الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1134 [ ص: 200 ] ( 11 ) باب جامع ما لا يجوز من النكاح

1085 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار .

[ ص: 201 ] والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته . ليس بينهما صداق .


24033 - هكذا رواه جمهور أصحاب مالك .

24034 - وقال فيه ابن وهب ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح الشغار ، وكلهم ذكر عن مالك في تفسير الشغار معنى ما رواه عنه يحيى في " الموطأ " .

24035 - وللشغار في اللغة معنى لا مدخل له هاهنا ، وذلك أنه مأخوذ عندهم من شغار الكلب إذا رفع رجله للبول ، وزعموا أن ذلك لا يكون منه إلا بعد مفارقته حال الصغر إلى حال يمكن فيها الوثوب على الأنثى للنسل .

24036 - وهو عندهم للكلب علامة بلوغه إلى حال الاحتلام من الرجال ، ولا يرفع رجله للبول إلا وهو قد بلغ ذلك المبلغ ، يقال منه : شغر الكلب يشغر : إذا رفع رجله فبال ، أو لم يبل .

24037 - ويقال : شغرت المرأة شغرا : إذا رفعت رجليها للنكاح ، فهذا معنى الشغار في اللغة .

[ ص: 202 ] 24038 - وأما معناه في الشريعة فهو أن ينكح الرجل وليته رجلا على أن ينكحه الآخر وليته ، ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع هذه على ما فسره مالك ، وجماعة الفقهاء .

24039 - وكذلك ذكر " الخليل " أيضا في " العين " .

24040 - وأجمع العلماء على أن نكاح الشغار مكروه ، ولا يجوز .

24041 - واختلفوا فيه إذا وقع ، هل يصح بمهر المثل أم لا ؟

24042 - فقال مالك : لا يصح نكاح الشغار دخل بها ، أو لم يدخل ، ويفسخ أبدا .

24043 - قال : وكذلك لو قال : أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك بمئة دينار ، فلا خير في ذلك .

24044 - قال ابن القاسم لا يفسخ النكاح في هذا إن دخل ، ويثبت بمهر المثل ، ويفسخ في الأول ، دخل أو لم يدخل على ما قال مالك .

24045 - وقال الشافعي : إذا لم يسم لواحدة منهما مهرا ، ويشرط أن يزوجه ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته ، وهما يليان أمرهما على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى ، ولم يسم واحد منهما صداقا ، فهذا الشغار .

[ ص: 203 ] 24046 - ولا يصح عقد هذا النكاح ، ويفسخ قبل البناء ، وبعده .

24047 - قال : ولو سمى لإحداهما صداقا ، أو لهما جميعا ، فالنكاح ثابت بمهر المثل ، والمهر فاسد ، ولكل واحدة منهما مهر مثلها إن كان دخل بها ، أو نصف [ مهر مثلها ] إن كان طلقها قبل الدخول .

24048 - وقال أبو حنيفة : إذا قال : أزوجك ابنتي على أن تزوجني ابنتك ، وتكون كل واحدة بالأخرى ، فهو الشغار ، ويصح النكاح بمهر المثل .

24049 - وهو قول الليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور .

24050 - وبه قال الطبري .

24051 - قال أبو عمر : قوله في من نكح على خمر أو خنزير كقولهم في الشغار على ما ذكرنا عنه .

24052 - وقال أبو عبيد : لا يكتب النكاح في شيء من ذلك ، ذكره في الخمر والخنزير .

24053 - قال أبو عمر : حجة من أبطل النكاح في الشغار وسائر المهور المحرمة نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الشغار ، فهو فعل طابق النهي ، ففسد ; لقول الله عز وجل : وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] ولقول رسول [ ص: 204 ] الله ، صلى الله عليه وسلم : " إذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه ، وإذا أمرتكم بشيء ، فخذوا منه ما استطعتم " .

24054 - ولقوله عليه السلام : " كل عمل ليس عليه أمرنا - يعني سنتنا - فهو رد " . يعني مردودا .

24055 - وحجة من قال : إن العقد في الشغار صحيح ، والمهر فاسد ، ويصح بمهر المثل : إجماع العلماء على أن الخمر ، والخنزير لا يكون شيء منهما مهرا لمسلم .

24056 - وكذلك الغرر ، والمجهول ، وسائر ما نهى عن ملكه ، أو ملكه على غير وجهه ، وسنته .

[ ص: 205 ] 24057 - وأجمعوا مع ذلك أن النكاح على المهر الفاسد إذا فات بالدخول ، فلا يفسخ لفساد صداقه ، ويكون فيه مهر المثل بخلاف سائر المعاوضات من البيوع ، والإجارات ، وغيرها المضمونات بأثمانها .

24058 - قالوا : وإذا لم يفسخ لذلك بعد الدخول ، فكذلك لا يفسخ قبل الدخول ; لأنه لو لم يكن نكاحا منعقدا حلالا ما صار حلالا بالدخول .

24059 - والأصل في ذلك أن التزويج يضمن بنفسه لا بالعوض ، بدليل تجويز الله تعالى النكاح بغير صداق ، وذلك قوله : لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة [ البقرة : 236 ] يريد ما لم تمسوهن ، وما لم تفرضوا لهن فريضة ، فلما أوقع الطلاق دل على صحة النكاح دون تسمية صداق ; لأن الطلاق غير واقع إلا على الزوجات .

24060 - وكونهن زوجات دليل على صحة النكاح بغير تسمية صداق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية