الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1219 [ ص: 302 ] ( 20 ) باب عدة التي تفقد زوجها

1175 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ; أن عمر بن الخطاب قال : أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو ؟ فإنها تنتظر [ ص: 303 ] أربع سنين . ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا . ثم تحل .

26497 - قال مالك : وإن تزوجت بعد انقضاء عدتها ، فدخل بها زوجها أو لم يدخل بها ، فلا سبيل لزوجها الأول إليها .

26498 - قال مالك : وذلك الأمر عندنا ، وإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج فهو أحق بها .

26499 - قال مالك : وأدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب ، أنه قال : يخير زوجها الأول إذا جاء ، في صداقها أو في امرأته .


26500 - قال أبو عمر : روي عن عمر ، وعثمان في المفقود أن زوجته تتربص أربع سنين بعد شكواها إلى السلطان ، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تنكح إن شاءت .

26501 - وإلى قول عمر ، وعثمان ذهب مالك في ذلك .

26502 - والمفقود عنده ، وعند أصحابه على وجوه سنذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى .

26503 - وقال الليث نحو قول مالك في ضرب الأجل لامرأة المفقود .

[ ص: 304 ] 26504 - وخالفه فيما نذكره عنه إن شاء الله تعالى .

26505 - وروي عن علي مثل قول عمر وعثمان في ذلك ; إلا أن الأشهر والأكثر عن علي خلافه ، وذلك أن زوجة المفقود لا تنكح عنده حتى تستيقن موته .

26506 - وعلى قول علي في أن امرأة المفقود لا يضرب لها أجل أربع سنين ، ولا أقل ، ولا أكثر ، وأنها لا تنكح حتى يصح موته ، وتستحق ميراثه ، ذهب إلى هذا الشافعي ، وأبو حنيفة ، وجماعة من العلماء .

26507 - وروى خلاس ، عن علي ، قال : تتربص امرأة المفقود أربع سنين ثم يطلقها ولي زوجها ، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا .

26508 - وأحاديث خلاس عن علي منقطعة ضعاف ، وأكثرها منكرة .

26509 - وأصح ما فيه عن علي ما رواه منصور عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله عن علي ، قال في امرأة المفقود : هي امرأته - يعني أبدا - حتى [ ص: 305 ] يصح موته .

26510 - ورواه الحكم ، عن علي من وجوه سنذكرها بعد - إن شاء الله عز وجل .

26511 - وأما قول مالك ، أدركت الناس ينكرون الذي قال بعض الناس على عمر بن الخطاب أنه قال : يخير زوجها الأول إذا جاء : في صداقها ، أو في المرأة فهو عن عمر منقول بنقل العدول من رواية أهل الحجاز وأهل العراق .

26512 - ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن ابن المسيب أن عمر وعثمان قضيا في المفقود : أن امرأته تتربص أربع سنين ، وأربعة أشهر وعشرا بعد ذلك ، ثم تزوج ، فإن جاء زوجها الأول خير بين الصداق ، وبين امرأته .

26513 - قال الزهري : يعزمه الزوج .

26514 - وقال معمر : وأما نحن فنقول : تعزمه المرأة .

26515 - وهذا أحب القولين إلينا .

26516 - وذكر أبو بكر ، قال : حدثني عبد الوهاب الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبي نضرة ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : شهدت عمر خير مفقودا تزوجت امرأته بينها وبين المهر الذي ساقه إليها .

26517 - وقال : حدثني عبد الأعلى ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب [ ص: 306 ] أن عمر وعثمان ، قالا : إن جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق الأول . 26518 - وقال : حدثني عبد الأعلى ، عن داود ، عن العباس بن عبد الرحمن ، عن حميد بن عبد الرحمن ، أن عمر خير المفقود ، وقد تزوجت امرأته ، فاختار المال ، فجعله على زوجها الأحدث .

قال حميد : فدخلت على المرأة التي قضى فيها ، فقالت : أعنت زوجي الأحدث بوليدة .

26519 - قال : وحدثني ابن نمير ، قال : حدثني سعيد ، عن قتادة ، عن أبي مليح ، عن سهيمة بنت عمير الشيبانية ، قال : نعي إلي زوجي من قندابيل فتزوجت بعدها العباس بن طريف أخا بني قيس ، فقدم زوجي الأول ، فانطلقنا إلى عثمان وهو محصور ، فقال : كيف أقضي بينكم ، وأنا على هذه الحال ؟ قلنا : قد رضينا بقضائك ، فخير الزوج بين الصداق وبين المرأة ، فلما أصيب عثمان انطلقنا إلى علي ، وقصصنا عليه القصة ، فخير الزوج الأول بين الصداق وبين المرأة ، فاختار الصداق ، فأخذ مني ألفين ، ومن الزوج الآخر ألفين .

26520 - قال أبو عمر : هذا لا يروى عن علي إلا من هذا الوجه ، [ ص: 307 ] والمعروف عنه خلافه على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

26521 - وقد روي هذا الخبر عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن أيوب ، قال : كتب الوليد إلى الحجاج أن سل من قبلك عن المفقود إذا جاء ، وقد تزوجت امرأته فسأل الحجاج أبا مليح بن أسامة ؟ فقال أبو المليح : حدثتني سهيمة بنت عمير الشيبانية أنها فقدت زوجها في غزاة غزاها ، فلم تدر أهلك أم لا ؟ فتربصت أربع سنين ، ثم تزوجت ، فجاء زوجها الأول ، وقد تزوجت .

قالت : فركب زوجاي إلى عثمان ، فوجداه محصورا ، فسألاه وذكرا له أمرهما ، فقال عثمان : أعلى هذه الحال ؟ ، قالا : إنه أمر قد وقع ، ولابد فيه من القول ، فقال عثمان : يخير الأول بين امرأته وبين صداقها .

قال : فلم يلبث أن قتل عثمان ، فركبا بعده حتى أتيا عليا بالكوفة ، فسألاه فقال : أعلى هذه الحال ؟ فقالا : قد كان ما ترى ، ولابد من القول فيه ، قالت : وأخبراه بقضاء عثمان ، إلا ما قال عثمان ، فاختار الأول الصداق ، قالت : فأعنت زوجي الآخر بألفين ، وكان الصداق أربعة آلاف ، وذكر تمام الخبر .

26522 - قال أبو عمر : يمكن أن يكون علي - رضي الله عنه - أمضى قضاء من قبله إن كانت مسألة اجتهاد ، وأما رواية المعروف فعلى غير ذلك .

26523 - وروي من حديث ابن أبي ليلى ، عن عمر ، ومن حديث أبي عمر الشيباني ، عن شعبة ، عن عمر في امرأة المفقود أنها تعتد أربع سنين .

[ ص: 308 ] 26524 - وهذا ليس بشيء ، والصواب ما رواه سعيد بن المسيب أن عمر أمرها أن تتربص أربع سنين ، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا .

26525 - وروى عبيد بن عمير في امرأة المفقود أنه أمرها أن تتربص أربع سنين ، ثم فعلت ، فأمرها أن تعتد ثلاثة قروء ، ففعلت ، ثم أمرها أن تعتد أربعة أشهر وعشرا .

26526 - وروي عنه من وجوه أنه أمر ولي زوجها المفقود ، فطلقها .

26527 - وهذا اضطراب في ذلك عن عمر ، ورواية سعيد أشبه - إن شاء الله تعالى .

26528 - ذكر عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن الحكم ، عن علي ، قال : تتربص امرأة المفقود حتى تعلم ، أحي هو أم ميت ؟ .

26529 - وأخبرنا معمر ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم أن عليا قال : هي امرأة ابتليت ، فلتصبر حتى يأتيها موت أو طلاق .

26530 - قال : وأخبرنا ابن جريج ، قال : بلغني أن ابن مسعود وافق عليا ، أنه تنتظره أبدا .

[ ص: 309 ] 26531 - وذكر أبو بكر ، عن ابن عياش ، عن الحكم ، عن علي ، قال : إذا فقدت زوجها لم تزوج حتى يقتل ; أن يموت .

26532 - ويشهد بصحة مرسل الحكم ، حديث المنصور ، عن المنهال بن عمرو ، عن عباد بن عبد الله ، عن علي في امرأة المفقود ، قال : هي امرأته ، يعني - حتى يصح موته .

26533 - وبهذا قال أبو قلابة ، وإبراهيم ، والشعبي ، وجابر بن زيد ، وابن سيرين ، والحكم ، وحماد .

26534 - وأما اختلاف الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار في المفقود :

26535 - فقال مالك في موطئه ما ذكرناه .

26536 - وروى ابن القاسم ، عن مالك ، قال : تنتظره امرأته أربع سنين ، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرا ، ثم تحل ، فإن أدركها زوجها قبل أن تتزوج ، فهو أحق بها .

26537 - قال : ويضرب الأجل أربع سنين من حين يرفع إلى الحاكم ، لا من يوم فقد ، فإن رجع قبل أن تتزوج فهو أحق بها ، وللمرأة - إن لم يرجع - المهر كاملا .

[ ص: 310 ] 26538 - وقال مالك في الأسير يعرف خبره ثم انقطع ، فلم يعرف له موت ولا حياة لا يفرق بينه وبين امرأته .

26539 - قال : والعبد إذا غاب أجله سنتان ، ومال المفقود لا يحرك إلا أن يأتي عليه من الزمان ما يعلم أنه ليس بحي ، والمفقود إذا رجع بعد عقد الثاني ، فلا سبيل للأول إليها ، ثم سمعه ابن القاسم يقول : الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني .

26540 - وقال في المدونة : كان مالك يقول : إذا عقد الثاني ولم يدخل ، فلا سبيل للأول إليها ، ثم وقف قبل موته بعام ، فسمعته يقول : الأول أحق بها ما لم يدخل الثاني .

26541 - وبه قال ابن القاسم ، وأشهب .

26542 - وقال المغيرة ، وابن كنانة ، وابن دينار بقوله الأول .

26543 - قال أبو عمر : قوله الأول في الموطإ : فأرى عليه إلا أن مات .

26544 - وقال الليث : إذا قدم المفقود بعد الأجل قبل أن يتزوج ، فليس للإمام عليه طلاق ، وإن تزوجت بعد الأجل ، ثم جاء زوجها ، فاختار امرأته ، فليس عليه طلاق .

26545 - قال الشافعي في امرأة الغائب : أفي غيبة كانت ؟ لا تعتد ، ولا [ ص: 311 ] تنكح أبدا حتى يأتيها بيقين وفاته .

26546 - قال : ولو اعتدت - بأمر حاكم - بعد الأربع سنين أربعة أشهر وعشرا ، أو نكحت ودخل بها الزوج كان حكم الزوجية بينها وبين زوجها بحاله .

26547 - قال : إنه ممنوع من فرجها بوطء شبهة ، ولا نفقة لها من حيث نكحها ، ولا في عدتها من الوطء الفاسد أنها مخرجة نفسها من يده .

26548 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا تتزوج امرأة حتى تثبت وفاته .

26549 - قال : المفقود يخرج في وجه فيفقد ، فلا يعرف موضعه ولا يستبين أمره ، أو يأسره العدو فلا يستبين موته .

26550 - وهو قول الثوري ، وقول صالح ، والحسن بن حي .

26551 - وقال عثمان البتي في المفقود تتزوج امرأته ، فيجيء ، وهي متزوجة أنه أحق بها ، ويرد على الزوج الأخير بهذه ، أنه إنما تزوج امرأة لها زوج .

26552 - قال أبو عمر : اتفق الثوري ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم ، والحسن بن صالح أن امرأة المفقود لا تنكح أبدا حتى تعلم وفاته أو طلاقه .

26553 - وقد كان الشافعي يقول فيها ببغداد بقول مالك على ما روي عن عمر ، ثم رجع عن ذلك إلى قول علي - رضي الله عنهما .

26554 - والمفقود عند مالك على أربعة أوجه :

26555 - مفقود بين الصفين في أرض العدو ، ويعمر من السبعين إلى [ ص: 312 ] الثمانين .

26556 - والأسير الذي تعرف حياته وقتا ، ثم ينقطع خبره ، فلا يعرف له موت ولا حياة ، لا يفرق بينه وبين امرأته ، ويعمر أيضا .

26557 - ومفقود يخرج في وجهه لتجارة أو غيرها ، فلا يعرف موضعه ، ولا تعلم حياته ولا موته ، فذلك تتربص زوجته أربع سنين ، ثم تعتد .

26558 - ومفقود في معركة الفتنة ينعى إلى زوجته يجتهد فيه الإمام .

26559 - ولأصحاب مالك اختلاف كثير في الذي يظهر في صف القتال ثم يفقد ، قد ذكرته في كتاب أقوال اختلاف مالك وأصحابه .

26560 - وروى أشهب ، وابن نافع ، عن مالك في الذي يرى في صف القتال ، ثم لا يعلم أقتل أم ما فعل الله به ؟ ولا يسمع له خبر .

26561 - قال مالك : يضرب له أجل سنة من يوم ينظر فيه السلطان ، ثم تعتد امرأته ، وسواء كان ذلك في أرض الإسلام ، أو في أرض الحرب .

26562 - وروى عيسى ، عن ابن القاسم ، عن مالك : إذا فقد في فتن المسلمين ، ورئي في المعترك أو لم ير ، أنه ينتظر يسيرا قدر ما يرجع الخارج والمنهزم ، ثم تعتد امرأته ويقسم ماله . ذكره العتبي .

26563 - قال : وقال سحنون : أراه بمنزلة المفقود في جميع أحواله .

التالي السابق


الخدمات العلمية