الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1226 1180 - مالك ; أنه بلغه عن القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وسليمان بن يسار ، وابن شهاب ، أنهم كانوا يقولون : إذا دخلت المطلقة في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد بانت من [ ص: 32 ] زوجها ، ولا ميراث بينهما ، ولا رجعة له عليها .

1181 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أنه كان يقول : إذا طلق الرجل امرأته ، فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه وبرئ منها .

قال مالك : وهو الأمر عندنا .

1182 - مالك ، عن الفضيل بن أبي عبد الله ، مولى المهري ; أن القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله ، كانا يقولان : إذا طلقت المرأة فدخلت في الدم ، من الحيضة الثالثة ، فقد بانت منه وحلت .


26688 - قال أبو عمر : يعني للأزواج .

26689 - وهذا كله قول من قال : الأقراء : الأطهار ; لأنه إذا طلقها في طهر لم يمسها فيه ، فهي تعتد به قرءا ، سواء طلقها في أوله ، أو في آخره ; لأن خروجها من ذلك الطهر ، ودخولها في دم الحيض بعده قرء ، ثم إذا طهرت منه ، ودخلت في الحيضة الثانية كان قرءا ثابتا ، فإذا طهرت من الحيضة الثانية ، وانقضى طهرها ، ودخلت في الحيضة الثالثة ، فقد كمل لها ثلاثة قروء ، وانقضت عدتها ، وبانت من زوجها ، وحلت للأزواج .

26690 - وهذا كله قول مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، وأبي ثور ، وداود .

[ ص: 33 ] 26691 - وتقدمهم إلى القول ، من الصحابة : ابن عمر ، وزيد بن ثابت وعائشة .

26692 - إلا أنه قد روي عن ابن عمر ، وزيد أنهما قالا : عدة الأمة حيضتان ، وعدة الحرة ثلاث حيض .

26693 - وزعم العراقيون أن قولهما مخالف لما روي عنهما ، وليس عند أهل المدينة كذلك .

26694 - ومن التابعين : القاسم ، وسالم ، وسليمان بن يسار ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، وأبان بن عثمان ، وابن شهاب ، وكلهم يقول : إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد انقضت عدتها ، وحلت للأزواج .

26695 - ولا أعلم أحدا ممن قال : الأقراء الأطهار ، يقول غير هذا إلا ابن شهاب الزهري ، فإنه قال : تلغي الطهر الذي طلقت فيه ، ثم تعتد بعده بثلاثة أطهار ; لأن الله تعالى يقول : 4 ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ]

26696 - واختلف في الآخر قول أحمد بن حنبل ، فقال مرة : والأقراء الحيض ، وقال : الأطهار ، وقال الأسانيد عمن روي عنه أن الأقراء الأطهار أصح .

26697 - وروي عنه أيضا أنه رجع إلى قول عمر وعلي ، في أنها الحيض .

26698 - وروي عنه أنه وقف فيها .

26699 - وحكى الأثرم عنه أنه قال : الأكابر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقولون : الأقراء : الحيض .

[ ص: 34 ] 26700 - وقال أبو حنيفة ، والثوري ، وأصحابه ، والأوزاعي ، والحسن بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو عبيد : الأقراء : الحيض .

26701 - وهو قول عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبي موسى الأشعري .

26702 - وروى وكيع بن الجراح ، قال : حدثني عيسى بن أبي عيسى ، عن الشعبي ، قال أحد عشر ، أو اثنا عشر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهم : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، قالوا : إذا طلق الرجل امرأة تطليقة أو تطليقتين ، فله عليها الرجعة ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

26703 - وروى هذا الخبر خالد بن إسماعيل ، عن عيسى بن أبي عيسى ، عن الشعبي ، فقال فيه : أحد عشر وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، ومعاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعبادة بن الصامت ، وأبو الدرداء ، وأبو موسى ، وأنس بن مالك .

26704 - قال أبو عمر : روى مثل ذلك من التابعين غير سعيد بن المسيب : مكحول ، وربيعة ، وعطاء ، وطاوس ، والشعبي ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم ، وجمع .

[ ص: 35 ] 26705 - وقال الأوزاعي ، وجماعة من أهل العلم على أن الأقراء : الحيض .

26706 - واختلف هؤلاء - مع إجماعهم على أن الأقراء الحيض - في وقت انقضاء عدة المعتدة بالحيض :

26707 - فقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا تنقضي العدة إذا كان أيامها دون العشر حتى تغتسل من الحيضة الثالثة ، أو يذهب وقت صلاة .

26708 - وهذا قول الحسن البصري ، وحميد الطويل .

26709 - وبه قال الحسن بن حي ، إلا أنه قال : النصرانية واليهودية في ذلك مثل المسلمة .

26710 - قال الطحاوي : وهذا لم يقله أحد ممن جعل الأقراء : الحيض ، غير الحسن بن حي .

26711 - وقال الثوري ، وزفر : هو أحق بها ، وإن انقطع الدم ، ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة .

26712 - وهو قول عمر ، وعلي ، وعبد الله .

26713 - وبه قال إسحاق ، وأبو عبيد .

26714 - وروي ذلك عن أبي بكر الصديق ، وعثمان بن عفان . وليس [ ص: 36 ] بالقوي عنهما .

26715 - وروي مثل ذلك عن أبي موسى ، وعبادة ، وأبي الدرداء ، ومعاذ بن جبل .

26716 - وهو الأشهر عن ابن عباس .

16713 - وقال ابن شبرمة : إذا انقطع الدم من الحيضة الثالثة ، فقد بانت ، وبطلت الرجعة ، ولم يعتبر الغسل .

26718 - وهو قول طاوس ، وسعيد بن جبير ، والأوزاعي .

26719 - وروي عن شريك قول شاذ : أنها لو فرطت في الغسل عشر سنين ، لكان زوجها أحق برجعتها ما لم تغتسل .

26720 - وروي عن إسحاق بن راهويه أنه قال : إذا طعنت المطلقة في الحيضة الثالثة ، بانت ، وانقطعت الرجعة للزوج ، إلا أنه لا يحل لها أن تتزوج حتى تغتسل من حيضتها .

26721 - وروي نحوه عن ابن عباس .

26722 - وهو قول ضعيف بدليل قول الله - عز وجل - : فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن [ ص: 37 ] [ البقرة : 234 ] ، وبلوغ الأجل هنا انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ، فإذا انقضت عدتها حلت للأزواج ، ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك .

26723 - والحديث عن ابن عباس بذلك حدثناه عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد بن شاذان ، قال : حدثني معلى ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن محمد : أن ثور بن زيد الديلي أخبره عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إذا حاضت المطلقة الحيضة الثالثة ، فقد بانت من زوجها ، إلا أنها لا تتزوج حتى تطهر .

26724 - وهذا - لو صح - احتمل أن يكون منه على وجه الاستحسان .

26725 - وزعم الكوفيون أن ابن عمر ، وزيد بن ثابت قالا : الأقراء الحيض ; لأنهما روي عنهما : عدة الحرة ثلاث حيض ، وعدة الأمة حيضتان ، وعدة أم الولد من وفاة سيدها حيضة .

26726 - وروي ذلك من حديث مالك ، وغيره عن نافع ، عن ابن عمر .

26727 - ومن حديث ابن شهاب ، عن قبيصة بن ذؤيب ، عن زيد بن ثابت ، قال : عدة الأمة حيضتان ، وعدة الحرة ثلاث حيض .

26728 - وهذا ليس بشيء ; لأن مذهبهما الذي قدمنا صحيح معروف عنهما أن المطلقة إذا طعنت في الدم من الحيضة الثالثة ، فقد برئت منه ، وبرئ منها ، ولا ترثه ولا يرثها .

[ ص: 38 ] 26729 - وقولهما هذا في عدة الأمة ، والحرة تقريب على السائل في العبارة ; لأن الطهر لا يعرف بتقدم الحيض قبله ، والله أعلم .

26730 - واحتجوا في أن الأقراء الحيض ; لأن المخالف لهم يقول : عدة أم الولد حيضة ، لا بد أن تأتي بها .

26731 - واحتجوا أن الله تعالى يقول : ثلاثة قروء ، فلا بد أن تكون كاملة ، والمطلقة في طهر ، قد مضى لم تأت بثلاثة قروء إذا انقضت عدتها بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة .

26732 - واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - للمستحاضة " دعي الصلاة أيام أقرائك " .

26733 وقوله عليه السلام - لفاطمة " وصلي ما بين القرء إلى القرء " ، وبأشياء يطول ذكرها .

26734 - وأما قولهم في أم الولد بأنها لا تنكح عندنا حتى تطهر من حيضتها ، وأن ذلك دليل على أن القرء الحيضة .

26735 - فقد أجاز إسماعيل ، وغيره من أصحابنا لأم الولد أن تتزوج إذا دخلت في الحيضة ; لأن ظهور الدم براءة للرحم في الأغلب .

26736 - وأما قولهم : إن الله تعالى قال : ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] ومن طلق فقد مضى من الطهر بعضه ، فلم يكمل لها ثلاثة قروء بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ، بل هي قرآن ، وبعض الثالث .

[ ص: 39 ] 26737 - فالجواب أن المبتغى من الأقراء براءة الرحم ، وهو خروج المرأة من الطهر إلى الدم ، فذلك الوقت هو المبتغى ، وهو المراعى ، وقد حصل منه ثلاثة أوقات كاملة لدخولها من الدم في الحيضة الثالثة .

26738 - وأما احتجاجهم بقوله - عليه السلام - للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " .

فإنه أراد القرء الذي هو الحيض ، وتترك له الصلاة ، ولم يرد القرء الذي تعتد به المطلقة وهو الطهر ; بدليل حديث ابن عمر المتكرر .

26739 - وقد أوضحنا أن الحيض يسمى قرءا ، كما أن الطهر يسمى قرءا ، إلا أن القرء الذي هو الدم ليس هو المراد من قول الله تعالى : ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] بل المراد من ذلك الأطهار ، والله أعلم ; بدليل الإجماع على أن الطلاق للعدة أن يطلقها طاهرا من غير جماع ، ولا حيض ، فتبتدئ عدتها من ساعة طلاقه لها .

26740 - وهو معنى قوله تعالى ( فطلقوهن لقبل عدتهن ) أي لاستقبال عدتهن .

26741 - وأجمعوا في كل امرأة علمت بطلاق زوجها لها في حين طلقها أن السنة أن تبتدئ عدتها من ساعة وقوع طلاقها .

26742 - وذلك دليل على أن الأقراء الأطهار ; لأن السنة المجتمع عليها أن يطلقها في طهر لم يمس فيه لتعتد من ساعتها .

[ ص: 40 ] 26743 - ومن قال : إن الأقراء : الحيض ، يقول : إنها لا تعتد بالحيضة التي طلقت فيها ، ولا تعتد إلا بحيضة تستأنفها بعد طهرها من تلك الحيضة ، فيلزمهم أن يقولوا : إنها قبل الحيضة الثانية في غير عدة .

26744 - وحسبك بهذا خلافا من القول ، وخلافا لظاهر قول الله - عز وجل - : فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] ، ولقول النبي - عليه السلام - : " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " .

26745 - هذا كله معنى قول الشافعي .

26746 - وهو مذهب مالك ، وأصحابه .

26747 - وللكوفيين حجج ، ومعارضات ذكروها في كتبهم منها :

26748 - قال الله - عز وجل - : واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر [ الطلاق : 4 ] فجعل الأشهر لمن يئس من المحيض ، فدل على أنه هو العدة حتى يئسن منه ، فتعتد بالشهور .

26749 - وقالوا : والطهر جائز أن تطلق فيه إلى آخره ، فلا يحصل لها قرآن ، والله تعالى يقول : ثلاثة قروء [ البقرة : 228 ] .

26750 - وإذا ذكر عدة الشهور والأيام لم يجز بعض ذلك العدد كقوله [ ص: 41 ] تعالى : أربعة أشهر وعشرا [ البقرة : 234 ] ، وصيام الثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجعتم ، وليس كذلك ، فالحج أشهر معلومات ; لأنه لم يذكر عددا ، أو بأشياء فيها تشعيب لم أر لذكرها وجها ، وبالله التوفيق .

26751 - وأما ما ذكره في هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية