الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1200 [ ص: 183 ] ( 12 ) باب طلاق المختلعة

1154 - مالك ، عن نافع ; أن ربيع بنت معوذ بن عفراء ، جاءت هي وعمها إلى عبد الله بن عمر . فأخبرته أنها اختلعت من زوجها في زمان عثمان بن عفان ، فبلغ ذلك عثمان بن عفان فلم ينكره ، وقال عبد الله بن عمر : عدتها عدة المطلقة .


25906 - قال أبو عمر : روى هذا الحديث عن نافع جماعة منهم : عبيد الله بن عمر ، وأيوب ، والليث بن سعد ، فذكروا فيه أحكاما لم يذكرها مالك - رحمه الله - في حديث عبد الله بن عمر أنه لا نفقة للمختلعة .

25907 - وهذا صحيح ; لأنه لا نفقة إلا لمن له عليها رجعة .

25908 - ورواه الليث بن سعد ، عن نافع أنه سمع الربيع بنت معوذ بن عفراء تخبر عبد الله بن عمر أنها اختلعت من زوجها في زمن عثمان ، فجاء معها عمها معاذ بن عفراء إلى عثمان ، فقال : إن ابنة معوذ اختلعت من زوجها ، أفتنتقل ؟ فقال عثمان : تنتقل ، ولا ميراث بينهما ، ولا عدة عليها ، ولكن لا يحل لها أن تنكح زوجا غيره حتى تحيض حيضة خشية أن يكون بها حمل ، فقال عبد الله بن [ ص: 184 ] عمر : عثمان أخبرنا وأعلمنا .

25909 - قال أبو عمر : جمهور العلماء على أن الخلع طلاق .

25910 - وخالف ابن عباس ، فقال : الخلع فسخ وليس بطلاق .

25911 - وروى ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاوس ، عن ابن عباس أن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله ، فقال : رجل طلق امرأته تطليقتين ، ثم اختلعت منه ، أيتزوجها ؟ قال : نعم لينكحها ، ليس الخلع بطلاق .

25912 - وذكر الله الطلاق في أول الآية وآخرها ، والخلع فيه ما بين ذلك ، فليس الخلع بشيء ، ثم قرأ : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] وقرأ : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة : 230 ] .

25913 - قال أبو عمر : خالفه عثمان ، وجماعة الصحابة ، فقالوا : الخلع تطليقة واحدة ، إلا أن يريد به أكثر ، فيكون ما أراد به ، وسمى .

25914 - وروى مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن جمهان - مولى الأسلميين ، عن أم بكرة الأسلمية أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ، فأتيا [ ص: 185 ] عثمان بن عفان في ذلك فقال : هي تطليقة إلا أن تكون سميت شيئا ، فهو ما سميت .

25915 - قال أبو عمر : ليس خبر جمهان هذا عند يحيى في المؤطإ وهو عند جماعة من رواة الموطإ .

25916 - قال أبو عمر : هذا يدل على أن المختلع في هذا الحديث لم يسم طلاقا ولا نواه ، والله أعلم ، ولو سماه أو نواه ما احتاج أن يقال له : الخلع تطليقة .

25917 - واختلف العلماء في الخلع ، هل هو طلاق إذا لم يسم طلاقا أم لا ؟ .

25918 - فقال مالك : هو طلاق بائن ، إلا أن يكون أراد أكثر ، فيكون على ما أراد .

25919 - وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود .

[ ص: 186 ] واختلف فيه عن عثمان ، والأصح عنه أن الخلع طلاق .

25920 - وبه قال الثوري ، وعثمان البتي ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابه .

25921 - وهو أحد قولي الشافعي ، وروي عنه أن الخلع لا يقع به طلاق إلا أن ينويه ، أو يسميه .

25922 - وقال المزني : قد قطع في باب الكلام الذي يقع به الطلاق أن الخلع طلاق بائن ، فلا يقع به إلا بما يقع به الطلاق أو ما أشبهه من إرادة الطلاق ، فإن سمى عددا أو نوى عددا ، فهو عدد ما سمى أو نوى .

25923 - قال الشافعي : فإن قيل : فإذا جعلته طلاقا ، فاجعل له فيه الرجعة .

قيل : لما أخذ من المطلقة عوضا ، وكان من ملك عوض شيء خرج من ملكه لم تكن له رجعة فيما ملك عليه ، فكذلك المختلعة .

25924 - وروى أبو يوسف ، عن أبي حنيفة : خلع الزوجة من زوجها تطليقة [ ص: 187 ] بائنة . فإن نوى الطلاق ولم تكن له نية في عدد منه ، فكذلك أيضا هي واحدة بائنة وإن نوى ثلاثا فهي ثلاث ، وإن نوى اثنتين فهي واحدة بائنة ، لأنها كلمة واحدة ولا تكون اثنتين .

25925 - وقال الأوزاعي : الخلع تطليقة بائنة ، ولا ميراث بينهما .

25926 - فهؤلاء كلهم يقولون : إن الخلع تطليقة بائنة .

25927 - وقال به من الصحابة من قدمنا ذكره سوى ابن عباس .

25928 - وهو قول سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، وشريح ، والشعبي ، وإبراهيم ، وجابر بن زيد ، وسعيد بن جبير ، وقبيصة بن ذؤيب ، ومجاهد ، وأبي سلمة ، ومكحول ، والزهري .

25929 - وأما قول ابن عباس بأن الخلع فسخ ، وليس بطلاق ; فروي عن عثمان مثله .

25930 - وهو قول طاوس ، وعكرمة .

[ ص: 188 ] 25931 - وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وداود .

25932 - وقد روي عن عثمان أنه قال : الخلع مع تطليقة تطليقتان .

25933 - وقد اختلف العلماء في المختلعة ، هل يلحقها طلاق ، أم لا ما دامت في عدتها ؟ .

25934 - فقال مالك : إن طلقها عقيب الخلع من غير سكوت ، طلقت ، وإن كان بينهما سكوت لم تطلق .

25935 - وهذا يشبه ما روي عن عثمان - رضي الله عنه .

25936 - وقال الشافعي : لا يلحقها طلاق إن كانت في العدة .

25937 - وهو قول ابن عباس ، وابن الزبير .

25938 - وبه قال عكرمة ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

25939 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، الأوزاعي : يلحقها الطلاق ما دامت في العدة .

[ ص: 189 ] 25940 - وهو قول سعيد بن المسيب ، وشريح ، وطاوس ، وإبراهيم ، والزهري ، والحكم ، وحماد .

25941 - وروي ذلك عن ابن مسعود ، وأبي الدرداء من طريقين منقطعين ليسا بثابتين .

25942 - قال أبو عمر : لم يختلفوا أن الخلع طلاق بائن ، لا ميراث بينهما فيه .

25943 - ومعنى البينونة انقطاع العصمة إلا بنكاح جديد ، فكأنها رجعية بانت بانقضاء عدتها .

25944 - وقد ذكرنا قول ابن عباس بأنه فسخ لا طلاق .

25945 - واختلفوا في مراجعة المختلعة في العدة :

25946 - فقال جمهور أهل العلم : لا سبيل له إليها إلا برضى منها ، ونكاح جديد وصداق معلوم .

25947 - وهو قول عامة التابعين بالحجاز ، والعراق .

25948 - وبه قال مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأزواعي ، وأحمد ، وإسحاق .

25949 - وروي عن سعيد بن المسيب ، وابن شهاب أنهما قالا : إن رد إليها ما أخذ منها في العدة أشهد على رجعتها ، وصحت له الرجعة .

25950 - روى ابن أبي ذئب ، عن ابن شهاب ، قال : لا يتزوجها بأقل [ ص: 190 ] مما أخذ منها .

25951 - وقال أبو ثور : إن كان لم يسم في الخلع طلاقا ، فالخلع طلقة لا يملك فيها رجعة .

25952 - وإن سمى طلاقا ، فهو أملك برجعتها ، ما دامت في العدة .

25953 - وبه قال داود .

25954 - وروي مثل قول أبي ثور ، عن عبد الله بن أبي أوفى ، وماهان الحنفي .

25955 - واتفقوا على أنه جائز للمختلع أن يتزوجها في عدتها .

25956 - وقالت طائفة من المتأخرين : لا يتزوجها هو ، ولا غيرها في العدة ، فشذوا عن الجماعة والجمهور .

.

التالي السابق


الخدمات العلمية