الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1202 1157 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رجلا لاعن امرأته في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم . وانتفل من ولدها . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما . وألحق الولد بالمرأة .


[ ص: 216 ] 26072 - قال أبو عمر : هكذا قال يحيى " انتفل من ولدها " ، وقال سائر الرواة ، عن مالك : وانتفى من ولدها ، والمعنى قريب من السواء .

26073 - قال أبو عمر : وأما قوله : فانتفى من ولدها ، فيحتمل أن يكون الولد حيا ظاهرا في حين اللعان ، فانتفى منه ; إما لغيبة غابها ، أو لاستبراء ادعاه لم يعلم بحملها حتى وضعته ، أو ما أشبه هذا مما ينفي عنه أنه أقر به وقتا ما ثم جحده ونفاه بعد ، ويحتمل أن يكون انتفى من ولدها ، هو حمل ظاهر بها .

26074 - وقد اختلف الفقهاء في وقت نفي الولد باللعان .

[ ص: 217 ] 26075 - فقال مالك : إذا رأى الحمل ، فلم ينفه حتى وضعته ، لم ينتف عنه بعد ذلك ، وإن نفاه حرة كانت أو أمة ، فإن انتفى منه حين ولدته وقد رآها حاملا فلم ينتف منه ، فإنه يجلد الحد ، إذا كانت حرة مسلمة ; لأنه صار قاذفا لها ، فإن كان غائبا عن الحمل ، فقدم وقد ولدته فله أن ينفيه .

26076 - وقال الليث فيمن أقر بحمل امرأته ، ثم قال بعد ذلك : رأيتها تزني ، لاعن في الرؤية ، ولزمه الحمل .

26077 - وقال الشافعي : إذا علم الزوج بالحمل ، فأمكنه الحاكم إمكانا بينا ، فترك اللعان لم يكن له أن ينفيه كالشفعة .

26078 - هذا قوله في الجديد ، وقال في القديم : إن لم ينفه في يوم أو يومين ، لم يكن له أن ينفيه .

26079 - وقال بمصر : لو قال قائل : له نفيه مدة ثلاثة أيام من وقت علم به ، يأتي فيها الحاكم أو يشهد كان مذهبا .

26080 - قال : وأي مدة إن قلت ، له نفيه فيها فأشهد على نفسه ، وهو [ ص: 218 ] مشغول بما يخاف فوته بمرض أو كان مسافرا ، فأشهد ولم يسر فهو على نفيه .

26081 - وكذلك الغائب إذا قال : لم أصدق حملها ، أو الحاضر إن قال : لا أعلم .

28082 - وقال : لو رآها حبلى ، فلما ولدت نفاه ، وقال . لم أدر أنه حمل ، كان له نفيه .

26083 - وقال أبو حنيفة : إذا ولدت ، فنفى ولدها من يوم يولد ، أو بعده بيوم ، أو بيومين ، لاعن وانتفى الولد ، فإن لم ينفه حتى مضت سنة أو سنتان ، ثم نفاه ، لاعن ولزمه الولد .

26084 - ولم يؤقت أبو حنيفة لذلك وقتا ، ووقت أبو يوسف ، ومحمد مقدار النفاس : أربعين ليلة .

26085 - قال : وقال أبو يوسف : إن كان غائبا ، فقدم فله أن ينفيه ما بينه وبين مقدار النفاس منذ يوم قدم ، ما كان في الحولين ، فإن قدم بعد الحولين ، لم ينتف عنه أبدا .

26086 - قال أبو عمر : جملة قول مالك وأصحابه أن الحمل لا ينفيه الزوج بما يدعيه من رؤية الزنا ، ولا ينتفي الحمل إلا بدعوى الاستبراء ، وأنه لم يطأ بعد أن استبرأ .

26087 - والاستبراء عند مالك ، وابن القاسم حيضة .

[ ص: 219 ] 26088 - وقال عبد الملك بن عبد العزيز : لا تستبرأ الحرة في ذلك بأقل من ثلاث حيض .

26089 - ورواه عن مالك .

26090 - وقال ابن القاسم : إن لم يكن الحمل ظاهرا بإقراره أو بينة ، يشهد له به لم ينفه لعانه ولحق به .

26091 - وقال ابن القاسم : لو أكذب نفسه في الاستبراء وادعى الولد لحق به ، وهو أدنى اللعان نفيناه عنه ، وصار قاذفا لها بنفيه ولدها .

26093 - وقال المغيرة المخزومي : إن أقر بالحمل وادعى رؤيته لاعن ، فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فهو له ، فإن كان لستة أشهر فأكثر فهو اللعان . فإن ادعاه لحق به وحده .

26093 - قال المغيرة : ويلاعن في الرؤية من يدعي الاستبراء .

26094 - وجملة قول الشافعي وأصحابه : أن كل من نفى الحمل ، وقال : ليس مني لاعن ، وانتفى عنه الولد وإلا أن يكون علم ، فسكت على ما مضى من قوله في توقيت المدة في ذلك .

[ ص: 220 ] 26095 - وقال أحمد ، وأبو ثور ، وداود نحو قول الشافعي .

26096 - ولا معنى عند الشافعي للاستبراء ; لأن المرأة قد تحمل مع رؤية الدم ، وتلد مع الاستبراء .

26097 - وأما أبو حنيفة ، وأصحابه فلا يجوز عندهم اللعان على الحمل .

26098 - وقال أبو حنيفة : إذا قال : ليس هذا الحمل مني ، لم يكن قاذفا لها ، فإن ولدت ولو بعد يوم ، لم يلاعن بالقول الأول حتى ينفيه بعد الولادة .

26099 - وهو قول زفر ، وقول الثوري .

26100 - وقال أبو يوسف ، ومحمد : إن جاءت به بعد هذا القول لأقل من ستة أشهر لاعن .

26101 - وقد روي عن أبي يوسف أنه يلاعنها قبل الولادة .

26102 - وهو قول ابن أبي ليلى ، وعبيد الله بن الحسن ، ومالك ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ، كلهم يقول : يلاعن على الحمل الظاهر .

26103 - وقد روى الربيع ، عن الشافعي : لا يلاعنها حتى تلد .

26104 - وكذلك قال أحمد بن حنبل قال : ولو نفى الحمل في التعانه عن قذفها لم ينتف ولدها عنه حتى ينفيه بعد وضعها ويلاعن .

[ ص: 221 ] 26105 - وهو قول ابن الماجشون في الملاعنة على الحمل .

26106 - قال عبد الملك بن الماجشون : لا يلاعن على الحمل ; لأنه قد ينفش ، فيكون قولا على ريح .

26107 - ومن نفى حمل امرأته عند مالك ، وعبيد الله بن الحسن ، وابن أبي ليلى ، وقال : ليس مني ، لاعنها ; لأنه قاذف لها .

26108 - وقال الشافعي : لا يلاعنها إلا أن يقذفها ; لأنه لا يقول : لم يصح عندي حملها ، فينتفي قذفها عنه .

26109 - وقال أبو حنيفة : إنكار الحمل من أشد القذف .

26110 - قال أبو عمر : لا يصح عند الشافعي القذف إلا بالتصريح البين .

26111 - قال أبو عمر : ومن لم ير اللعان على الحمل حتى تلد زعم أن الحمل لا يقطع على صحته ; لأنه قد ينفش ويضمحل .

26112 - قال : فلا وجه للعان بغير استيقان .

26113 - ومن رأى اللعان على الحمل إذا نفاه ، فحجته الآثار المتواترة من حديث ابن عباس ، وحديث ابن مسعود ، وحديث أنس ، وحديث سهل بن سعد : أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين المتلاعنين ، وقال : إن جاءت به على صفة كذا ، [ ص: 222 ] فهو لزوجها ، وإن جاءت به على صفة هذا ، فما أراه إلا قد صدق عليها ، وهذا يدل على أنها كانت حاملا .

26114 - وقد ذكرنا كثيرا من هذه الأحاديث في التمهيد ، وهي متكررة في المصنفات ، والمسانيد .

26115 - وأجمعوا على أنه من أقر بالحمل وبان له ، ولم ينكره ، ولم ينفه ، ثم نفاه بعد ذلك لم ينفعه ذلك ، ولحق به الولد ، ويجلد الحد ، إلا عند أبي حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، فإنه يلاعن ولا يجلد ، على أصلهم .

26116 - وأما قول ابن عمر : فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما - يعني بين المتلاعنين - فإن العلماء اختلفوا في كيفية وقوع الفرقة بين المتلاعنين .

26117 - فقال مالك : والليث : إذا فرغا جميعا من اللعان ، وقعت الفرقة ، وإن لم يفرق بينهما الحاكم .

26118 - وبه قال زفر ، وأبو عبيد ، وأبو ثور .

26119 - وهو عندي معنى قول الأوزاعي ; لأنه قال : لا تقع الفرقة بلعان الزوج وحده . [ ص: 223 ] 26120 - قال : ولو التعن الزوج ثم مات ، فلا لعان ولا حد ، ويتوارثان .

26121 - وقال الشافعي : إذا قال الزوج الشهادة الخامسة والالتعان ، فقد زال فراش امرأته ، ووقعت الفرقة بينهما .

26122 - قال : ولو لم يكمل الخامسة ومات ، ورثه ابنه وزوجته .

26123 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما .

26124 - وبه قال الثوري ، وأحمد .

26125 - وقال الثوري : إذا تلاعنا ، وفرق الحاكم بينهما ، لم يجتمعا أبدا .

26126 - وكذلك قال أحمد بن حنبل .

26127 - قال عثمان البتي : وطائفة من أهل البصرة ، أخذوا ذلك عنه : إذا تلاعنا ، فلا أرى اللعان ينقص شيئا يعني من العصمة .

26128 - قال : وأحب إلي أن يطلق .

26129 - وقال عبيد الله بن الحسن : اللعان تطليقة بائنة .

[ ص: 224 ] 26130 - وحجة مالك ومن قال بقوله أن اللعان أوجب الفرقة التي قضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند فراغهما من لعانهما ، وقال له : لا سبيل لك عليها ، إعلاما منه بأن اللعان رفع سبيله عنها .

26131 - حدثني عبد الوارث بن سفيان ، قال حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني بكر بن حماد ، قال : حدثني مسدد ، قال : حدثني موسى بن يونس .

26132 - وحدثني عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال حدثني محمد بن شاذان ، قال : حدثني معلى بن منصور ، قال : حدثني يحيى بن أبي زائدة ، قال حدثني عبد الملك بن أبي سليمان ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : سئلت عن المتلاعنين زمن مصعب بن الزبير ، أيفرق بينهما ؟ قال : فما دريت ما أقول : فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة . فقلت للغلام : استأذن لي . قال : إنه قائل . فسمع صوتي . قال : ابن جبير ؟ قلت : نعم . ادخل . فوالله ! ما جاء بك هذه الساعة إلا حاجة . فدخلت . فإذا هو مفترش برذعة . متوسد وسادة حشوها ليف . قلت : أبا عبد الرحمن ! المتلاعنان ، أيفرق بينهما ؟ قال : سبحان الله ! نعم . إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان . قال : يا رسول الله ! أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة ، كيف يصنع ؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثل ذلك . قال : فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه . فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به . فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور : والذين يرمون أزواجهم [ النور : 6 - 9 ] فتلاهن عليه ووعظه وذكره . وأخبره أن عذاب الدنيا [ ص: 225 ] أهون من عذاب الآخرة . قال : لا ، والذي بعثك بالحق ! ما كذبت عليها . ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة . قالت : لا ، والذي بعثك بالحق ! إنه لكاذب . فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . ثم فرق بينهما .

26133 - وحدثني سعيد بن نصر ، وعبد الوارث ، قالا : حدثني قاسم ، قالا : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : حدثني الحميدي ، قال : حدثني سفيان ، عن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عمر ، قال : فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين ، وقال : حسابكم على الله ، أحدكما كاذب ، لا سبيل لك عليها . قال : يا رسول الله ! ما لي ؟ قال : ما لك ، إن كنت صادقا ، فهو بما استحللت من فرجها ، وإن كنت كذبت ، فهو أبعد لك .

[ ص: 226 ] 26134 - قال الشافعي : تفريق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين تفريق حكم ليس لطلاق الزوج فيه مدخل ، وإنما هو تفريق أوجبه اللعان ، فأخبره به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : لا سبيل لك عليه .

26135 - قال أبو عمر : هذا كله معنى قول مالك ، ومذهبه .

26136 - وفي قوله عليه السلام : لا سبيل لك عليها دلالة واضحة أن اللعان هو الموجب للفرقة بينهما وأن الحاكم إنما ينفذ في ذلك الواجب من حكم الله تعالى ولم يكن تفريق النبي - عليه السلام - بين المتلاعنين استئنافا من حكم ، وإنما كان تنفيذا لما أوجب الله تعالى من المباعدة بينهما .

26137 - وهو معنى اللعان في اللغة .

26138 - فعلى الحاكم أن يعلمها بأن اللعان فراق بينهما ، وإن قصر عن ذلك ، ولم يقل : فرقت بينهما . فالفرقة واقعة بتمام اللعان ; لقوله صلى الله عليه وسلم : لا سبيل لك عليها .

[ ص: 227 ] 26139 - وحجة الشافعي في قوله : إذا أكمل الزوج التعانه عليها إلى آخر الخامسة ، وقعت الفرقة بينه وبين امرأته وزال فراشه ، التعنت المرأة أو لم تلتعن ، أنه لما كان التعان الزوج يسقط الحد عنه ، وينفي الولد عن فراشه إن نفاه في التعانه ، كان كذلك قطع العصمة ورفع الفراش ووجوب الفرقة ; لأن المرأة لا مدخل لها في الفراق وقطع العصمة ورفع الفراش وإنما ذلك بيد الزوج ، ولا معنى لالتعان المرأة إلا في درء الحد عنها ، قال الله تعالى : ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة الآية [ النور : 6 - 7 ] .

26140 - ولما اتفقوا أن الزوج بالتعانه ينتفي عنه الولد إن نفاه ، كان كذلك برفع عصمة النكاح ، ألا ترى أن معنى التعان الزوج والتعان المرأة متضادان ; لأن الزوج يدعي ما يوجب الفرقة ويحلف عليه ، والمرأة تنفي المعنى الموجب لوقوع الفراق ، فكيف يعتبر في رفع العصمة التعانها وهي مكذبة لزوجها في وقوع النسب الموجب للفراق ، أم كيف يرتفع النسب وينفى النكاح .

26141 - وحجة الكوفيين ، ومن قال بقولهم في أن الفرقة لا تقع بتمام [ ص: 228 ] اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما حديث ابن عمر ، وحديث سهل بن سعد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرق بين المتلاعنين ، فأضاف الفرقة إليه لا إلى اللعان ، فلا تقع الفرقة حتى يقول الحاكم : قد فرقت بينهما ، ويعلم من حضره بذلك ، ويشهدهم .

26142 - قالوا : ولما كان اللعان مفتقرا إلى حضور الحاكم ، كان مفتقرا إلى تفريقه بخلاف الطلاق وقياسا على العنين ; لأنه لا تقع الفرقة بينه وبين امرأته إلا بحكم الحاكم بذلك .

26143 - واتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد ، وهو مذهب أهل المدينة ، ومكة ، والكوفة ، والشام ، ومصر : أن اللعان لا يفتقر إلى طلاق ، وأن حكمه وسنته الفرقة بين المتلاعنين إما باللعان وإما بتفريق الحاكم ، على ما ذكرنا من مذاهبهم .

26144 - وقال عثمان البتي ، وطائفة من أهل البصرة : لا ينقص اللعان شيئا من العصمة حتى يطلق الزوج .

26145 - وهذا قول لم يتقدم البتي إليه أحد فيما علمت ، ولا له من الآثار الواردة بالسنن ما يدل عليه ; لأن طلاق عويمر العجلاني بعد تمام التعانها ، [ ص: 229 ] لم يكن بأمر النبي - عليه السلام - ولا قال له النبي - عليه السلام - : أحسنت ، ولا فعلت ما كان يجب عليك ، ولو كان الطلاق واجبا ومحتاجا إليه ، لبينه صلى الله عليه وسلم ; لأنه بعث إلى الناس معلما ، وهم لا يعلمون شيئا وقد قال له ، أو أخبره : لا سبيل لك عليها عند تمام اللعان بينهما ، فبان بذلك أن طلاق العجلاني ، لم يكن له معنى إلا قوله : كذبت عليها يا رسول الله ، إن أمسكتها ، فطلقها ; ليدل بذلك عند نفسه على صدقه ، ولم يكن ذلك يدخل داخله في حكمه ، فلم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، ولا نهاه ، ولا أمره ; لأن طلاقه كان لا معنى له ، وقد بان في حديث ابن وهب ، عن عياض بن عبد الله الفهري ، عن ابن شهاب ، أن قوله في آخر حديث مالك بإثر ذكر الطلاق ، فكان ذلك سنة المتلاعنين ، إنما أراد الفرقة ، وألا يجتمعا أبدا .

26146 - كذلك ذكره ابن وهب ، عن عياض ، عن ابن شهاب في آخر حديثه في اللعان ، وساقه كنحو سياقة مالك له ، وقال في آخره : ومضت سنة المتلاعنين أن يفرق بينهما ، لا يجتمعان أبدا .

26147 - ذكره ابن وهب في موطئه ، عن عياض بن عبد الله الفهري ، عن ابن شهاب في حديثه ، عن سهل بن سعد في اللعان .

[ ص: 230 ] 26148 - وعياض هذا قد روى عنه الليث ، وغيره ، وهو من شيوخ أهل مصر .

26149 - وقد احتج من قال : إن طلاق الثلاث المجتمعات تقع السنة بحديث سهل بن سعد في طلاق عويمر العجلاني زوجته ثلاثا ، ولم ينكر ذلك عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : لو كان وقوع طلاق الثلاث المجتمعات لا يجوز ، لبينه صلى الله عليه وسلم ، وأنكره عليه ، وقال له : كيف تطلق ثلاثا في مرة واحدة ، وذلك لا يجوز في ديننا وشريعتنا ونحو ذلك ، فلما لم ينكر عليه شيئا من ذلك دل على جوازه .

26150 - وأما من قال : لا تقع السنة ، وإنما هي بدعة لازمة لموقعها ، فإنه قال : لما لم يكن موضع طلاق ; لأن فرقة اللعان أقوى من فرقة الطلاق لم يحتج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إنكار ذلك عليه ; لأنه فعل فعلا لا معنى له .

[ ص: 231 ] 26151 - وقد أوضحنا هذه المسألة . واجتلبنا أقوال القائلين فيها في أول كتاب الطلاق .

26152 - وأما قول ابن عمر في حديثه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب وألحق الولد بالمرأة ومنهم من يرويه : وألحق الولد بأمه ، فمعلوم أن الأم لا ينتفي عنها ولدها أبدا ، وأنه لاحق بها على كل حال ; لولادتها له ، لكن معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قضى بانتفاء الولد عن أبيه بلعانه ألحقه بأمه خاصة ، كأنه لا أب له فلا يرث أباه ، ولا يرثه أبوه ، ولا أحد بسببه .

وقيل : بل ألحقه بأمه ، فجعل أمه له كأبيه وأمه .

26153 - ولهذا الحديث اختلف العلماء - والله أعلم - في ميراث ولد الملاعنة ، وسنورد هذا في بابه بعد هذا ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية