الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
26170 - قال مالك : وإذا فارق الرجل امرأته فراقا باتا ليس له عليها فيه رجعة ثم أنكر حملها ، لاعنها إذا كانت حاملا وكان حملها يشبه أن يكون منه ، إذا ادعته ما لم يأت دون ذلك من الزمان الذي يشك فيه . فلا يعرف أنه منه .

قال : فهذا الأمر عندنا . والذي سمعت من أهل العلم .

26171 - قال مالك : وإذا قذف الرجل امرأته ، بعد أن يطلقها ثلاثا وهي حامل يقر بحملها . ثم يزعم أنه رآها تزني قبل أن يفارقها ، جلد الحد ، ولم يلاعنها . وإن أنكر حملها بعد أن يطلقها ثلاثا لاعنها .

قال : وهذا الذي سمعت .


26172 - قال أبو عمر : إنما قال ذلك في المسألتين ; لأنه إذا قذفها بعد أن [ ص: 238 ] طلقها ثلاثا ، فقد قذف أجنبية ، ولا لعان بين أجنبيين ، ويلزمه حد القذف ، وإن لم يأت بأربعة شهداء يشهدون له بما رماها به ، كما يلزم الأجنبي .

26173 - وأما إذا أنكر حملها بعد أن بت طلاقها ، وكان إنكاره لحملها في عدتها ، أو في مدة بعد العدة يلحق فيها الولد بصاحب الفراش فإنه يلاعنها ; لأنها في حكم الزوجة في المدة التي يلحق به فيها ولدها . وذلك خمس سنين عندهم ، على اختلاف في ذلك سنذكره عنهم ، وعن سائر العلماء في موضعه ، إن شاء الله عز وجل .

26174 - وقد روى يحيى عن ابن القاسم في الذي يطلق امرأته ثلاثا ثم يقذفها في عدتها ، ويقول رأيتها تزني في عدتها ; أنه لا يلاعن .

26175 - وهذا خلاف مالك في الموطإ .

26176 - وقال سحنون : إن رماها في وقت إن قد بقي من العدة ما لو أتت فيه بولد من يوم رماها ، لزمه الولد فإنه يلاعن ، وإن كان وقتا لو أتت فيه بولد لم يلحقه ، فإنه يحد ولا يلاعن .

26177 - وقال يحيى : قال ابن القاسم : إن أتت المرأة بولد بعد انقضاء العدة [ ص: 239 ] إلى أقصى ما تلد له النساء فإنه يلزم الزوج ، إلا أن ينفيه بلعان .

26178 - قال أبو عمر : هذا لا شك ، ولا خلاف عندهم فيه - أعني مالكا وأصحابه .

26179 - ولم يختلف في المبتوتة تنقضي عدتها ، ثم يقذفها الزوج المطلق لها ، ويقول رأيتها تزني أنها تحد ولا يلاعن .

26180 وأما قول سائر الفقهاء في هذا الباب :

26181 - فقال ابن شبرمة : إذا ادعت المرأة حملا في عدتها ، فأنكر ذلك الذي تعتد منه لاعنها ، وإن كانت في غير عدة جلد الحد ، ولحق به الولد .

26182 - وقال محمد بن الحسن ، عنه ، وعن أصحابه في رجل طلق امرأته تطليقة يملك الرجعة ، فجاءت بولد بعد سنة ، فنفاه ، أنه يلزمه ويضرب الحد ; لأنه قذفها .

26183 - وقال الطحاوي : يثبت الحد والنسب ; لأن الحمل كان وهي زوجته ، ويحد ; لأن القذف وقع وهي غير زوجة .

26184 - وقال الحسن بن حي في الطلاق البائن : يحد ، ويلزمه الولد .

[ ص: 240 ] 26185 - وعند الشافعي : إذا نفى ولدا ، أو حملا ، التعن في العدة ، وبعدها ، وكذلك لو نفى الولد بعد موتها التعن ، وإذا لم ينف حملا ولا ولدا وقذفها وهي مبتوتة حد .

26186 - وأما اختلافهم فيمن قذف امرأته فطلقها ثلاثا :

26187 - فقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : لا حد ولا لعان وحجتهم أن الله - عز وجل - أوجب على الزوج اللعان ، وعلى الأجنبي الحد ، إن لم يأتوا بالشهداء ، واعتبروا ذلك برجوع الشهود ، فقالوا : ألا ترى أن شهودا لو شهدوا بزنا ، فحكم الحاكم بهم ، ثم رجعوا ، لكان رجوع الشهود يسقط الحد عن الأجنبي ، وكذلك حدوث الفرقة قبل اللعان مسقطا .

26188 - وقال مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، والليث : يلاعن ; لأن القذف كان وهي زوجة .

26189 - وبه قال الليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد .

[ ص: 241 ] 26190 - وهو قول الحسن ، والشعبي ، والقاسم بن محمد .

26191 - قال أبو عمر : لما أجمعوا أنه قذفها وهي أجنبية ثم تزوجها ، ولم يلاعنها ، كان كذلك إذا قذفها وهي زوجة ، ثم بانت ، لم يبطل اللعان .

26192 - وقالوا : لو قذفها بعد أن بانت منه بزنا نسبه إليها ، إلا أنه كان وهي زوجة حد ، ولا لعان إلا أن ينفي ولدا .

26193 - وفي المسألة قول ثالث ، فيمن طلق امرأته ثلاثا بعد القذف : أنه يحد ، ولا يلاعن .

26194 - قاله مكحول ، والحكم ، وجابر بن زيد ، والحارث العكلي ، وقتادة .

26195 - قال أبو عمر : لأنه قاذف غير زوجه في حين المطالبة بالقذف .

التالي السابق


الخدمات العلمية