الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
134 108 - ذكر مالك ؛ أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم ؟ قال : تكف عن الصلاة .

3384 - قال مالك : وذلك الأمر عندنا .


3385 - ولم يختلف عن يحيى بن سعيد وربيعة : أن الحامل إذا رأت دما فهو حيض تكف من أجله عن الصلاة .

3386 - وهو قول مالك وأصحابه ، والليث بن سعد ، والشافعي في أحد قوليه وهو قول قتادة ، وبه قال عبد الرحمن بن مهدي ، وإسحاق ابن راهويه ، وأبو جعفر الطبري .

[ ص: 198 ] 3387 - وذكر حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد ، قال : لا يختلف عندنا عن عائشة أنها كانت تقول في الحامل ترى الدم : إنها تمسك عن الصلاة حتى تطهر .

3388 - وقد روي عن ابن عباس أن الحامل تحيض ، والله أعلم .

3389 - واختلف عن مالك : هل تستطهر أم لا ؟ .

3390 - فروى عنه ابن القاسم ، وعلي بن زياد : أنها لا تستطهر ، وإليه ذهب المغيرة ، وعبد الملك ، وأبو مصعب ، والزهري .

3391 - وروى عنه أشهب ، ومطرف ، وابن عبد الحكم ، أنها تستطهر بثلاثة أيام . وهو قول أصبغ .

3392 - وقال سفيان الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والأوزاعي ، وعبد الله بن الحسن العنبري ، والحسن بن صالح بن يحيى : ليس ما تراه الحامل على حملها من الدم ، والصفرة ، والكدرة ، حيضا ، وإنما هو استحاضة ، لا يمنعها من الصلاة وبه قال داود بن علي ، وهو قول مكحول الدمشقي ، والحسن البصري ، ورواية عن ابن شهاب الزهري ، ومحمد بن المنكدر ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، وعطاء بن أبي رباح ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، وحماد . وبه قال أحمد بن حنبل ، وأبو عبيد ، وأبو ثور .

3393 - ذكر دحيم قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن عبد العزيز أنه سمع الزهري يقول : الحامل لا تحيض ، فلتغتسل ، ولتصل ، قال : ولا يكون حيض على حمل .

[ ص: 199 ] 3394 - وحدثنا الوليد ، قال حدثنا أبو عمرو الأوزاعي ، عن الزهري ، مثل ذلك .

3395 - وقد روي عن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار : أن الحامل تحيض .

3396 - ذكره دحيم قال : حدثنا الليث ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال : الحامل إذا رأت الدم لم تصل .

3397 - قال : وحدثنا الوليد ، قال : وحدثنا الليث ، عن ربيعة قال : الحامل إذا رأت الدم لم تصل ، لا قبل خروج الولد ولا بعده .

3398 - والحجة لكلا القولين من جهة النظر تكاد أن تتوارى .

3399 - وكلهم يمنع الحامل من الصلاة إذا كانت في الطلق وضربة المخاض ؛ لأنه عندهم دم نفاس .

3400 - ولأصحاب مالك في الحامل ترى الدم اضطراب من أقوالهم ورواياتهم عن مالك قد ذكرناها في كتاب اختلاف قول مالك وأصحابه .

3401 - وأصح ما في مذهب مالك عند أولي الفهم من أصحابنا رواية أشهب : أن الحامل والحائل إذا رأتا الدم سواء في الاستطهار ، وسائر أحكام الحيض .

3402 - وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب ، قال : " وأول الحمل وآخره في ذلك سواء . وهو الصحيح من مذهب مالك ، والشافعي . والله أعلم .

3403 - وروى أبو زيد ، عن عبد الملك بن الماجشون في الحامل ترى الدم : تقعد أيام حيضها ، ثم تغتسل ، وتصلي ولا تستطهر ، قال : ولقد قال أكثر الناس : إن الحامل إذا رأت الدم لم تمسك عن الصلاة ؛ لأن الحامل عندهم لا تحيض .

[ ص: 200 ] 3404 - وروي عن المغيرة المخزومي أنه قال : الحامل ، وغيرها سواء . وهو قول أصبغ ، رواه أبو زيد عنه .

3405 - وذكر ابن عبدوس عن سحنون أنه أنكر رواية مطرف عن مالك في الحامل التي أيامها في الشهور ، وقال : ليس هذا مذهب مالك ولا غيره ، وهو خطأ ، ولا تكون امرأة نفساء إلا بعد الولادة .

3406 - قال أبو عمر : رواية مطرف هذه ، وقوله بها قول ضعيف يزدريه أهل العلم .

3407 - واختلف أهل التأويل في معنى قوله تعالى : " وما تغيض الأرحام وما تزداد " ( الرعد : 8 ) .

3408 - فقال جماعة منهم : ما تغيض الأرحام : ما تنقص من التسعة الأشهر ، وما تزداد عليها .

3409 - وممن روي ذلك عنه ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والضحاك بن مزاحم ، وعطية العوفي ، فهؤلاء ومن تابعهم قالوا : معنى الآية : نقصان الحمل عن التسعة الأشهر . وزيادته على التسعة الأشهر .

[ ص: 201 ] 3410 - وقال آخرون : بل هو خروج الدم وظهوره من الحائل واستمساكه .

3411 - روي ذلك أيضا عن جماعة منهم : عكرمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والشعبي .

3412 - وسنذكر اختلاف الفقهاء في مدة الحمل ؛ لأنهم اختلفوا في أكثرها ، ولم يختلفوا في أقلها : أنه ستة أشهر - في موضعه من هذا الكتاب إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية