الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1234 [ ص: 65 ] ( 23 ) باب ما جاء في نفقة المطلقة

1190 - مالك ، عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن فاطمة بنت قيس : أن أبا عمرو [ ص: 66 ] بن حفص طلقها البتة ، وهو غائب بالشام ، فأرسل إليها وكيله بشعير ، فسخطته . فقال : والله ما لك علينا من شيء . فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك فقال " ليس لك عليه نفقة " ، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك ، ثم قال " تلك امرأة يغشاها أصحابي " . اعتدي عند عبد الله بن أم مكتوم . فإنه رجل أعمى . تضعين ثيابك عنده ، فإذا حللت فآذنيني " قالت : فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان ، وأبا جهم بن هشام خطباني . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه . وأما معاوية فصعلوك لا مال له . انكحي أسامة بن زيد " قالت : فكرهته . ثم قال : " انكحي أسامة بن زيد " فنكحته . فجعل الله في ذلك خيرا ، واغتبطت به .

[ ص: 67 ] 1191 - مالك : أنه سمع ابن شهاب يقول : المبتوتة لا تخرج من بيتها حتى تحل ، وليست لها نفقة . إلا أن تكون حاملا ، فينفق عليها ، حتى تضع حملها .

قال مالك : وهذا الأمر عندنا .


26861 - قال أبو عمر : أما قول فاطمة في هذا الحديث أن زوجها طلقها البتة ، ففيه جواز طلاق البتة ; لأنه لم ينكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

26862 - ولم يختلف في هذا اللفظ عن مالك في هذا الحديث .

26863 - وكذلك رواه الليث ، عن الأعرج ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة .

26864 - وكذلك رواه محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة .

[ ص: 68 ] 26865 - وكذلك رواه مجالد ، عن الشعبي ، عن فاطمة .

26866 - وكذلك رواه الليث ، عن أبي الزبير ، عن عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص : أن جده طلق فاطمة البتة .

26867 - وقد روي أنه طلقها ثلاثا مجتمعات .

26868 - وروي عنه أن طلاقه ذلك كان آخر ثلاث تطليقات .

26869 - وقد ذكرنا الآثار بذلك كله في " التمهيد " وذكرنا هذه المسألة مجودة في أول كتاب الطلاق ، والحمد لله .

26870 - وفي هذا الحديث نص ثابت : أن المبتوتة ليس لها نفقة على زوجها الذي بت طلاقها ، وهذا إذا لم تكن حاملا فإن كانت المبتوتة حاملا ، فالنفقة [ ص: 69 ] لها بإجماع من العلماء ; لقول الله - عز وجل - في المطلقات المبتوتات : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن [ الطلاق : 6 ] .

26871 - وهذا لا شك في المبتوتات ; لأن اللواتي لأزواجهن عليهن الرجعة ، لا خلاف بين علماء الأمة في أن النفقة لهن ، وسائر المؤنة على أزواجهن ، حوامل كن ، أو غير حوامل ; لأنهن في حكم الزوجات في النفقة ، والسكنى والميراث ما كن في العدة .

26872 - وهذا بين واضح في أن قوله - عز وجل - : وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن [ الطلاق : 6 ] أنهن المبتوتات .

26873 - واختلف العلماء في النفقة للمبتوتة إذا لم تكن حاملا .

26874 - فأباها قوم ، وهم أهل الحجاز ، منهم : مالك . الشافعي .

26875 - وتابعهم على ذلك أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيد .

26876 - وحجتهم هذا الحديث قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة " ليس لك عليه نفقة " .

26877 - وهو حديث مروي من وجوه صحاح متواترة عن فاطمة .

26878 - وممن قال : إن المبتوتة لا نفقة لها إن لم تكن حاملا : عطاء بن أبي رباح ، وابن شهاب ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، والحسن البصري .

[ ص: 70 ] 26879 - وبه قال الليث بن سعد ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى .

26880 - حدثنا عبد الوارث بن أبي سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا مطلب بن شعيب ، قال : أخبرنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : حدثني عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف : أن فاطمة بنت قيس - وهي أخت الضحاك بن قيس - أخبرته أنها كانت تحت أبي عمرو بن حفص بن المغيرة ، فطلقها ثلاثا ، وأمر وكيله لها بنفقة ، رغبت عنها ، فقال وكيله : ما لك علينا من نفقة ، فجاءت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته عن ذلك ، فقال لها : صدق ، ونقلها إلى ابن أم مكتوم ، وذكر تمام الخبر .

26881 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه ، والثوري ، والحسن بن حي : لكل مطلقة السكنى ، والنفقة ما دامت في العدة حاملا كانت أو غير حامل ، مبتوتة أو رجعية .

26882 - وهو قول عثمان البتي ، وابن شبرمة .

26883 - وحجتهم في ذلك أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وعبد الله بن مسعود قالا في المطلقة ثلاثا : لها السكنى والنفقة ما كانت في العدة .

26884 - حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : [ ص: 71 ] حدثنا محمد بن شاذان ، قال : حدثنا المعلى ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر قال : المطلقة ثلاثا لها السكنى والنفقة ما دامت في العدة .

26885 - وذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس ، قالت : طلقني زوجي ثلاثا ، فجئت النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألته ، فقال : " لا نفقة لك ، ولا سكنى " .

26886 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم ، قال : حدثنا محمد بن شاذان ، قال : حدثني المعلى ، قال : حدثني يعقوب عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر بن الخطاب أنه كان يقول : لا يجوز في دين المسلمين قول امرأة ، وكان يجعل للمطلقة ثلاثا : السكنى ، والنفقة .

[ ص: 72 ] 26887 - وروى شعبة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، عن شريح في المطلقة ثلاثا ، قال : لها النفقة ، والسكنى .

26888 - وقالت طائفة : المطلقة المبتوتة إن لم تكن حاملا لا سكنى لها ، ولا نفقة ، منهم : الشعبي ، وميمون بن مهران ، وعكرمة ، ورواية عن الحسن .

26889 - وروي ذلك عن علي ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله .

26890 - وبه قال أحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود .

26891 - حدثنا عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد بن شاذان ، قال : حدثنا المعلى بن منصور ، قال : أخبرنا أبو عوانة ، عن مطرف ، عن عامر ، قال : سألت فاطمة بنت قيس عن المرأة يطلقها زوجها ثلاثا ، فقالت : [ ص: 73 ] طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيت النبي - عليه السلام - فلم يجعل لي سكنى ، ولا نفقة ، فقيل لعامر : إن عمر لم يصدقها ، فقال عامر : ألا تصدق امرأة فقيهة نزل بها هذا ؟

26892 - وروى مجاهد وغيره هذا الحديث عن الشعبي ، فزاد فيه : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها : " لا سكنى لك ، ولا نفقة ، إنما السكنى ، والنفقة لمن لزوجها عليها رجعة " .

26893 - وحدثني أحمد بن القاسم ، وعبد الوارث بن سفيان ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثني يزيد بن هارون ، قال : حدثني عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه ، قال : جلست إلى سعيد بن المسيب ، فسألته ، فقال : إنك لتسأل سؤال رجل قد تبحر في العلم قبل اليوم ، قال : قلت : إني بأرض أسأل بها ، قال : فكيف وجدت ما أفتيتك به مما يفتيك به غيري ممن سألت من العلماء ؟ قلت : وافقتهم إلا في فريضة واحدة ، قال : وما هي ؟ قلت سألتك عن المطلقة ثلاثا ، أتعتد في بيت زوجها أم تنتقل إلى أهلها ؟ فقلت : تعتد في بيت زوجها ، وقد كان من أمر فاطمة بنت قيس ما قد علمت ، فقال سعيد : تلك امرأة فتنت الناس ، وسأخبرك عن شأنها : إنها لما طلقت استطالت على أحمائها ، وآذتهم بلسانها ، فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تنتقل إلى ابن أم مكتوم ، قال : لئن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها بذلك ، إن لنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة مع أنها أحرم الناس عليه ، ليس له عليها رجعة ، ولا بينهما ميراث .

[ ص: 74 ] 26894 - قال أبو عمر : قد ذكرنا من الحجة لهذا القول ، وغيره في " التمهيد " ما فيه شفاء لمن طلب العلم لله - عز وجل - .

[ ص: 75 ] [ ص: 76 ] 26895 - وأما قوله : اعتدي في بيت أم شريك ، ثم قال : تلك امرأة يغشاها أصحابي : اعتدي في بيت ابن أم مكتوم .

[ ص: 77 ] 26896 - ففيه دليل على أن المرأة المتجالة العجوز الصالحة جائز أن يغشاها الرجال في بيتها ، ويتحدثون عندها ، وكذلك لها أن تغشاهم في بيوتهم ، ويرونها ، وتراهم فيما يحل ، ويجمل ، وينفع ، ولا يضر .

26897 - قال الله - عز وجل - : والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة [ النور : 60 ] .

26898 - والغشيان في كلام العرب : الإلمام والورود .

26899 - قال حسان بن ثابت :

يغشون حتى ما تهر كلابهم لا يسألون عن السواد المقبل

26900 - فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : تلك امرأة يغشاها أصحابي أن يلمون بها ، ويردون عليها ، ويجلسون عندها .

26901 - وفي رواية الشعبي في هذا الحديث في أم شريك : تلك امرأة يتحدث عندها .

26902 - وفي رواية أبي بكر بن أبي الجهم أن بيت أم شريك يغشى .

26903 - وفي حديث ابن الزبير أن بيت أم شريك يوطأ .

[ ص: 78 ] 26904 - وقد ذكرنا الأسانيد بهذه الألفاظ في " التمهيد " .

26905 - وفي ذلك دليل على أن القوم كانوا يتحدثون بالمعاني .

26906 - وفي رواية ابن عيينة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن فاطمة بنت قيس في هذا الحديث ، قالت : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستتر مني ، وأشار سفيان بن عيينة بيده على وجهه .

26907 - وفي حديث قيلة بنت مخرمة في قدومها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأومأ بيده خلفه ، وقال - ولم ينظر إلي : يا مسكينة عليك السكينة .

26908 - وفي حديث بريدة الأسلمي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي - رضي الله عنه - : لا تتبع النظرة النظرة ، فإن لك الأولى ، وليست لك الآخرة " .

26909 - وقال جرير : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجاءة ؟ فقال : " غض [ ص: 79 ] بصرك " .

26910 - وهذه الآثار ، وما كان مثلها في معناها يدلك على أن قوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت قيس عند ابن أم مكتوم ، تضعين ثيابك ، ولا يراك ، أراد به الإعلان بأن نظر الرجل إلى المرأة ، وتأمله لها ، وتكرار بصره في ذلك لا يجوز له ; لما فيه من داعية الفتنة .

26911 - وفي حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن فاطمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : انتقلي إلى بيت ابن أم مكتوم ، فإنه رجل قد ذهب بصره ، فإن وضعت شيئا من ثيابك لم ير شيئا .

26912 - وفي هذا الحديث دليل على جواز نظر المرأة إلى الرجل الأعمى ، وكونها معه ، وإن لم تكن ذات محرم منه في دار واحدة ، وبيت واحد ، وفي ذلك ما يرد حديث نبهان - مولى أم سلمة - عن أم سلمة ، قالت : كنت أنا وميمونة جالستين عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستأذن عليه ابن أم مكتوم الأعمى ، فقال : احتجبا منه ، فقلنا : يا رسول الله ، أليس بأعمى ، ولا يبصرنا ؟ قال فعمياوان [ ص: 80 ] أنتما ؟ .

26913 - ففي هذا الحديث نهيه عن نظرهما إلى ابن أم مكتوم ، وفي حديث فاطمة إباحة نظرها إليه .

26914 - ويشهد لحديث نبهان هذا ظاهر قول الله تعالى : وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [ النور : 31 ] كما قال : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [ النور : 30 ] .

26915 - ويشهد لذلك من طريق الغيرة أن نظرها إليه كنظره إليها .

26916 - وقد قال بعض الأعراب : لأن ينظر إلى وليتي عشرة رجال ، خير من أن تنظر هي إلى رجل واحد .

26917 - ومن قال بحديث فاطمة احتج بصحة إسناده ، وأنه لا مطعن لأحد من أهل العلم بالحديث فيه ، وقال : إن نبهان - مولى أم سلمة - ليس ممن يحتج [ ص: 81 ] بحديثه ، وزعم أنه لم يرو إلا حديثين منكرين .

( أحدهما ) : هذا .

( والآخر ) : عن أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المكاتب إذا كان عنده ما يؤدي به كتابته ، احتجبت منه سيدته .

26918 - ومن صحح حديث نبهان ، قال : إنه معروف ، وقد روى عنه ابن شهاب ، ولم يأت بمنكر .

26919 - وزعم أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحجاب لسن كسائر النساء .

[ ص: 82 ] 26920 - قال الله - عز وجل - : يانساء النبي لستن كأحد من النساء . . . . . . . الآية [ الأحزاب : 32 ] .

26921 - وقال : إن نساء النبي - عليه السلام - لا يكلمن إلا من وراء حجاب متجالات كن ، أو غير متجالات .

26922 - وقال : الستر ، والحجاب عليهن أشد منه على غيرهن ; لظاهر القرآن ، وحديث نبهان عن أم سلمة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

26923 - وأما قولها : إن أبا معاوية ، وأبا جهم بن هشام خطباني ، فقد وهم فيه يحيى بن يحيى صاحبنا ، وغلط غلطا سمحا ; لأنه ليس في الصحابة أحد يقال له : أبو جهم بن هشام ، ولا قاله أحد من رواة مالك لهذا الحديث ، ولا غير مالك . وإنما هو أبو جهم هكذا جاء ذكره في هذا الحديث عند جماعة رواته غير منسوب ، وهو أبو جهم بن حذيفة بن غانم العدوي القرشي ، وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة بما يكفي من ذلك من ذكره ، وأظن يحيى شبه [ ص: 83 ] عليه بأبي جهل بن هشام ، والله أعلم .

26924 - وفي ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإنكار على فاطمة ، وقولها : إن معاوية ، وأبا جهم خطباني ، ولا أنكر عليها ذلك ، بل خطبها مع ذلك لأسامة بن زيد دليل على صحة ما قدمنا ذكره في أول كتاب النكاح عن مالك ، وغيره من العلماء أن نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخطب الرجل على خطبة أخيه ليس على ظاهره ، وأن المعنى فيه الركون ، والميل والمقاربة ، فإذا كان ذلك ; لم يجز حينئذ أن يخطب أحد على خطبة أخيه ، وهذا في معنى نهيه - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع الرجل على بيع أخيه .

[ ص: 84 ] 26925 - وفي هذا الحديث دليل على أن من أخبر على أخيه لمن يستنصحه فيه عند الخطبة ; لما هو عليه من الخلق المذموم المعيب ، فليس بمغتاب .

[ ص: 85 ] 26926 - وأما قوله ذلك ليس بغيبة ، وأنه جائز حسن من النصيحة التي هي الدين .

26927 - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا استنصح أحدكم أخاه ، فلينصح له ، فإن الدين النصيحة لله - عز وجل - ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم " .

26928 - وفي هذا الباب سؤال الحاكم عن الشاهد عنده ، فواجب على المسئول أن يقول فيه الحق الذي يعلمه لينفذ القضاء فيه بما أمره الله - عز وجل - به من رد شهادته للفسق ، أو قبولها للعدالة .

26929 - وفي قوله : صعلوك ، لا مال له دليل على أن المال من واجبات النكاح ، وخصال الناكح ، وأن الفقر من عيوبه ، وأنه لو بين ، أو عرف ذلك منه ، ورضي به لجاز كسائر العيوب .

26930 - وأما قوله : لا يضع عصاه عن عاتقه ، ففيه دليل على أن المفرط في الوصف لا يلحقه الكذب ، والمبالغ في النعت بالصدق لا يدركه الذم .

26931 - ألا ترى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في أبي جهم : لا يضع عصاه عن [ ص: 86 ] عاتقه ، وهو قد ينام ، ويصلي ، ويأكل ، ويشرب ، ويشتغل بما يحتاج إليه من شغله في دنياه .

26932 - وإنما أراد المبالغة في أدب النساء باللسان واليد ، وربما يحسن الأدب بمثله ، كما يصنع الوالي في رعيته .

26933 - وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرجل أوصاه : لا ترفع عصاك عن أهلك ، وأخفهم في الله - عز وجل - .

26934 - وروي عنه - عليه السلام - أنه قال : علق سوطك حيث يراه أهلك .

[ ص: 87 ] 26935 - والعرب تكني بالعصاة عن أشياء كثيرة منها : الطاعة ، والألفة ، ومنها : الإخافة ، والشدة .

26936 - وقد أشبعنا هذا المعنى في " التمهيد " ، وأتينا بما قيل في معنى العصا ، أو وجوهها بالشواهد في الشعر ، وغيره هناك ، والحمد لله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية