الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1124 - مالك ; أنه بلغه أن علي بن أبي طالب ، كان يقول في الرجل يقول لامرأته : أنت علي حرام : إنها ثلاث تطليقات .

قال مالك : وذلك أحسن ما سمعت في ذلك .


25147 - قال أبو عمر : للعلماء فيمن قال لزوجته : أنت علي حرام ثمانية أقوال ، أشدها قول مالك .

[ ص: 37 ] 25148 - وهو قول علي ، وزيد بن ثابت .

25149 - وبه قال الحسن البصري ، والحكم بن عتيبة .

25150 - وإليه ذهب ابن أبي ليلى ، قال : هي ثلاث ، ولا أسأله عن نيته .

25151 - وهو قول مالك في المدخول بها ، وينويه في التي لم يدخل بها .

25152 - قال أبو عمر : روى جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي في الذي يقول لامرأته : أنت علي حرام ، قال : هي ثلاث .

25153 - وروى عبد الرزاق ، عن ابن التيمي ، عن أبيه : أن عليا ، وزيدا فرقا بين رجل ، وامرأته ، قال : هي علي حرام .

25154 - وقاله الحسن أيضا .

25155 - وعن معمر ، عن قتادة ، عن الحسن قال : هي ثلاث .

25156 - وروى قتادة ، عن خلاس بن عمرو ، وأبي حسان الأعرج : أن عدي بن قيس - أحد بني كلاب - جعل امرأته عليه حراما ، فقال له علي : هي الثلاث ، والذي نفسي بيده لئن مسستها قبل أن تتزوج غيرك لأرجمنك .

[ ص: 38 ] 25157 - وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني يعلى ، عن إسماعيل ، قال : قال عامر : زعم أناس أن عليا كان جعلها عليه حراما حتى تنكح زوجا غيره ، والله ما قالها علي قط .

25158 - وروى ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي أنه سمعه يقول : أنا أعلمكم بما قال علي في الحرام ، قال : لا آمرك أن تتقدم ، ولا آمرك أن تتأخر .

25159 - قال أبو عمر : الصحيح عن علي خلاف ما قال الشعبي من وجوه ، يطول ذكرها : أنه كان يرى الحرام ثلاثا ، لا تحل له إلا بعد زوج .

25160 - وكذلك مذهب زيد بن ثابت .

25161 - ذكر ابن أبي شيبة ، قال : حدثني عبد الوهاب ، عن سعيد ابن مطرف ، عن حميد بن هلال ، عن سعيد بن هشام ، أن زيد بن ثابت قال : هي ثلاث ، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره .

25162 - قال : وحدثني عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، أن زيد بن ثابت [ ص: 39 ] كان يقول في الحرام : ثلاث .

25163 - وعبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، أن زيد بن ثابت قال : هي ثلاث .

25164 - قال معمر ; قال الزهري : هو ما نوى ، ولا تكون أقل من واحدة .

25165 - وقال مالك ، وأكثر أصحابه فيمن قال لامرأته قبل أن يدخل : أنت علي حرام أنها ثلاث ، إلا أن يقول : نويت واحدة .

25166 - وقال عبد الملك بن الماجشون : لا ينوى فيها ثلاث ، وهي واحدة على كل حال كالمدخول بها سواء .

25167 - وقال عبد العزيز بن أبي سلمة : هي واحدة ، إلا أن يقول : أردت ثلاثا .

25168 - ( والقول الثاني ) : قاله سفيان الثوري ، وطائفة ، إن نوى بقوله لامرأته : أنت علي حرام ثلاثا ، فهي حرام ثلاث ، وإن نوى واحدة ، فهي واحدة بائنة ، وإن نوى يمينا ، فهو يمين يكفرها ، وإن لم ينو فرقة ، ولا يمينا ، [ ص: 40 ] فليس بشيء ، هي كذبة .

25169 - ( والقول الثالث ) : قاله الأوزاعي : هو ما نوى . فإن لم ينو شيئا ، فهي يمين يكفرها .

25170 - ( والقول الرابع ) : ما قاله الشافعي ، قال : ليس قوله : أنت علي حرام بطلاق ، حتى ينوي به الطلاق ، فإن نوى به الطلاق ، فهو على ما أراد من عدده ، فإن أراد واحدة ، فهي رجعية ، وإن أراد تحريمها بغير طلاق ، فعليه كفارة يمين ، وليس بمؤل .

25171 - ( والقول الخامس ) : قاله أبو حنيفة ، وأصحابه ، قال : إن نوى الطلاق ، فهي واحدة بائنة ، إلا أن ينوي ثلاثا .

فإن نوى ثلاثا ، فهي ثلاث .

وإن نوى اثنتين ، فهي واحدة .

وإن لم ينو طلاقها ، فهي يمين وهو مؤل .

وإن نوى الكذب ، فليس بشيء .

وقال زفر مثل ذلك كله ، إلا أنه قال : إن نوى اثنتين فهي اثنتان .

25172 - ( والقول السادس ) : قاله إسحاق ، وغيره قبله ، قالوا : من قال لامرأته : أنت علي حرام ، لزمه كفارة الظهار ، ولم يطأها حتى يكفر .

[ ص: 41 ] 25173 ( والقول السابع ) : قاله جماعة من التابعين وغيرهم ، قالوا في الحرام : هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين ، إلا أن غيرهم قال : هي يمين مغلظة . ومن قال هي يمين ، فحجته قول الله - عز وجل : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك [ التحريم : 1 ] .

وكان حرم على نفسه مارية سريته ، ثم قال الله تعالى : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [ التحريم : 2 ] وفي هذا اختلاف كثير .

25174 - ( والقول الثامن ) : أن تحريم المرأة كتحريم الماء ، ليس بشيء ، ولا فيه كفارة ، ولا طلاق ; لقوله عز وجل : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم [ المائدة : 87 ] .

25175 - وقال أبو عمر : قد رويت هذه الأقوال كلها عن جماعة من جماعة السلف :

25176 - فروى معمر ، عن منصور ، عن إبراهيم في الحرام ، قال : إن نوى واحدة ، فهي يمين واحدة ، وإن نوى ثلاثا ، فثلاث .

25177 - وروى الثوري : عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : كان أصحابنا [ ص: 42 ] يقولون في الحرام : هي واحدة بائنة ، وهي أملك بنفسها ، وإن شاء خطبها .

25178 - وروى ابن إدريس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : إذا قال لامرأته هي علي حرام ، ينوي الطلاق ، فأدنى ما تكون تطليقة بائنة .

25179 - وروى جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : إن نوى طلاقا ، فأدنى ما تكون من نيته واحدة في ذلك بائنة - إن شاء ، وشاءت تزوجها ، وإن نوى ثلاثا ، فثلاث .

25180 - وروى الشعبي ، عن عبد الله بن مسعود في الحرام ، قال : إن نوى طلاقها ، فهي واحدة ، وهو أملك برجعتها ، وإن لم ينو طلاقا فهي يمين يكفرها .

25181 - وروى إبراهيم ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن نوى يمينا ، فهي يمين ، وإن نوى طلاقا ، فما نوى .

25182 - وشعبة ، عن حماد ، قال : الحرام واحدة بائنة .

25183 - وأما من قال : إن الحرام يمين تكفر :

25184 - فروى معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، وأيوب ، عن عكرمة أن [ ص: 43 ] عمر بن الخطاب ، قال في الحرام : هي يمين .

25185 - قال يحيى : وهو قول ابن عباس .

25186 - قال أبو عمر : ورواه عن عكرمة خالد الحذاء مثله .

25187 - وقال عبد الرزاق : سمعت عمر بن راشد يحدث ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن يعلى بن حكيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : هي يمين ، وتلا : لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة [ الأحزاب : 21 ] .

25188 - وروى سعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد ، ومطرف ، عن ابن عباس مثله .

25189 - وابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن مسعود ، قال : هي يمين يكفرها .

25190 وذكر أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني عبد الأعلى ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، وعن جابر بن زيد ، وسعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار أنهم قالوا : الحرام يمين .

[ ص: 44 ] 25191 - وعبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني داود بن أبي هند ، عن سعيد بن المسيب ، قال : هي يمين .

25192 - حدثنا أبو بكر ، قال : حدثني عبد الأعلى ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن عطاء ، وطاوس ، قالا : هي يمين .

25193 - قال : وحدثني عبد الرحيم بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، أن أبا بكر ، وعمر ، وابن مسعود - رضي الله عنهم - قالوا : من قال لامرأته : هي عليه حرام ، فليست عليه بحرام ، وعليه كفارة يمين .

25194 - قال : وحدثني الثقفي ، عن برد ، عن مكحول ، وسليمان بن يسار ، قالا : الحرام يمين .

25295 - ومن قال : هي يمين مغلظة أوجب في كفارته تلك اليمين عتق رقبة .

25196 - وهو قول سعيد بن جبير .

25197 - وذكر أبو بكر ، عن عبد السلام بن حرب ، عن خصيف عن سعيد بن جبير في الرجل يقول لامرأته : أنت علي حرام ، قال : يعتق [ ص: 45 ] رقبة .

25198 - قال : وإن قال ذلك لأربع نسوة أعتق أربع رقاب .

25199 - وقد روي عن ابن عباس : الحرام يمين مغلظة .

25200 - قال أبو عمر : فهؤلاء كلهم لا يرون الحرام طلاقا ، ويرونها يمينا تكفر .

25201 - ذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، قال : قلت لعطاء : الرجل يقول لامرأته : أنت علي حرام ، قال : يمين ، ثم تلا ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [ التحريم : 1 ، 2 ] قال : وإن كان أراد الطلاق قلت : قد علم الله مكان الطلاق ، قلت : وإن قال : أنت علي كالميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، هو كقوله : أنت علي حرام ؟ قال : نعم .

25202 - وهو قول الحسن البصري في أن الحرام يمين تكفر ، كقول عطاء .

25203 - وأما من قال في الحرام ليس بشيء ولا يلزم قائل هذا القول كفارة ، ولا طلاق ، وأن زوجته في ذلك كسائر ماله سواء ; مسروق بن الأجدع ، وأبو سلمة [ ص: 46 ] بن عبد الرحمن ، والشعبي وغيرهم .

25204 - وروى معمر ، عن عاصم بن سليمان ، عن الشعبي أن مسروقا قال : لا أبالي حرمت امرأتي ، أو حرمت حفنة من ثريد .

25205 - وعن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة أنه قال : ما أبالي حرمتها ، أو حرمت الفرات .

25206 - والثوري ، عن صالح بن مسلم ، عن الشعبي ، قال : أنت علي حرام ، هو أهون علي من نعلي .

25207 - وأما قول من قال : كفارة الحرام كفارة الظهار :

25208 - فروى الثوري ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في الحرام ، قال : عتق رقبة ، أو صيام شهرين ، أو إطعام ستين مسكينا .

25209 - وكذلك روى خصيف ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس بخلاف رواية يعلى بن حكيم ، وابن المسيب ، وأبي الشعثاء ، ومطرف ، عن ابن عباس .

25210 - ومعمر ، عن خصيف ، عن سعيد بن جبير ، وعن أيوب بن أبي قلابة

[ ص: 47 ] وعن سماك بن الفضل ، عن وهب بن منبه ، قالوا : هي بمنزلة الظهار إذا قال : هي علي حرام .

25211 - واختلف عن قتادة : فروي عنه في الحرام كفارة الظهار .

25212 - وروي عنه كفارة اليمين .

25213 - قال أبو عمر : لا يكون الحرام ظهارا عند من قدمنا قوله من الفقهاء ، وإن أراد قائله الظهار .

25214 - وقد روي عن ابن عباس ، وعائشة في تأويل قوله - عز وجل : لم تحرم ما أحل الله لك [ التحريم : 1 ] في حديث ابن عباس : والله لا أشرب العسل بعدها ، وفي حديث عائشة : لن أعود أشرب العسل ، ولم يذكر يمينا ، فكان التحريم المذكور في الآية دالا على أن ثم يمينا كقوله عز وجل : قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم [ التحريم : 2 ] .

25215 - وقال نافع : حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريته ، فأمر بكفارة يمين .

25216 - وقال مسروق : آل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجعل الحرام حلالا ، فأمر [ ص: 48 ] بكفارة يمين .

25217 - قال أبو عمر : كأنه يعني : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم .

25218 - والحجة لمالك ، ومن ذهب مذهبه في الحرام إجماع العلماء أن من طلق امرأته ثلاثا أنها تحرم عليه ، فلما كانت الثلاث تحريما كان تحريم ثلاثا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية