الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1230 [ ص: 51 ] ( 22 ) باب ما جاء في عدة المرأة في بيتها إذا طلقت فيه

1186 - مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم بن محمد ، وسليمان بن يسار ; أنه سمعهما يذكران ، أن يحيى بن سعيد بن العاص [ ص: 52 ] طلق ابنة عبد الرحمن بن الحكم البتة . فانتقلها عبد الرحمن بن الحكم . فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم ، وهو يومئذ أمير المدينة . فقالت : اتق الله واردد المرأة إلى بيتها . فقال مروان - في حديث سليمان - : إن عبد الرحمن غلبني ، وقال مروان - في حديث القاسم - : أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس ؟ . فقالت عائشة : لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة ، فقال مروان : إن كان بك الشر فحسبك ما بين [ ص: 53 ] هذين من الشر .


26796 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في سكنى المبتوتة ، ونفقتها على ثلاثة أقوال : ( أحدها ) : أن لها السكنى ، والنفقة ، وهو قول الكوفيين .

( والآخر ) : أن لها السكنى ، ولا نفقة لها ، وهو قول مالك ، والشافعي ، وأكثر أهل الحجاز .

( والثالث ) : أنها لا سكنى لها ، ولا نفقة ، هو قول أحمد ، وطائفة .

26797 - فمن هنا أبى مروان أن يرد المرأة إلى بيتها ، واحتج بحديث فاطمة بنت قيس ، وسيأتي حديث فاطمة بنت قيس بما فيه من المعاني بعد هذا - إن شاء [ ص: 54 ] الله تعالى .

26798 - واتفق مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد : أن المبتوتة لا تنتقل عن دارها ، ولا تبيت إلا في بيتها كل ليلة .

26799 - وروي عن علي ، وابن عباس ، وجابر : أن المبتوتة لا سكنى لها ، ولا نفقة .

26800 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود .

26801 - وسنذكر أقوال الصحابة ، والآثار المرفوعة في هذه المسألة في الباب بعد هذا عند ذكر حديث فاطمة بنت قيس - إن شاء الله تعالى .

26802 - وأما قول مروان لعائشة : إن كان بك الشر ، فحسبك ما بين هذين من الشر ، فمعناه أن عائشة كانت تقول ، وتذهب إلى أن فاطمة بنت قيس لم يبح لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخروج من بيتها الذي طلقت فيه إلا لما كانت طلقت فيه من البذاء بلسانها على قرابة زوجها الساكنين معها في دار وحدة ; ولأنها كانت معهم في شر لا يطاق .

26803 - وكانت عائشة تتأول في قول الله - عز وجل - : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ الطلاق : 1 ] . أن الفاحشة هنا [ ص: 55 ] أن تبذو على أهل الزوج ، فقال لها مروان : إن كان بك الشر أي كنت تذهبين إلى أن الشر النازل بين فاطمة وأحمائها هو كان السبب إلى أن تخرج بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دارها ، فحسبك ما بين ابنة عبد الرحمن ، وزوجها من الشر إذا طلقها ، وبينها وبين بعض أحمائها أيضا ، فنقول : فيجوز لها ما جاز لفاطمة بنت قيس من الانتقال من أجل الشر الذي نزل بينهما .

26804 - ذكر سنيد ، قال : حدثني أبو معاوية ، عن عمرو بن ميمون ، عن أبيه ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : أين تعتد المطلقة ؟ قال : في بيتها ، قلت : أليس قد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ؟ فقال سعيد : تلك المرأة فتنت الناس ، استطالت على أحمائها بلسانها ، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم ، وكان مكفوف البصر .

26805 - قال وحدثني هشيم ، قال : أخبرنا يحيى بن سعيد ، عن سليمان بن يسار : أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق امرأته ، وهي بنت عبد الرحمن بن الحكم بن أبي العاص ، فانتقلها أبوها في عدتها ، فأرسلت عائشة إلى مروان : اتق الله ، واردد المرأة إلى بيت زوجها ، تعتد فيه .

فقال مروان : إن أباها غلبني على ذلك .

[ ص: 56 ] قال يحيى : فحدثني القاسم بن محمد : أن مروان بن الحكم حين بعثت إليه عائشة أرسل إليها : أما بلغك حديث فاطمة بنت قيس ؟ فقالت عائشة : دع عنك حديث فاطمة بنت قيس فقال مروان : أبك الشر ، فحسبك ما بين هذين من الشر .

26806 - قال مالك : لا تنتقل المطلقة المبتوتة ، ولا الرجعية ، ولا المتوفى عنها زوجها ، ويخرجن بالنهار ، ولا يبتن إلا في بيوتهن .

26807 - وهو قول الليث .

26808 - وقال أبو حنيفة : لا تنتقل المبتوتة ، ولا المتوفى عنها عن بيتها الذي كانت تسكنه ، وتخرج المتوفى عنها بالنهار ولا تبيت ، ولا تخرج المطلقة ليلا ولا نهارا .

26809 - وقال الشافعي : للمطلقة السكنى في منزل زوجها حيث كانت معه حتى تنقضي عدتها ، وسواء أكان يملك الرجعة أو لا يملكها ، وإن كان المسكن بكراء ، فهو على زوجها المطلق لها .

26810 - حدثني خلف بن قاسم ، وعبد الله بن محمد بن أسد ، قالا : [ ص: 57 ] حدثنا عبد الله بن جعفر ، وعبد الله بن الورد ، قالا : حدثنا هارون بن كامل ، قال : حدثني أبو صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر ، عن ابن شهاب ، عن سالم بن عبد الله : أن عمر بن الخطاب كان يقول لا يحل لامرأة مطلقة أن تبيت عن بيتها ليلة واحدة ما كانت في عدتها .

26811 - وحدثني أحمد بن عبد الله ، عن أبيه ، عن عبد الله بن يونس ، عن بقي ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني أبو عامر العقدي ، عن عبد الحكم بن أبي فروة ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز : ما بال رجال يقول أحدهم لامرأته : اذهبي إلى أهلك ، ويطلقها في أهلها فنهى عن ذلك أشد النهي .

26812 - ونهى عبد الحكم - يعني بذلك : العدة في بيت زوجها .

التالي السابق


الخدمات العلمية