الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 31 ] ( 2 ) باب ما جاء في الخلية والبرية وأشباه ذلك

1123 - مالك ; أنه بلغه أنه كتب إلى عمر بن الخطاب من العراق : أن رجلا قال لامرأته : حبلك على غاربك . فكتب عمر بن الخطاب إلى [ ص: 32 ] عامله : أن مره يوافيني بمكة في الموسم . فبينما عمر يطوف بالبيت ، إذ لقيه الرجل فسلم عليه ، فقال عمر : من أنت ؟ فقال : أنا الذي أمرت أن أجلب عليك . فقال له عمر : أسألك برب هذه البنية ، ما أردت بقولك : حبلك على غاربك ؟ فقال له الرجل : لو استحلفتني في غير هذا المكان ما صدقتك . أردت بذلك الفراق . فقال عمر بن الخطاب : هو ما أردت .


25124 - قال أبو عمر : روي هذا الخبر عن عمر من وجوه ، منها :

25125 - ما ذكره عبد الرزاق ، عن ليث ، عن مجاهد أن رجلا قال لامرأته في زمن عمر بن الخطاب : حبلك على غاربك ، حبلك على غاربك ، حبلك على غاربك ، فاستحلفه عمر بين الركن والمقام ما أردت ؟ فقال : أردت الطلاق ثلاثا ، فأمضاه عليه .

25126 - قال : أخبرني الثوري ، عن عبد الملك بن أبي سليمان أن عمر أمر عليا أن يستحلفه على ما نوى .

25137 - قال : وأخبرنا معمر ، عن قتادة ، قال : إذا قال : حبلك على [ ص: 33 ] غاربك ، فهي واحدة ، أو ما نوى .

وإن نوى واحدة ، فهو أحق بها .

25128 - قال أبو عمر : أما خبر مالك ، عن عمر في هذا الباب ، فيدل على أنه إنما حلف الرجل : هل أراد الطلاق بقوله : حبلك على غاربك ، أم لم يرد ؟ لأنه قال : هو ما أردت .

25129 - وأما خبر مجاهد ، عن عمر ، فيحتمل هذا ، ويحتمل أنه لما كرر اللفظ سأله : هل أراد بالتكرار طلاقا ، أو أراد تأكيدا في الواحدة .

25130 - وقد روي عن عمر ، وعلي - رضي الله عنهما - أنهما قالا في " حبلك على غاربك " : يستحلف ؛ هل أراد طلاقا أم لا ؟ ونيته فيما أراد منه .

25131 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني ابن نمير ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، قال : أتي ابن مسعود في رجل ، قال لامرأته : حبلك على [ ص: 34 ] غاربك ، فكتب ابن مسعود إلى عمر ، فكتب إليه عمر : مره ، فليواف بالموسم ، فوافاه بالموسم ، فأرسل إلى علي ، فقال له علي : أنشدك بالله ما نويت ، قال : فراق امرأتي ، ففرق عمر بينهما .

25132 - هذا يخرج فيمن طلق وقال : أردت غير امرأتي .

25133 - واختلف قول مالك فيمن قال لامرأته : حبلك على غاربك ، فمرة ، قال : ينوي ما أراد به من الطلاق ، ويلزم ما نوى من ذلك ، ومرة قال : لا ينوي أحد في حبلك على غاربك ; لأنه لا يقوله أحد ، وقد أبقى من الطلاق شيئا ، وهي ثلاث على كل حال .

25134 - ولم يختلف قوله إئه لا طلاق ، ولا يلتفت إلى نيته إن قال : لم أرد طلاقا .

25135 - وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم في حبلك على غاربك : إن لم يرد الطلاق لم يلزمه شيء ، وليس بشيء ، وإن أراد الطلاق ، فهو طلاق رجعي عند الشافعي ، لا غير .

25136 - وهو قول قتادة ، والحسن ، والشعبي وجماعة .

[ ص: 35 ] 25137 - وقال : أبو حنيفة : وإن أراد بقوله ذلك ثلاثا ، فهي ثلاث ، وإن أراد اثنتين ، فهي واحدة بائنة ، وإن أراد واحدة ، فهي بائنة ، وإن لم يرد طلاقا فليس شيء .

25138 - وكذلك قال أصحابهم إلا زفر ، فإنه قال : إن أراد اثنتين ، فهما اثنتان .

25139 - وقول الثوري كقول أبي حنيفة في ذلك ; لأنها كلمة واحدة .

25140 - وقال أبو عبيد ، وأبو ثور : هي واحدة ، يملك بها الرجعة .

25414 - زاد أبو عبيد : إلا أن يريد ثلاثا .

25142 - قال أبو عمر : تناقض الكوفيون في هذا الباب ; لأنهم يقولون : إن قال : أنت طالق ، وأراد ثلاثا ، فإنما هي واحدة ; لأنه لا يقع بالنية طلاق ، وقد أوقعوه ب " البتة " هنا .

25143 - وقال إسحاق بن راهويه : كل كلام يشبه الطلاق يراد به الطلاق ، فهو ما نوى من الطلاق .

25144 - وهو قول إبراهيم النخعي .

[ ص: 36 ] 25145 - وقال الشافعي : الطلاق ، والفراق ، والسراح لا يراعى في شيء من ذلك النية ; لقول الله تعالى إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] وقوله - جل ثناؤه : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف [ الطلاق : 2 ] .

25146 - قال : وأما الكنايات كلها المحتملة للطلاق وغيره ، فإن أراد الطلاق كان ما نوى من الطلاق ، وإن لم ينو شيئا حلف على ما فعل عمر - رضي الله عنه - ولم يلزمه شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية