الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1193 1148 - روى مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق : إن الأمة لها خيار ما لم يمسها .

25729 - قال مالك : وإن مسها زوجها فزعمت أنها جهلت أن لها الخيار ، فإنها تتهم ولا تصدق بما ادعت من الجهالة ، ولا خيار لها بعد أن يمسها .

1149 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ; أن مولاة لبني عدي يقال لها زبراء . أخبرته أنها كانت تحت عبد . وهي أمة يومئذ . [ ص: 151 ] فعتقت . قالت : فأرسلت إلي حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . فدعتني . فقالت : إني مخبرتك خبرا . ولا أحب أن تصنعي شيئا . إن أمرك بيدك ما لم يمسسك زوجك ، فإن مسك فليس لك من الأمر شيء ، قالت ، فقلت : هو الطلاق . ثم الطلاق . ثم الطلاق . ففارقته ثلاثا .


25730 - قال أبو عمر : لا أعلم مخالفا لعبد الله ، وحفصة ابني عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - في أن الخيار لها ما لم يمسها زوجها .

25731 - وفي حديث ابن عباس في قصة بريرة ما يشهد بصحة قولهما .

25732 - وقد روي عن النبي - عليه السلام - مثل ذلك :

25733 - حدثني عبد الله ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو داود قال : حدثني عبد العزيز بن يحيى الحراني ، قال : حدثني محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن أبي جعفر ، وعن أبان بن صالح ، عن مجاهد ، وعن هشام [ ص: 152 ] بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن بريرة أعتقت ، وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد ، وخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لها : إن قربك ، فلا خيار لك .

25734 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا علمت بالعتق وبأن لها الخيار ، فخيارها على المجلس .

25735 - وقال الأوزاعي : إذا لم تعلم بأن لها الخيار حتى غشيها زوجها ، فلها الخيار .

25736 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني يوسف بن عدي قال : حدثني عبدة بن سليمان ، عن سعيد ، عن أيوب ، وقتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود يوم أعتقت فكأني - والله - أنظر له في طرق المدينة ونواحيها وأن دموعه لتنحدر على لحيته يتبعها يترضاها لتختاره ، فلم تفعل .

25737 - قال أبو عمر : في هذا الحديث ما يبطل أن يكون خيارها على المجلس ; لأن مشيها في المدينة لم يبطل خيارها .

25738 - وفيه أيضا حجة لمن قال : لا خيار لها تحت الحر ; لأن خيارها إنما وقع من أجل كونها زوجها عبدا ، والله أعلم .

25739 - وفيه ما يعضد قول من قال من العلماء إن زوجها كان عبدا ، وهم : [ ص: 153 ] عروة ، والقاسم ، وجمهور فقهاء الحجاز ، والمغرب ، والشام .

25740 - ورواه عروة ، والقاسم ، عن عائشة .

25741 - حدثنا عبد الله ، قال : حدثني محمد قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثني جرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قصة بريرة ، قال : وكان زوجها عبدا ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختارت نفسها ، ولو كان حرا ما خيرها .

25742 - قال : حدثني عثمان بن أبي شيبة ، قال : حدثني حسين بن علي ، والوليد بن عقبة ، عن زائدة ، عن سماك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة : أن بريرة خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان زوجها عبدا .

25743 - وأما اختلافهم في الأمة تعتق تحت الحر :

25744 - فقال مالك وأهل المدينة ، وأصحابهم ، والأوزاعي ، والليث ، والشافعي : إذا أعتقت الأمة تحت الحر فلا خيار لها .

25745 - وبه قال أحمد ، وإسحاق .

25746 - وهو قول ابن أبي ليلى .

[ ص: 154 ] 25747 - ومن حجتهم أنها لم يحدث لها حال ترتفع بها عن الحر ، فكأنهما لم يزالا حرين ولما لم ينقص حال الزوج عن حالها ، ولم يحدث به عيب لم يكن لها خيار .

25748 - وقد أجمع الفقهاء أن لا خيار لزوجة العنين إذا ذهبت العنة قبل أن يقضى لها بفراقه ، وكذلك سائر العيوب زوالها ينفي الخيار .

25749 - فقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن حي : لها الخيار ، حرا كان زوجها أو عبدا .

25750 - ومن حجتهم أن الأمة لم يكن لها في إنكاح مولاها إياها رأي من أجل أنها كانت أمة ، فلما عتقت كان لها الخيار .

25751 - ألا ترى إلى إجماعهم على أن الأمة يزوجها سيدها بغير إذنها ، فإذا كانت حرة كان لها الخيار الذي لم يكن لها في حال أموتها .

25752 - قالوا : وقد ورد تخيير بريرة ، وليس في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : إنما وجب لك الخيار من أجل كون زوجك عبدا فالواجب أن يكون لها الخيار على كل حال .

25753 - قالوا : وقد روي في قصة بريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : قد ملكت نفسك ، فاختاري . [ ص: 155 ] 25754 - قالوا : فكل من ملكت نفسها اختارت تحت حر كانت ، أو عبد .

25755 - ورووا عن الأسود ، عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا .

25756 - ذكر أبو بكر ، قال : حدثني حفص ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة أنها اشترت بريرة فعتقتها ، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان لها زوج حر .

25757 - ورووا عن سعيد بن المسيب مثله .

25758 - وهو قول مجاهد ، وابن سيرين ، والشعبي ، وإبراهيم ، كل هؤلاء يقولون : تخير تحت الحر والعبد .

25759 - وقالوا : من قال إن زوج بريرة كان حرا ، فقوله أولى ; لأن الرق ظاهر والحرية طارئة ، ومن أنبأ عن الباطن كان الشاهد دون غيره .

25760 - قال أبو عمر : أما احتجاجهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبريرة : قد ملكت نفسك ، فاختاري ، فإنه خطاب ورد فيمن كانت تحت عبد .

25761 - فأما من أعتقت تحت حر ، فلم تملك بذلك نفسها ; لأنه ليس في حريتها شيء يوجب ملكها لنفسها .

25762 - وأما رواية الأسود بن يزيد ، عن عائشة أن زوج بريرة كان حرا ، فقد عارضه عن عائشة من هو مثله أو فوقه ، بل هو ألصق بعائشة ، وأعلم [ ص: 156 ] بها منه ، وذلك القاسم بن محمد أخيها ، وعروة بن الزبير ابن أختها ، رويا عن عائشة أن زوج بريرة كان عبدا .

25763 - رواه عبد الرحمن بن القاسم ، وأسامة بن زيد ، عن القاسم ، عن عائشة .

25764 - وفي حديث عروة في قصة زبراء أن الزوج كان عبدا ، ويشهد بصحة روايتها عن عائشة الحديث ؛ عن ابن عباس أن زوج بريرة كان عبدا أسود ، يسمى مغيثا لبعض بني مخزوم .

25765 - حدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن وضاح ، قال : حدثني أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثني عثمان ، قال : حدثني همام ، قال : حدثني قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن زوج بريرة ، كان عبدا أسود يسمى مغيثا ، فقضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع قضيات أن مواليها اشترطوا الولاء ، فقضى أن الولاء لمن أعطى الثمن وخيرها وأمرها أن تعتد وتصدق عليها بصدقة فأهدت منها إلى عائشة ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو لها صدقة ، ولنا هدية .

25766 - واختلف الفقهاء في فرقة المعتقة إذا اختارت فراق زوجها :

[ ص: 157 ] 25767 - فقال مالك والأوزاعي ، والليث بن سعد : هو طلاق بائن .

25768 - وممن قال : إن اختيارها لنفسها واحدة بائنة : قتادة ، وعمر بن عبد العزيز .

25769 - قال مالك : هو طلاق بائن إلا أن تطلق نفسها ثلاثا فإن طلقت نفسها ثلاثا فذلك لها ، ولها أن تطلق نفسها ما شاءت من الطلاق ، فإن طلقت نفسها واحدة ، فهي بائنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية