الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1212 1168 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أنه كان يقول : لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق ، وقد فرض لها صداق ولم تمس ، فحسبها نصف ما فرض لها .

1169 - مالك ، عن ابن شهاب ; أنه قال : لكل مطلقة متعة .

26372 - قال مالك : وبلغني عن القاسم بن محمد مثل ذلك .


26373 - قال أبو عمر : اختلف العلماء فيمن تجب لها المتعة من المطلقات : 26374 - فروي عن ابن عمر من وجوه ما ذكره مالك ، عن نافع عنه .

26375 - وبه قال قتادة ، وإبراهيم ، وشريح القاضي ، ومجاهد ، وعطاء ، [ ص: 280 ] ونافع ، كل هؤلاء يقول : لا متعة للتي طلقت قبل الدخول ، وقد كان فرض لها صداق ، ويقولون : حسبها نصف الصداق .

26376 - وعلى هذا جمهور العلماء في التي طلقت قبل الدخول بها ، وقد كان فرض لها .

26377 - وقال آخرون : لكل مطلقة متعة دخل بها أو لم يدخل بها ، فرض لها ، أو لم يفرض لها : منهم : الحسن البصري ، وأبو العالية ، وأبو قلابة ، وسعيد بن المسيب ، وابن شهاب الزهري .

26378 - إلا أن الزهري يقول : إذا لم يفرض لها . وطلقت قبل الدخول ، فالمتعة واجبة ، وإن فرض لها ، وطلقت قبل الدخول ، فالمتعة - حينئذ - يندب إليها .

26379 - وهو قول الكوفيين .

26380 - ذكره عبد الرزاق ، عن معمر ، وابن جريج ، عن ابن شهاب .

26381 - وأما اختلافهم في وجوب المتعة :

26382 - فكان شريح يجبر عليها في أكثر الروايات عنه .

26383 - روى وكيع ، عن سفيان ، عن الزبير بن عدي ، عن زيد بن الحارث ، عن شريح أن رجلا طلق . ولم يفرض ، ولم يدخل ، فأجبره شريح على المتعة .

26384 - وقد روى معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عن شريح أنه سمعه [ ص: 281 ] يقول لرجل طلق : متع ، فلم أدر ما رد عليه ، فسمعت شريحا يقول : متع إن كنت من المحسنين ، لا تأب أن تكون من المتقين .

26385 - قال أبو عمر : يحتمل أن يكون هذا معناه في التي فرض لها ، وطلقت قبل الدخول ، كقول ابن شهاب وغيره ، فلا يعد شيء من ذلك عنه خلافا .

26386 - وقال عبد الله بن مغفل : إنما يجبر على المتعة من طلق ، ولم يفرض ، ولم يدخل .

26387 - وكذلك قال إبراهيم ، والشعبي ، والكوفيون .

26388 - وأما اختلاف الفقهاء - أئمة الفتوى بالأمصار في وجوب المتعة :

26389 - فقال مالك : لا يجبر أحد على المتعة ، سمى لها ، أو لم يسم ، دخل بها أو لم يدخل ، وإنما هي مما ينبغي أن يفعله ، وليس يجبر عليها .

26390 - قال : وليس للملاعنة متعة على حال من الأحوال .

26391 - وقال أبو الزناد ، وابن أبي ليلى : المتعة ليست بواجبة على أحد - إن [ ص: 282 ] شاء فعل ، وإن شاء لم يفعل ، لا يجبر أحد عليها .

26392 - ولم يفرقوا بين المدخول بها وغير المدخول بها ، وبين من سمى لها ، وبين من لم يسم لها .

26393 - قال أبو عمر : من حجة مالك أن المتعة لو كانت فرضا واجبا يقضى به لكانت مقدرة معلومة كسائر الفرائض في الأموال ، فلما لم تكن كذلك خرجت من حد الفروض إلى حد الندب والإرشاد والاختيار ، وصارت كالصلة والهدية .

26394 - هذا أحسن ما احتج به أصحابه له .

26395 - وقال الشافعي : المتعة واجبة لكل مطلقة ، ولكل زوجة إذا كان الفراق من قبله ، أو لم يتم إلا به ، إلا التي سمى لها وطلقها قبل الدخول .

26396 - قال أبو عمر : لأنها قد جعل لها نصف الصداق ، ولم يستمتع منها بشيء .

26397 - قال : ولامرأة العنين متعة .

[ ص: 283 ] 26398 - وقال به سائر أصحاب الشافعي في امرأة العنين ; لأن ما نزل به من داء العنة كان سبب الفرقة ، إلا المزني ، فإنه قال : لا متعة لها ; لأن الفراق من قبلها .

26399 - قال أبو عمر : حجة الشافعي عموم قول الله عز وجل : وللمطلقات متاع بالمعروف [ البقرة : 241 ] فلم يخص .

26400 - ومثله قوله عز وجل إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن [ الأحزاب : 49 ] .

26401 - وروي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه : لكل مطلقة متعة .

26402 - وعن جماعة من التابعين قد ذكرناهم .

26403 - وقول الشافعي في هذه المسألة هو قول ابن عمر نصا .

26404 - ويحتمله قول علي ، وغيره .

26405 - وحجتهم للشافعي أيضا في إيجاب المتعة أن الله تعالى أمر بها [ ص: 284 ] الأزواج ، وقال تعالى : وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين [ البقرة : 241 ] .

26406 - وفي آية أخرى : حقا على المحسنين [ البقرة : 236 ] .

26407 - ومعلوم أن الله إذا أوجب على المتقين والمحسنين ، وجب على الفجار والمسيئين ، وليس في ترك تحديدها ما يسقط وجوبها كنفقات البنين والزوجات .

26408 - قال الله عز وجل : وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف [ البقرة : 233 ] .

26409 - ولم يجد شيئا مقدرا فيما أوجب من ذلك بل قال عز وجل : لينفق ذو سعة من سعته [ الطلاق : 7 ] الآية ، كما قال في المتعة : على الموسع قدره وعلى المقتر قدره [ البقرة : 236 ] .

26410 - وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة إذ شكت إليه أن زوجها أبا سفيان لا يعطيها نفقة لها ، ولا لبنيها : خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف فلم يقدر .

[ ص: 285 ] 26411 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : المتعة واجبة للتي طلقت قبل الدخول ولم يسم لها . هذه وحدها المتعة واجبة لها .

26412 - وقال أبو حنيفة : وإن دخل بها ثم طلقها ، فإنه يمتعها ولا يجبر على المتعة ، هاهنا .

26413 - وهو قول الثوري ، والحسن بن حي ، والأوزاعي ، وأبي ثور .

26414 - إلا أن الأوزاعي قال : إن كان أحد الزوجين مملوكا لم تجب المتعة ، وإن طلقها قبل الدخول ، ولم يسم لها مهرا .

26415 - وقد روي عن الشافعي مثل قول أبي حنيفة في ذلك .

26416 - وتحصيل مذهب أبي حنيفة وأصحابه أن لا متعة واجبة إلا للمطلقة التي لم يسم لها وطلقت قبل الدخول بها ، ولا يجتمع عندهم [ ص: 286 ] وجوب متعة ، ووجوب شيء من المهر ، وأدنى المتعة عندهم : درع ، وخمار ، وإزار ، وهي لكل حرة وذمية ومملوكة ، إذا وقع الطلاق من جهته ، والله الموفق للصواب .

التالي السابق


الخدمات العلمية