الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1214 [ ص: 287 ] ( 18 ) باب ما جاء في طلاق العبد

1170 - مالك ، عن أبي الزناد ، عن سليمان بن يسار ; أن نفيعا ، مكاتبا كان لأم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدا لها ، كانت تحته امرأة حرة ، فطلقها اثنتين ثم أراد أن يراجعها ، فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان ، فيسأله عن ذلك . فلقيه عند الدرج آخذا بيد زيد بن ثابت . فسألهما . فابتدراه جميعا فقالا : حرمت عليك . حرمت عليك .

1171 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ; أن نفيعا ، مكاتبا كان لأم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، طلق امرأة حرة تطليقتين . فاستفتى عثمان بن عفان فقال : حرمت عليك .

1172 - مالك ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ; أن نفيعا ، مكاتبا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استفتى زيد [ ص: 288 ] بن ثابت . فقال : إني طلقت امرأة حرة تطليقتين . فقال زيد بن ثابت حرمت عليك .


26417 - قال أبو عمر : في هذا الخبر أن المكاتب عبد في أحكامه كلها ، وأن عثمان ، وزيدا كانا يريانه كذلك ، وسيأتي اختلاف الصحابة وغيرهم في المكاتب في موضعه إن شاء الله تعالى .

26418 - وفيه : أن الحرام ثلاث عندهم ; لأنه إذا كان الثلاث عندهم في الحر ، واثنتان في العبد تحرم امرأته عليه ، فكذلك قول الرجل لامرأته : أنت علي حرام .

26419 - ألا ترى إلى قول عثمان ، وزيد : حرمت عليك ، فلهذا قال مالك - والله أعلم - : إن الحرام ثلاث مع اتباعه في ذلك علي بن أبي طالب - رضوان الله عليه - أيضا .

26420 - وأما تحريم المرأة الحرة على زوجها المطلق لها إذا كان عبدا تطليقتين ، فإن هذا مذهب من يقول : إن الطلاق بالرجال ، ويراعي الحرية في ذلك والعبودية ، فيجعل طلاق العبد على نصف طلاق الحر - قياسا على حده ، فلما لم ينتصف الطلاق كان طلاقه تطليقتين ، كما أن عدة الأمة حيضتان إذ لا ينتصف الحيض .

[ ص: 289 ] 26421 - وأما من قال : الطلاق بالنساء ، فإنه يقول : لا تحرم الحرة على زوجها العبد حتى يطلقها ثلاثا ، وإن الأمة تحرم على زوجها الحر والعبد إذا طلقها طلقتين .

26422 - وأما أقاويلهم في هذا الباب :

26423 - فذهب مالك ، والليث ، والشافعي إلى أن الطلاق بالرجال .

26424 - وهو قول عثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس .

26425 - وبه قال قبيصة بن ذؤيب ، وعكرمة ، وسليمان بن يسار ، والشعبي ، ومكحول ، وسعيد بن المسيب ، كل هؤلاء يقول : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

26426 - وهذا أصح عن ابن عباس من رواية من روى عنه الطلاق والعدة بالنساء .

[ ص: 290 ] 26427 - وروى وكيع عن هشام ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

26428 - وقال الكوفيون ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن حي : الطلاق والعدة بالنساء .

26429 - وهو قول علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عباس في رواية .

26430 - وبه قال إبراهيم ، والحسن ، وابن سيرين ، ومجاهد ، وطائفة ، كلهم يقول : الطلاق ، والعدة بالنساء .

26431 - ولم تختلف هاتان الطائفتان أن العدة بالنساء ، وإنما حصل اختلافهم في الطلاق هل هو بالرجال أو بالنساء .

26432 - وفيها قول ثالث : أنها رق نقص طلاقه .

26433 - قاله عثمان البتي وغيره .

26434 - وروي ذلك عن ابن عباس .

[ ص: 291 ] 26435 - فعلى هذا طلاق العبد للحرة والأمة تطليقتان ، وتبين الأمة من الحر والعبد بتطليقتين .

26436 - وقد روي عن ابن عمر خلاف ذلك .

26437 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : إذا كانت الحرة تحت العبد ، بانت بطلقتين بتطليقتين ، وعدتها ثلاث حيض ، وإذا كانت الأمة تحت الحر بانت منه بثلاث ، وعدتها حيضتان .

26438 - فهذا نص عن ابن عمر في أن الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

26439 - وبه قال أحمد بن حنبل أيضا .

26440 - قال أحمد : إذا طلق العبد امرأته تطليقتين حرمت عليه ، ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، سواء كانت حرة أو أمة ; لأن الطلاق بالرجال ، والعدة بالنساء .

26441 - وقول إسحاق في ذلك كقول أحمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية