - وفي هذا الحديث زيادة بيان على ما نص عليه القرآن ، [ ص: 170 ] وذلك أن الله - عز وجل - لما قال : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم إلى قوله : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف [ النساء : 23 ] بأن بذلك ما عدا النساء المذكورات داخلات في التحليل ، ثم أكد ذلك بقوله عز وجل - : وأحل لكم ما وراء ذلكم [ النساء : 24 ] فكان هذا من الزمن ما كان ، ثم نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تجمع المرأة مع عمتها ، وخالتها في عصمة واحدة ، فكان هذا زيادة بيان على نص القرآن ، كما ورد المسح على الخفين ، وليس في القرآن إلا غسل الرجلين ، أو مسحهما ، وماسح الخفين ليس بماسح عليهما ، ولا غاسل لهما .

23890 - وأجمعت الأمة كلها على أن القول بحديث هذا الباب على حسب ما وصفنا فيه ، فارتفع عن ذلك توهم نسخ القرآن له ، وأن يكون قوله : وأحل لكم ما وراء ذلكم نزل بعده ، فلم يبق إلا أن يكون زيادة بيان ، كما لو نزل بذلك قرآن .

23891 - قال الله عز وجل : واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [ الأحزاب : 34 ] يعني القرآن والسنة .

23892 - وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أوتيت الكتاب ، ومثله معه " .

[ ص: 171 ] 23893 - وأمر الله - عز وجل - عباده بطاعته ، والانتهاء إلى ما أمرهم به ، ونهاهم عنه أمرا مطلقا ، وأنه أخبرهم أنه يهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ، وحذرهم من مخالفته بالعذاب الأليم ، فقال عز وجل : فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم [ النور : 63 ] .

23894 - وقد تنطعت فرقة ، فقالوا ; لم يجمع العلماء على تحريم الجمع بين المرأة ، وعمتها ; لحديث أبي هريرة .

23895 - وإنما أجمعوا على ذلك بمعنى نص القرآن في النهي عن الجمع بين الأختين .

23896 - والمعنى في ذلك إلى الله - عز وجل - نكاح الأخوات ، فلا يحل لأحد نكاح أخته من أي وجه كانت ، وحرم الجمع بين الأختين فكان المعنى في ذلك أن كل امرأتين ، لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاح [ ص: 172 ] الأخرى ، لم يحل له الجمع بينهما .

23897 - قال أبو عمر : هذه فرقة تنطعت ، وتكلفت في استخراج علة بمعنى الإجماع ، وهذا لا معنى له ; لأن الله - عز وجل - لما حرم على عباده من أمة نبيه محمد - عليه السلام - اتباع غير سبيل المؤمنين ، استحال أن يكون ذلك في غير الإجماع ; لأن مع الاختلاف كل يتبع سبيل المؤمنين بأن من اتبع غير ما أجمع المؤمنون عليه ، فقد فارق جماعتهم ، وخلع الإسلام من عنقه ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم ، وساءت مصيرا ، فوضح بهذا كله أن متى صح الإجماع ، وجب الاتباع ، ولم يحتج إلى حجة تستخرج برأي لا يجتمع عليه .

23898 - وقد اختلف العلماء في المعنى المراد بقوله - عليه السلام : " لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا على خالتها " .

23899 - فقالت طائفة : معناه كراهية القطيعة ، فلا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأتين بينهما قرابة رحم ، محرمة أو غير محرمة ، فلم يجيزوا الجمع بين ابنتي عم ، أو عمة ، ولا بين ابنتي خال أو خالة .

23900 - روي ذلك عن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله ، والحسن بن أبي الحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، وقتادة ، وعطاء ، على اختلاف عنه .

23901 - وروى ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، أنه كره أن يجمع بين ابنتي العم .

23902 - وعن ابن عيينة ، وابن جريج ، عن عمرو بن دينار ، عن الحسن بن [ ص: 173 ] محمد بن علي ، أنه أخبره أن حسن بن حسين بن علي نكح ابنة محمد بن علي ، وابنة عمر بن علي ، جمع بين ابنتي عم ، فأصبح نساؤهم لا يدرين إلى أيتهما يذهبن .

23903 - قال ابن جريج : فقلت لعطاء : الجمع بين المرأة وابنة عمها ؟ قال : لا بأس بذلك .

23904 - قال أبو عمر : ابن جريج أثبت الناس في عطاء ، لا يقاس به فيه ابن أبي نجيح ، ولا غيره .

23905 - وروى معمر ، عن قتادة ، قال : لا بأس أن يجمع الرجل بين ابنتي العم .

23906 - قال أبو عمر : على هذا القول جمهور العلماء ، وجماعة الفقهاء أئمة الفتوى : مالك ، والشافعي - وأبو حنيفة ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، والأوزاعي ، وغيرهم .

23907 - وقال جماعة منهم : إنما يكره الجمع بين امرأتين ، لو كانت إحداهما [ ص: 174 ] رجلا لم يجز له نكاح الأخرى ، اعتبارا بالأختين ، وليس ابنة العم من هذا المعنى .

23908 - وروى معتمر بن سليمان ، عن فضيل بن ميسرة عن أبي حريز عن الشعبي ، قال : كل امرأتين إذا جعلت موضع إحداهما ذكرا لم يجز له أن يتزوج الأخرى ، فالجمع بينهما حرام ، قلت له : عمن هذا ؟ فقال عن أصحاب محمد ، صلى الله عليه وسلم . 23909 - وروى الثوري ، عن ابن أبي ليلى ، عن الشعبي ، قال : لا ينبغي لرجل أن يجمع بين امرأتين ، لو كانت إحداهما رجلا لم يحل له نكاحها .

23910 - قال سفيان : تفسير هذا عندنا أن يكون من النسب ، ولا تكون بمنزلة امرأة رجل ، وابنة زوجها ، فإنه يجمع بينهما إن شاء .

23911 - قال أبو عمر : قد اختلف العلماء في جمع الرجل في النكاح بين امرأة رجل ، وابنته من غيرها :

23912 - فالجمهور على أن ذلك جائز ، وعليه جماعة الفقهاء بالمدينة ، ومكة ، والعراق ، ومصر ، والشام ، إلا ابن أبي ليلى من أهل الكوفة .

23913 - وقد تقدمه إلى ذلك الحسن ، وعلي ، وعكرمة ، وخالفهم أكثر [ ص: 175 ] الفقهاء ; لأنه لا نسب بينهما .

23914 - وروي جواز ذلك عن رجلين ، وقيل : لأنه من الصحابة ، لا مخالف لهم منهم أنهم فعلوا ذلك .

23915 - وروي ذلك عن عبد الله بن جعفر .

23916 - وعن عبد الله بن صفوان مثل ذلك .

23917 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني أبو بكر بن عياش ، عن مغيرة ، عن قثم : أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب جمع بين امرأة علي ، وابنته من غيرها .

23918 - قال : وحدثنا عبد الوهاب الثقفي ، عن أيوب أن سعد بن فرحاء - رجلا من أصحاب النبي ، صلى الله عليه وسلم - جمع بين امرأة رجل ، وابنته من غيرها .

23919 - قال : وحدثني ابن علية ، عن أيوب ، عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان بن أمية تزوج امرأة رجل ، وابنته من غيرها .

23920 - وعن سليمان بن يسار ، وابن سيرين ، وربيعة مثله في جواز جمع المرأة ، وزوجة أبيها .

[ ص: 176 ] 23921 - وقالت طائفة ، منهم الحسن ، وعكرمة : لا يجوز لأحد أن يجمع بين امرأة رجل ، وابنته من غيرها .

23922 - ذكره ابن أبي شيبة ، عن ابن علية ، عن أيوب ، عن الحسن .

23923 - ورواه منصور ، عن هشام ، عن الحسن .

23924 - وروى شعبة ، عن فضيل ، عن ابن جريج ، عن عكرمة مثله .

23925 - واعتلوا بالعلة التي ذكرنا بأن إحداهما لو كان رجلا ، لم يحل له نكاح الأخرى .

23926 - وقد أبعد من هذا بعض المتأخرين ، فإن قال الفرق بينهما أنه لو جعل موضع المرأة ذكرا لحل له الأنثى ; لأنه رجل تزوج ابنة رجل أجنبي ، وإذا كان موضع البنت ابن لم يحل له امرأة أبيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية