الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1198 [ ص: 173 ] ( 11 ) باب ما جاء في الخلع

1152 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ; أنها أخبرته عن حبيبة بنت سهل الأنصاري ، أنها كانت تحت ثابت بن قيس بن شماس . وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الصبح ، فوجد حبيبة بنت سهل عند بابه في الغلس . فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه ؟ فقالت : [ ص: 174 ] أنا حبيبة بنت سهل يا رسول الله . قال ما شأنك ؟ قالت : لا أنا ولا ثابت بن قيس . لزوجها . فلما جاء زوجها ثابت بن قيس ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حبيبة بنت سهل قد ذكرت ما شاء الله أن تذكر فقالت حبيبة : يا رسول الله ، كل ما أعطاني عندي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس خذ منها فأخذ منها . وجلست في بيت أهلها .

1153 - مالك ، عن نافع ، عن مولاة لصفية بنت أبي عبيد ; أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها ، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر .


[ ص: 175 ] 25862 - قال أبو عمر : هذا الحديث أصل في الخلع عند العلماء .

25863 - وأجمع الجمهور منهم أن الخلع ، والفدية ، والصلح ; أن كل ذلك جائز بين الزوجين في قطع العصمة بينهما ، وأن كل ما أعطته على ذلك حلال له ، إذا كان مقدار الصداق فما دونه ، وكان ذلك من غير إضرار منه بها ولا إساءة إليها .

25864 - إلا بكر بن عبد الله المزني ، فإنه شذ ، فقال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا على حال من الأحوال .

25865 - وزعم أن قوله عز وجل : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] منسوخ بقوله عز وجل : [ ص: 176 ] وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا [ النساء : 20 ] إلى قوله ميثاقا غليظا [ النساء : 21 ] .

25866 - وهذا خلاف السنة الثابتة في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس أن يأخذ من زوجته ما أعطاها ويخلي سبيلها .

25867 - ولا ينبغي لعالم أن يجعل شيئا من القرآن منسوخا إلا بتدافع يمنع من استعماله وتخصيصه .

25868 - وإذا جهل قوله عز وجل : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] أن يرضى منهما ، وجعل قوله عز وجل : فلا تأخذوا منه شيئا على أنه بغير رضاها ، وعلى كره منها ، وإضرار بها ، صح استعمال الآيتين .

25869 - وقد بينت السنة في ذلك قصة ثابت بن قيس وامرأته ، وعليه جماعة العلماء إلا من شذ عنهم ممن هو محجوج بهم ، وهم حجة عليه ; لأنهم لا يجوز عليهم الإطباق والاجتماع على تحريف الكتاب وجهل تأويله ، وينفرد بغير ذلك واحد غيرهم .

25870 - واختلفوا في مقدار ما يجوز للرجل أن يأخذ من امرأته ; لاختلاعها منه :

25871 - فقال منهم جماعة : ليس له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها على ظاهر حديث ثابت ، وقول امرأته : يا رسول الله : كل ما أعطاني عندي ، فأمره [ ص: 177 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذه منها ويخلي سبيلها .

25872 - وروي ذلك عن طاوس ، وعطاء ، والزهري ، وعمرو بن شعيب .

25873 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، قال : لا يحل له أن يأخذ منها شيئا من الفدية حتى يكون النشوز من قبلها بأن يظهر لها البغضاء وتسيء عشرته وتظهر له الكراهة وتعصي أمره ، فإذا فعلت ذلك حل له أن يقبل منها ما أعطاها ، ولا يحل له أكثر مما أعطاها .

25874 - قال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا كان النشوز من قبلها ، حل له أن يأخذ منها ما أعطاها ولا يزداد .

25875 - قالوا : والزيادة في القضاء جائزة ، وإذا كان النشوز من قبله ، لم يجز له أن يأخذ منها شيئا ، فإن فعل جاز في القضاء .

25876 - قال أبو عمر : قولهم : لا يجوز ، ويجوز في القضاء قول المحال ، والخطإ .

25877 - وكره سعيد بن المسيب ، والحسن ، والشعبي ، والحكم ، وحماد أن [ ص: 178 ] يأخذ منها أكثر مما أعطاها .

25878 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو عبيد .

25879 - وقال الأوزاعي : كان القضاة لا يجيزون أن يأخذ منها أكثر مما ساق إليها .

25880 - وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : ما أرى أن يأخذ منها كل ما أعطاها ، ولكن ليدع لها شيئا .

25881 - وقال آخرون : جائز له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، وإذا كان النشوز والإضرار من قبلها .

25882 - وممن قال ذلك : عكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وقبيصة بن ذؤيب .

[ ص: 179 ] 25883 - وهو قول مالك ، والشافعي .

25884 - وبه قال أبو ثور .

25885 - وقد تقدم هذا عن عبد الله بن عمر من رواية مالك ، عن نافع .

25886 - وهو مذهب عثمان - رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية