الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1136 1087 - مالك ، عن أبي الزبير المكي ; أن عمر بن الخطاب أتي بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة . فقال هذا نكاح السر . ولا [ ص: 211 ] أجيزه . ولو كنت تقدمت فيه ، لرجمت .


24086 - قال ابن وضاح : يقول : هذا تغليظ من عمر .

24087 - قال أبو عمر : معلوم أن الرجم إنما يجب على الزاني ، والزاني من وطئ فرجا لا شبهة له في وطئه .

24088 - وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني هشيم ، عن يونس ، عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة ، فأسر ذلك ، فكان يختلف إليها في منزلها ، فرآه جار لها يدخل عليها ، فقذفه بها ، فخاصمه إلى عمر بن الخطاب ، فقال : يا أمير المؤمنين ! هذا كان يدخل على جارتي ، ولا أعلمه تزوجها ، فقال له : قد تزوجت امرأة على شيء دون ، فأخفيت ذلك . قال : فمن شهدكم ؟ قال : أشهدنا بعض أهلها ، قال : فدرأ الحد عن قاذفه ، وقال : أعلنوا هذا النكاح ، وحصنوا هذه الفروج .

[ ص: 212 ] 24089 - قال : وحدثني ابن فضيل ، عن ليث ، عن طاوس ، قال : أتي عمر بامرأة قد حملت من رجل ، فقالت : تزوجني فلان ، فقال : إني تزوجتها بشهادة من أمي وأختي . ففرق بينهما ، ودرأ عنهما الحد ، وقال : لا نكاح إلا بولي .

24090 - وروى حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، قال : كان أبي يقول : لا يصلح نكاح السر .

24091 - وقال داود بن قيس : سمعت نافعا - مولى ابن عمر - يقول : ليس في الإسلام نكاح سر .

24092 - قال عبد الله بن عتبة : شر النكاح نكاح السر .

24093 - وروى معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : الفرق ما بين السفاح والنكاح : الشهود .

24094 - والثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم قال في رجل تزوج بغير شهود ، قال : يفرق بينهما ، ويعاقب .

24095 - قال أبو عمر : نكاح السر عند مالك ، وأصحابه : أن يستكتم [ ص: 213 ] الشهود ، أو يكون عليه من الشهود رجل وامرأتان ، ونحو ذلك مما يقصد به إلى التستر ، وترك الإعلان .

24096 - وروى ابن القاسم ، عن مالك ، قال : لو تزوج ببينة ، وأمرهم أن يكتموا ذلك ، لم يجز النكاح ، وإن تزوج بغير بينة على غير استسرار جاز ، واستشهد فيما يستقبلان .

24097 - وروى ابن وهب ، عن مالك في الرجل يتزوج المرأة بشهادة رجلين ، ويستكتمها ، قال : يفرق بينهما بتطليقة ، ولا يجوز النكاح ، ولها صداقها إن كان أصابها ، ولا يعاقب الشاهدان إن كانا جهلا ذلك ، وإن كانا أتيا ذلك بمعرفة أن ذلك لا يصلح عوقبا .

24098 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : إذا تزوجها بشاهدين ، وقال لهما : اكتما ، جاز النكاح .

24099 - وهو قول يحيى بن يحيى صاحبنا ، قال : كل نكاح شهد عليه رجلان ، فقد خرج من حد السر ، وأظنه حكاه عن الليث بن سعد .

24100 - والسر عند الشافعي والكوفيين ، ومن تابعهم : كل نكاح لم يشهد [ ص: 214 ] عليه رجلان ، فصاعدا ، ويفسخ على كل حال .

24101 - قال أبو عمر : مالك - رحمه الله يرى أن النكاح منعقد برضا الزوجين المالكين لأنفسهما ، وولي المرأة ، أو رضا الوليين في الصغار ومن جرى مجراهم من البوالغ الكبار على ما ذكرنا من مذهبه في باب الأولياء .

24102 - وليس الشهود في النكاح عنده من فرائض عقد النكاح .

24103 - ويجوز عقده بغير شهود .

24104 - وهو قول الليث .

24105 - والحجة لمذهبه أن البيوع التي ذكر الله فيها الإشهاد عند العقد قد قامت الدلالة بأن ذلك ليس من فرائض البيوع ، فالنكاح الذي لم يذكر الله فيه الإشهاد أحرى بأن لا يكون الإشهاد فيه من شروط فرائضه ، وإنما الفرض الإعلان والظهور لحفظ الأنساب ، والإشهاد يصلح بعد العقد للتداعي ، والاختلاف فيما ينعقد بين المتناكحين .

24106 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أعلنوا النكاح " .

[ ص: 215 ] 24107 - وقول مالك هذا هو قول ابن شهاب ، وأكثر أهل المدينة .

24108 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، والحسن بن صالح : لا نكاح إلا بشهود .

24109 - وقال الشافعي ، والحسن ، والثوري : أقل ذلك شاهدا عدل ، إلا أن الشافعي قال : شهود النكاح على العدالة حتى تتبين الجرحة في حين العقد .

24110 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : يجوز أن ينعقد النكاح بشهادة أعميين ، ومحدودين في قذف ، وفاسقين .

24111 - قال أبو عمر : ذهب هؤلاء إلى أن الإعلان المأمور به في النكاح هو الإشهاد في حين العقد ، ولم يشترطوا في الإعلان العدالة .

24112 - وروي عن ابن عباس أنه قال : لا نكاح إلا بشاهدي عدل ، وولي مرشد .

24113 - ولا مخالف له من الصحابة علمته .

24114 - وعن ابن عباس أيضا أنه قال : البغاء : اللواتي يزوجن أنفسهن بغير بينة .

[ ص: 216 ] 24115 - قال أبو عمر : قد علم أن البغي لو أعلنت ببغيها حدت ، ولم يدخل إعلانها زناها في باب إعلان ، كما أن مهر البغي لو كان أكثر من مهر الصداق لم يكن ذلك حلالا ، كقول ابن عباس ، إنما هو تحريض على الإشهاد ، ومدح له ، ونهي عن تركه ، وذم له ليوقف عند السنة فيه ، ولا يتعدى . كما قيل : كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا .

24116 - ومعلوم أنه لا قود ، ولا دية في كسر عظم الميت ، وإنما اشتبهن في الإثم ، كما أشبه ترك الإشهاد والإعلان بما يستر من الفواحش في غير الإثم .

24117 - قال أبو عمر : الحديث في هذا الباب عن عمر إنما ورد في نكاح لم يحضره إلا رجل وامرأة ، فجعله سرا ، إذ لم تتم فيه الشهادة .

24118 - وقد اختلف الفقهاء في النكاح بشهادة رجل وامرأتين ، فأجاز ذلك الكوفيون .

24119 - وهو قول الشعبي .

24120 - وقال الشافعي ، والأوزاعي ، وأحمد بن حنبل : لا يجوز إلا بشهادة رجلين .

24121 - وهو قول النخعي .

[ ص: 217 ] 24122 - ولا مدخل عندهم لشهادة النساء في النكاح والطلاق . كما لا مدخل لها عند الجميع في الحدود ، وإنما تجوز في الأموال .

24123 - وأما مالك ، فحكم شهادة النساء عنده أنها لا تجوز في النكاح ، والطلاق ، ولا في غير الأموال ، إلا أنه جائز عنده عقد النكاح بغير بينة إذا أعلنوه ، ويشهدون بعد ، متى شاءوا .

التالي السابق


الخدمات العلمية