الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1229 1185 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن رجل من الأنصار ; أن [ ص: 42 ] امرأته سألته الطلاق . فقال لها ، إذا حضت فآذنيني . فلما حاضت آذنته . فقال : إذا طهرت فآذنيني . فلما طهرت آذنته . فطلقها .

قال مالك : وهذا أحسن ما سمعت في ذلك .


26755 - قال أبو عمر : هذا هو الطلاق للعدة الذي يسميه العلماء طلاق السنة ، لم يختلفوا فيه إذا طلقها واحدة .

[ ص: 43 ] [ ص: 44 ] 26756 - قال مالك ، وأصحابه : طلاق السنة أن يطلقها في طهر - لم يمسها فيه - تطليقة واحدة .

26757 - وكذلك قال عبد العزيز بن أبي سلمة ، والليث بن سعد ، وابن حي ، والأوزاعي ، إلا أن بعضهم يقول : طلاق السنة .

[ ص: 45 ] 26758 - وبعضهم يقول : الطلاق للعدة .

26759 - وقول مالك ، ومن تابعه في ذلك إجماع من العلماء ; لأن من خالفهم في وجوه طلاق السنة جامعهم في ذلك .

26760 - وقال الشافعي : طلاق السنة الذي أمر الله به للعدة هو أن يطلقها طاهرا لم يمسها في ذلك الطهر ، ولا حائضا ، ولا نفساء ، وسواء طلقها واحدة ، أو اثنتين ، أو ثلاثا ، فإذا طلقها في طهر لم يمسها فيه ، فهو مطلق للسنة .

26761 - قال المزني عنه : من قال لامرأته : أنت طالق ثلاثا للسنة ، وهي طاهر من غير جماع طلقت ثلاثا معا للسنة .

26762 - قال مالك : وإن كانت مجامعة ، أو حائضا ، أو نفساء ، وقال لها : أنت طالق للسنة وقع الطلاق عليها حين تطهر من الحيض أو النفاس ، وحين تطهر من المجامعة من أول الحيض بعد قوله .

26763 - ومن حجة الشافعي أن الطلاق مباح ، وأن من له أن يوقع واحدة كان له أن يوقع ثلاثا .

[ ص: 46 ] 26764 - وقد مضى القول عليه ، وله في أول كتاب الطلاق من هذا الكتاب .

26765 - وقد احتج بعض أصحابنا بما رواه الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود ، قال : " الطلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع " ولم يقل : واحدة ، أو أكثر .

26766 - وهذا الحديث قد رواه شعبة عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، فقال فيه : أو يراجعها - إن شاء .

26767 - فدل على أن ذلك طلاق يملك فيه الرجعة .

26768 - وهذا يحتمل أن يكون أراد : ومن طلق دون الثلاث ، فله الرجعة .

26769 - والثوري عندهم أحفظ من شعبة ، وقد قال : الطلاق للسنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع .

26770 - ولم يشترط واحدة ، ولا أكثر جماعة من أهل العلم منهم : الحسن ، وابن سيرين ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، ومجاهد ، وإبراهيم .

[ ص: 47 ] 26771 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : أحسن الطلاق أن يطلقها إذا طهرت قبل الجماع طلقة واحدة ، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها .

26772 - وإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر ، واحدة قبل الجماع .

وهو قول الثوري .

26773 - قال أبو عمر : كلا هذين الوجهين عند أبي حنيفة ، وأصحابه ، والثوري طلاق سنة ، إلا أن الأول أحسن عندهم .

26774 - وقال أشهب في ذلك كقولهم ، قال : من طلق امرأته في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة ، ثم إذا حاضت ، وطهرت طلقها أخرى ، ثم إذا طهرت طلقها ثالثة ، فهو مطلق للسنة .

26775 - قال أبو عمر : ليس هو عند مالك ، وسائر أصحابه مطلقا للسنة ، وكيف يكون مطلقا للسنة ، والطلقة الثانية لا يعتد منها إلا بقرأين ، والطلقة الثالثة لا يعتد منها إلا بقرء واحد ؟ .

26776 - وهذا خلاف السنة في العدة .

26777 - ومن طلق للسنة كما قال مالك ، ومن تابعه شهد له الجميع ; لأنه طلق للسنة .

[ ص: 48 ] 26778 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه عن إبراهيم ، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم كانوا يستحبون ألا يزيدوا في الطلاق على واحدة حتى تنقضي العدة ، وأن هذا هو الأفضل عندهم من أن يطلقها ثلاثا عند كل طهر واحدة .

26779 - وكذلك قال الحسن بن حي : لأن يطلقها واحدة ، ويتركها أحب إلي من أن يطلقها ثلاثا في ثلاثة أطهار .

26780 - وقال أحمد بن حنبل : طلاق السنة أن يطلقها طاهرا من غير جماع واحدة ، ويدعها حتى تنقضي عدتها .

26781 - وهذا قول مالك .

26782 - قال : ولو طلقها ثلاثا في طهر لم يمسها فيه كان أيضا مطلقا للسنة . وإن كان تاركا للاختيار .

26783 - وهذا نحو قول الشافعي .

26784 - وبه قال أبو ثور ، وداود بن علي .

26785 - واتفق الشافعي ، وأحمد ، وأبو ثور ، وداود أنه ليس في عدد الطلاق سنة ، ولا بدعة .

[ ص: 49 ] 26786 - وإنما السنة في وقت الطلاق ، وموضعه فمن طلق امرأته في طهر لم يصبها فيه ما شاء من الطلاق ، فهو مطلق للسنة .

26787 - قال أبو عمر : روى الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود أنه قال : طلاق السنة أن يطلقها تطليقة ، وهي طاهر من غير جماع .

26788 - فإذا حاضت ، وطهرت طلقها أخرى ، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ، فإذا حاضت وطهرت طلقها أخرى ، ثم تعتد بعد ذلك بحيضة واحدة .

26789 - قال الأعمش : وهو قول إبراهيم .

26790 - روى هذا الحديث الأعمش عن علي .

26791 - وخالفه جماعة من أصحاب أبي إسحاق ، منهم : شعبة ، والثوري ، وزهير بن معاوية ، فرووه عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله تعالى : 4 فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق : 1 ] . أن يطلقها طاهرا من غير جماع ، ثم يدعها حتى تنقضي عدتها ، أو يراجعها إن شاء ، ولم يذكروا الطلاق عند كل طهر .

[ ص: 50 ] 26792 - وهؤلاء مقدمون في حفظ حديث أبي إسحاق عن الأعمش ، وغيره عند أهل العلم بالحديث ، وليست عندهم رواية الأعمش عن المتأخرين كروايته عن المتقدمين .

26793 - وقد روي عن علي - رضي الله عنه - في طلاق السنة ما هو الاختيار عند جماعة الأمة ، قال : ما طلق أحد طلاق السنة فندم .

26794 - قيل له : وما طلاق السنة ؟ ما هو ؟ .

26795 - قال : أن يطلقها طاهرا ، ولم يجامعها في قبل عدتها حين تطهر ، فإن بدا له أن يراجعها راجعها ، وإلا شاء خلى سبيلها حتى تنقضي عدتها ، أو يطلقها حاملا ، قد تبين حملها .

التالي السابق


الخدمات العلمية