الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1137 1088 - وقال مالك : عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب . وعن سليمان بن يسار ; أن طليحة الأسدية . كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها . فنكحت في عدتها . فضربها عمر بن الخطاب . وضرب زوجها بالمخفقة ضربات . وفرق بينهما . ثم قال عمر بن الخطاب : أيما امرأة نكحت في عدتها . فإن كان زوجها الذي تزوجها لم يدخل بها ، فرق بينهما . ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول . ثم كان الآخر خاطبا من الخطاب . وإن كان دخل بها ، فرق بينهما ، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول . ثم اعتدت من الآخر . ثم لا يجتمعان أبدا . قال مالك : وقال سعيد بن المسيب : ولها مهرها بما استحل منها .


[ ص: 218 ] 24124 - قال أبو عمر : الخبر بهذا عن عمر روي من وجوه من رواية أهل الحجاز ، وأهل العراق .

24125 - وقال به جماعة من أهل المدينة .

24126 - وروي عن علي بن أبي طالب ، وابن مسعود خلافه .

24127 - ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن صالح ، عن الشعبي ، عن علي - رضي الله عنه - قال : يتزوجها إن شاء إذا انقضت عدتها .

24128 - وعن الثوري ، عن حماد ، عن إبراهيم قال : يتزوجها إن شاء إذا انقضت عدتها .

24129 - وعن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء أن عليا أتي بامرأة نكحت في عدتها ودخل بها ، ففرق بينهما . وأمرها أن تعتد ما بقي من عدتها الأولى ، ثم تعتد من هذه عدة مستقبلة ، فإذا انقضت عدتها فهي بالخيار ، إن شاءت نكحته ، وإن شاءت فلا .

[ ص: 219 ] 24130 - قال أبو عمر : اختلف الفقهاء في هذه المسألة على هذين القولين :

24131 - فقال مالك ، والأوزاعي ، والليث : من تزوج امرأة في عدة من غيره ، ودخل بها فرق بينهما ، ولم تحل له أبدا .

24132 - وزاد مالك : ولا بملك يمين .

24133 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي . وأصحابهما ، والثوري ، إذا انقضت عدتها من الأول ، فلا بأس أن يتزوجها الآخر ، فهؤلاء ومن تابعهم قالوا بقول علي .

24134 - وقال مالك ومن تابعه بقول عمر .

24135 - قال أبو عمر : وقد اتفق هؤلاء الفقهاء كلهم على أنه لو زنا بها جاز له تزويجها ، ولم تحرم عليه ، فالنكاح في العدة أحرى بذلك .

24136 - وأما طليحة هذه ، فهي طليحة بنت عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله التيمي .

24137 - وفي بعض نسخ " الموطأ " من رواية يحيى : طليحة الأسدية ، وذلك خطأ ، وجهل .

24138 - ولا أعلم أحدا قاله ، وإنما هي تيمية أخت طلحة بن عبيد الله بن [ ص: 220 ] عثمان التيمي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحد العشرة .

24139 - وروى معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب أن طليحة بنت عبيد الله نكحت رشيدا الثقفي في عدتها ، فجلدها عمر بالدرة ، وقضى : أيما رجل نكح امرأة في عدتها ، فأصابها ، فإنهما يفرق بينهما ، ثم لا يجتمعان أبدا ، وتستقبل بقية عدتها من الأول ، ثم تستقبل عدتها من الآخر ، وإن كان لم يمسها ، فإنه يفرق بينهما حتى تستكمل بقية عدتها من الأول ، ثم يخطبها مع الخطاب .

24140 - قال الزهري ; ولا أدري كم بلغ ذلك الجلد ؟ .

24141 - قال : وجلد عبد الملك في ذلك كل واحدة منهما أربعين جلدة .

24142 - قال : فسئل عن ذلك قبيصة بن ذؤيب ؟ فقال : لو كنتم خففتم ، فجلدتم عشرين .

24143 - ورواه ابن جريج ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن عمر بن الخطاب ، فذكر حديث معمر ، وحديث معمر أتم .

24144 - ولم يذكر ابن جريج جلد عبد الملك وقول قبيصة .

[ ص: 221 ] 24145 - وروى معمر ، عن الزهري أن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار اختلفا :

24146 - فقال ابن المسيب : لها صداقها .

24147 - وقال ابن يسار : صداقها في بيت المال .

24148 - وقال ابن جريج : أخبرني عبد الكريم ، وعمرو - يزيد أحدهما على صاحبه - أن رشيد بن عثمان بن عامر من بني معتب الثقفي نكح طليحة ابنة عبيد الله أخت طلحة بن عبيد الله في بقية عدتها من آخر ، وأن عمر بن الخطاب قال : إذا دخل بها فرق بينهما ، ولا ينكحها أبدا ، ولها الصداق بما أصاب منها ، ثم تعتد بقية عدتها ، ثم تعتد من هذا ، وإن كان لم يدخل بها اعتدت بقية عدتها ، ثم ينكحها إن شاء .

قلت : ذكروا جلدا ؟ قال : لا .

24149 - قال أبو عمر : قد روى الشعبي ، عن مسروق ، عن عمر : أن الصداق في بيت المال ، كما قال سليمان بن يسار ، ولم يذكر مالك قول سليمان بن يسار في حديثه عن ابن شهاب ، كما ذكره معمر لوجوه ، منها :

[ ص: 222 ] رجوع عمر عنه ، ومنها :

أن السنة الثابتة قضت بأن للمرأة في النكاح الباطل مهرها ، بما استحل منها .

24150 - وقد ذكرنا الخبر بذلك فيما تقدم .

24151 - وهذا يدل على فقه مالك - رحمه الله - وعلمه بالأثر ، وحسن اختياره .

24152 - وروى الثوري ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عمر قال : مهرها في بيت المال ، ولا يجتمعان .

24153 - قال الثوري : وأخبرني أشعث ، عن الشعبي ، عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك ، وجعل لها مهرها ، وجعلهما يجتمعان .

24154 - قال عبد الرزاق ، عن الثوري بذلك كله .

24155 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني معتمر بن سليمان ، عن برد ، عن مكحول ، قال : فرق عمر بينهما ، وجعل صداقها في بيت المال .

[ ص: 223 ] 24156 - قال : وقال الزهري ; لم يكن صداقها في بيت المال ، هو بما أصاب من فرجها .

24157 - قال : وحدثني ابن علية ، عن صالح بن مسلم ، عن الشعبي قال : قال عمر : يفرق بينهما ، ويجعل صداقها في بيت المال .

24158 - وقال علي : يفرق بينهما ، ولها الصداق بما استحل من فرجها .

24159 - قال : وحدثني عبد الأعلى عن معمر ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب مثل قول علي سواء .

24160 - وهو قول إبراهيم ، والحكم ، وجمهور العلماء .

24161 - قال : وحدثني ابن نمير ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : قضى عمر في امرأة تزوجت في عدتها أن يفرق بينهما ما عاشا ، ويجعل صداقها في بيت المال ، وقال : كان نكاحها حراما ، وصداقها حراما .

24162 - وقضى فيها علي أن يفرقهما ، وتوفي ما بقي من عدة الزوج الأول ، ثم تعتد ثلاثة قروء ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ، ثم إن شاء خطبها بعد ذلك .

[ ص: 224 ] 24163 - قال أبو عمر : روى إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي في هذا الخبر قصة عمر ، وقصة علي .

24164 - ولم يرو عن الشعبي رجوع عمر إلى قول علي ; لأن الصداق لها بإصابته لها وأنهما يتناكحان بعد تمام العدة إن شاء .

24165 - ورواه غيره عن الشعبي .

24166 - وكان وجه منع عمر أن يتناكحا بعد تمام بعد أن مسها عقوبة ، وجعل مهرها في بيت المال عقوبة ، إلا أنه قد روي عنه أنه رجع عن ذلك إلى قول علي على ما ذكرنا ، وهي السنة في كل من وطئت بشبهة .

24167 - وحدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : حدثني نعيم بن حماد قال : أخبرنا ابن المبارك ، قال : حدثني أشعث ، عن الشعبي ، عن مسروق ، قال : بلغ عمر أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها ، فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما ، وقال : لا ينكحها أبدا ، وجعل صداقها في بيت المال ، وفشا ذلك في الناس ، فبلغ عليا ، فقال : يرحم الله أمير المؤمنين ، ما بال الصداق وبيت المال إنما جهلا ، فينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة ، قيل : فما تقول أنت فيهما ؟ قال : لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويفرق بينهما ، ولا جلد عليهما ، وتكمل عدتها من الأول ، ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقرء ، ثم يخطبها إن شاء ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب ، فخطب الناس ، فقال : أيها الناس ردوا الجهالات إلى السنة .

[ ص: 225 ] 24168 - قال أبو عمر : قد اختلف العلماء في العدة من اثنين على حسب هذه القصة :

24169 - فقال مالك في رواية ابن القاسم ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا وجبت عليها العدة من رجلين فإن عدة واحدة تكون لهما جميعا سواء كانت العدة بالحمل ، أو بالحيض ، أو بالشهور .

24170 - وقال الشافعي ، والحسن بن حي ، والليث بن سعد ، وأحمد ، وإسحاق : تتم بقية عدتها من الأول ، وتستأنف عدة أخرى من الآخر على ما روي عن علي ، وعمر - رضي الله عنهما - وهي رواية أهل المدينة عن مالك .

24171 - والحجة لما رواه ابن القاسم عن مالك ، ومن قال من الفقهاء بذلك إجماعهم على أن الأول ينكحها في بقية العدة منه ، فدل ذلك على أنها في عدة من الآخر .

24172 - ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه ، وهذا غير لازم ; لأن منع الأول [ ص: 226 ] من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني ، وهما حقان قد وجبا عليها للزوجين كسائر حقوق الآدميين ، لا يدخل أحدهما في صاحبه .

24173 - قال أبو عمر : وقد اختلف قول مالك فيمن نكح في العدة عالما بالتحريم .

24174 - فمرة قال : العالم بالتحريم والجاهل في ذلك سواء ، لا حد عليه على ظاهر خبر عمر ، وغيره في ذلك .

24175 - والصداق فيه لازم ، والولد لاحق ، ولا يعاقبان ، ولا يتناكحان أبدا .

24176 - ومرة قال : العالم بالتحريم كالزاني يحد ، ولا يلحق به الولد ، وينكحها بعد الاستبراء .

24177 - والأول عنه أشهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية