الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
142 [ ص: 251 ] ( 28 ) باب ما جاء في بول الصبي

116 - مالك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصبي ، فبال على ثوبه ، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فأتبعه إياه .

117 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أم قيس بنت محصن ؛ أنها أتت بابن لها صغير ، لم يأكل [ ص: 252 ] الطعام ، إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه في حجره ، فبال على ثوبه ؛ فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فنضحه ولم يغسله .


3723 - قوله في هذا الحديث : " ولم يغسله " يريد : ولم يفركه ، ويقرصه بالماء .

3724 - وقال بعض شيوخنا : قوله في هذا الحديث : " ولم يغسله " ليس في الحديث ، وزعم أن آخر الحديث : " فنضحه " .

3725 - ولا يتبين عندي ما قاله ، لصحة رواية مالك هذه . وقد قال فيها : ولم يغسله نسقا واحدا .

3726 - وكذلك رواية ابن جريج عن ابن شهاب في هذا الحديث ، قال فيه : " ولم يغسله " كما قال مالك .

3727 - ورواه عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، وابن جريج كذلك أيضا .

3728 - وذكره ابن أبي شيبة ، عن ابن عيينة عن الزهري بإسناده ، قال فيه : " فدعا [ ص: 253 ] بماء فرشه ، ولم يزد " .

3729 - وقال فيه معمر : " فنضحه ، ولم يزد " .

3730 - وهذان الحديثان معناهما واحد ، وهو صب الماء على البول ؛ لأن قوله في حديث هشام : " فأتبعه إياه " وقوله في حديث ابن شهاب : " فنضحه " سواء .

3731 - والنضح في هذا الموضع : صب الماء ، وهو معروف في اللسان العربي ، بدليل قوله عليه السلام : " إني لأعرف قرية ينضح البحر بناحيتها - أو قال : بحائطها ، أو سورها - لو جاءهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر " .

3732 - وفي حديث آخر : " إني لأعلم أرضا يقال لها : عمان ينضح بناحيتها البحر ، بها حي من المغرب لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر " .

3733 - وقد يكون النضح أيضا في اللسان العربي الرش .

3734 - هذا وذاك معروفان في اللسان ، ففي هذين الحديثين ما يدل على صب الماء على بول الصبي من غير عرك ولا فرك ، وقد يسمى الصب غسلا ؛ بدليل قول العرب : غسلتني السماء .

3735 - وقد أمر - عليه السلام - بصب الذنوب من الماء على بول الأعرابي ، فدل على أن كل ما يزيل النجاسة ، ويذهبها - فقد طهر موضعها بعرك وبغير عرك ؛ لأن الماء إذا غلب على النجاسة ، ولم يظهر منها فيه شيء وغمرها طهرها ، وكان الحكم له لا لها .

3736 - وقد مضى هذا المعنى محررا فيما تقدم من كتابنا هذا والحمد لله .

3737 - وقد أجمع المسلمون على أن بول كل صبي يأكل الطعام ، ولا يرضع نجس ، [ ص: 254 ] كبول أبيه . واختلفوا في بول الصبي والصبية إذا كانا يرضعان ، لا يأكلان الطعام .

3738 - فقال مالك ، وأبو حنيفة وأصحابهما : بول الصبي والصبية كبول الرجل ، مرضعين كانا أو غير مرضعين .

3739 - وقال الأوزاعي : لا بأس ببول الصبي ما دام يشرب اللبن ، ولا يأكل الطعام ، وهو قول عبد الله بن وهب صاحب مالك .

3740 - وقال الشافعي : بول الصبي الذي لم يأكل الطعام ليس بنجس ، حتى يأكل الطعام . ولا يتبين لي فرق ما بين الصبية وبينه ، ولو غسل كان أحب إلي .

3741 - وقال الطبري : بول الصبية يغسل غسلا ، وبول الصبي يتبع ماء . وهو قول الحسن البصري .

3742 - وذكر عبد الرزاق ، عن معمر وابن جريج ، عن ابن شهاب قال : مضت السنة بأن يرش بول الصبي ، ويغسل بول الجارية .

3743 - ولفظ ابن جريج مكان يرش : ينضح .

3744 - وذكر ابن أبي شيبة ، عن محمد بن بكر ، عن جريج ، عن ابن شهاب ، قال : مضت السنة بأن يرش بول من لم يأكل الطعام ، ومضت السنة بغسل بول من أكل الطعام من الصبيان ، ولم يفرق بين الغلام والجارية في هذه الرواية .

3745 - قال أبو عمر : هذا أصح ما قيل في هذا الباب ، على معنى ما فيه من الآثار الصحاح .

3746 - وتفسير ذلك ما رواه الحسن البصري ، عن أمه ، عن أم سلمة ، قالت : بول الغلام يصب عليه الماء صبا ، وبول الجارية يغسل طعمت ، أو لم تطعم .

[ ص: 255 ] 3747 - وعن عائشة مثله .

3748 - وكان الحسن يفتي به لصحته عنده .

3749 - وروى حميد الطويل عن الحسن أنه قال في بول الصبية : يغسل غسلا ، وبول الصبي يتبع بالماء .

3749 م - وهذا أولى ما قيل به في هذا الباب ، والله الموفق .

3750 - وقد روى قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن علي ، عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " يغسل بول الجارية ، وينضح على بول الغلام " .

3751 - قال قتادة : ما لم يطعما الطعام ، فإذا طعما الطعام غسلا .

3752 - وقد أجمع المسلمون أنه لا فرق بين بول الرجل والمرأة ففي القياس كذلك بول الغلام والجارية .

3753 - وقد رويت بالتفرقة بينهما في أن بول الصبي لا يغسل وبول الجارية يغسل - آثار ، ليست بالقوية ، قد ذكرتها في التمهيد .

3754 - وعلى ما اخترنا في هذا تتفق معاني الآثار ، ولا تختلف ، وهو الذي عليه المدار ، والله المستعان . وهو حسبنا ونعم الوكيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية