الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1181 [ ص: 68 ] ( 5 ) باب ما لا يبين من التمليك

1132 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أم المؤمنين ; أنها خطبت على عبد الرحمن بن أبي بكر قريبة بنت [ ص: 69 ] أبي أمية . فزوجوه . ثم إنهم عتبوا على عبد الرحمن ، وقالوا : ما زوجنا إلا عائشة . فأرسلت عائشة إلى عبد الرحمن . فذكرت ذلك له . فجعل أمر قريبة بيدها . فاختارت زوجها . فلم يكن ذلك طلاقا .

1133 - مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ; أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زوجت حفصة بنت عبد الرحمن ، المنذر بن الزبير . وعبد الرحمن غائب بالشام . فلما قدم عبد الرحمن قال : ومثلي يصنع هذا به ؟ ومثلي يفتات عليه ؟ فكلمت عائشة المنذر بن الزبير . فقال المنذر : فإن ذلك بيد عبد الرحمن . فقال عبد الرحمن : ما كنت لأرد أمرا قضيتيه . فقرت حفصة عند المنذر . ولم يكن ذلك طلاقا .

1134 - مالك ; أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة ، سئلا عن الرجل ، يملك امرأته أمرها ، فترد ذلك إليه ، ولا تقضي فيه شيئا ، فقالا : ليس ذلك بطلاق .

1135 - مالك ; عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أنه قال : إذا ملك الرجل امرأته أمرها . فلم تفارقه . وقرت عنده . فليس ذلك [ ص: 70 ] بطلاق .


25308 - قال أبو عمر : روي مثل قول سعيد عن ابن عمر ، وابن مسعود ، ورواية عن علي : أنها إذا اختارت زوجها ، فلا طلاق لها ، ولا شيء .

25309 - وعلى هذا جماعة العلماء ، وجمهورهم من المملكة أنها إذا لم تقض شيئا لم يوجب تمليكها شيئا إذا رضيت البقاء مع زوجها .

25310 - واختلف الصحابة ، والتابعون - رضي الله عنهم - في المخيرة اختلافا متباينا ، دل على أنهم غابت عنهم السنة في ذلك ، وذلك تخيير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه .

25311 - قالت عائشة : خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه ، فلم يكن ذلك طلاقا .

25312 - ومعلوم أنه إنما خيرهن بين الصبر معه على الفقر وبين فراقه ، بدليل [ ص: 71 ] ما في الحديث من قوله لعائشة : إني أعرض عليك أمرا ، فلا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، قالت : ما هو ؟ فتلا عليها الآية ، فقالت : أوفيك أستأمر أبوي ؟ بلى ، أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، وأسألك ألا تذكر ذلك لامرأة من نسائك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إني لم أبعث معنتا ، وإنما بعثت معلما ميسرا ، فلا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها .

رواه أبو الزبير ، عن جابر ، عن عائشة .

25313 - ورواه عروة ، عن عائشة .

25314 - وهذا يدل على فساد قول الحسن : إنهن إنما خيرن بين الدنيا ، والآخرة ، لا بين فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم والكون معه ، والقضاء بصحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار من الحجاز والعراق أن المملكة ، والمخيرة إذا اختارت زوجها لم [ ص: 72 ] يقع عليها طلاق .

25315 - حدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني إسماعيل بن إسحاق ، قال : حدثني عمرو بن مرزوق ، قال : أخبرنا شعبة ، عن إسماعيل ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : قد خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن في ذلك طلاق .

25316 - ورواه الثوري عن الأعمش ، وعاصم عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة مثله ، وإبراهيم عن الأسود ، عن عائشة مثله .

25317 - قال أبو عمر : قوله في حديث هذا الباب : أن عائشة زوجت حفصة بنت عبد الرحمن أخيها من المنذر بن الزبير ليس على ظاهره ، ولم يرد بقوله : زوجت حفصة - والله أعلم - إلا الخطبة والكناية في الصداق والرضا ، ونحو ذلك دون العقد بدليل الحديث المأثور عنها ، أنها كانت إذا حكمت أمر الخطبة ، والصداق ، والرضا ، قالت : أنكحوا ، واعقدوا ، فإن النساء لا يعقدن .

25318 - وروى ابن جريج ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة أنها أنكحت امرأة من بني أخيها رجلا من بني أختها ، فضربت بينهم [ ص: 73 ] بستر ، ثم تكلمت حتى إذا لم يبق إلا العقد أمرت رجلا ، فأنكح ، ثم قالت : ليس إلى النساء النكاح .

25319 - قال أبو عمر : قد احتج الكوفيون بحديث مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عائشة المذكور في هذا الباب في جواز عقد المرأة للنكاح .

25320 - ولا حجة فيه ; لما ذكرنا من حديث ابن جريج ; ولأن عائشة آخر الذين رووا عن النبي - عليه السلام - : لا نكاح إلا بولي .

25321 - والولي المطلق يقتضي العصبة ، لا النساء ، وقد مضى هذا المعنى في كتاب النكاح ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية