الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
146 [ ص: 266 ] ( 30 ) باب ما جاء في السواك

120 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن السباق ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ، في جمعة من الجمع : " يا معشر المسلمين ! إن هذا يوم جعله الله عيدا فاغتسلوا . ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه . وعليكم بالسواك " .

[ ص: 267 ] 121 - وعن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " .

122 - وعن ابن شهاب ، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة ؛ أنه قال : لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك ، مع كل وضوء .


3808 - قال أبو عمر : قول أبي هريرة في رواية عبد الرحمن عنه : لولا أن يشق على أمته .

3809 - تفسيره ما رواه الأعرج وغيره عنه بأن ذلك إنما علمه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لروايته له عنه - عليه السلام - .

3810 - والأحاديث عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " لولا أن أشق على [ ص: 268 ] أمتي " كثيرا جدا .

3811 - منهم من يقول فيها : " مع كل وضوء " .

3812 - ومنهم من يقول فيها : " مع كل صلاة " .

3813 - وقد ذكرنا كثيرا منها في التمهيد ، وذكرنا هناك الاختلاف عن ابن شهاب في إسناد حديثه الأول في هذا الباب ، عن ابن السباق ، عن النبي - عليه السلام - قوله : " يا معشر المسلمين " . . . . الحديث .

3814 - وأما قوله : فاغتسلوا ؛ ففيه الأمر بالغسل للجمعة ، وذلك عندنا محمول على الندب والفضل ، بدليل قول عائشة : " كان الناس عمال أنفسهم ، وكانوا يشهدون الجمعة بهيئاتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم ؛ لئلا يؤذي بعضهم بعضا بريحه " وأمروا مع ذلك بأخذ الطيب ، والمس منه لمن قدر عليه .

3815 - وروى الشافعي وغيره ، عن سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة ، قالت : " كان الناس عمال أنفسهم ، فكانوا يروحون بهيئاتهم يوم الجمعة ، فقيل لهم : لو اغتسلتم " .

3816 - وروى سفيان بن عيينة أيضا ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، قال : جاء عثمان بن عفان وعمر يخطب يوم الجمعة ، فقال عمر : ما بال رجال يستأخرون إلى هذه الساعة ؟ فقال عثمان : ما كان إلا الوضوء . فقال عمر : الوضوء أيضا ؟ " .

3817 - وفي حديث عمر بن الخطاب حين قال له عثمان يوم الجمعة : ما زدت أن [ ص: 269 ] سمعت النداء على أن توضأت فقال عمر : الوضوء أيضا ! ! وقد علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر بالغسل . ولم يأمره بالانصراف للغسل ، ولا بإعادة الصلاة ، ولا قال له : إن الصلاة في الجمعة لا تجزيك بغير غسل ، ولا رأى ذلك عثمان واجبا عليه ؛ دليل واضح على أن غسل الجمعة ليس من فرائض الجمعة .

3818 - وسيأتي حديث عمر هذا من رواية مالك في غسل الجمعة ، إن شاء الله .

3819 - وأبين من هذا في هذا المعنى حديث سمرة ، وحديث أبي سعيد الخدري ، كلاهما عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل " .

3820 - وقد ذكرنا حديث أبي سعيد ، وحديث سمرة بن جندب كلاهما عن النبي - عليه السلام - بأسانيدهما ، وذكرنا من روى من الصحابة مثل حديثهما بإسناده أيضا في التمهيد ، والحمد لله .

[ ص: 270 ] 3821 - فبان بذلك أن الغسل لصلاة الجمعة سنة وفضيلة ، لا فريضة .

3822 - وأبو سعيد هذا الذي روى عن النبي - عليه السلام - : " غسل الجمعة واجب على كل محتلم " قد روى " ومن اغتسل فالغسل أفضل " .

3823 - وهذا كله يدل على أن أمره بالاغتسال للجمعة ندب وفضل ، وسنة ، لا واجب فرضا .

[ ص: 271 ] 3824 - وسيأتي هذا المعنى واضحا أيضا في باب غسل الجمعة ، إن شاء الله .

3825 - وفي هذا الحديث أيضا الغسل للعيدين ؛ لقوله - عليه السلام - " إن هذا يوم جعله الله عيدا ، فاغتسلوا " .

3826 - والقول في غسل العيدين كالقول في غسل الجمعة ، إلا أن غسل الجمعة عند بعض أهل العلم آكد في السنة .

3827 - وفيه أخذ الطيب ، ومسه لمن قدر عليه يوم الجمعة ، وفي العيدين .

3828 - وذلك مندوب إليه حسن مرغب فيه ، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف خروجه برائحة الطيب إذا خرج إلى الصلاة ، وإذا مشى .

3829 - وقد قيل : إن رائحته كانت تلك بلا طيب ، - صلى الله عليه وسلم - .

3830 - وذكر ذلك إسحاق ابن راهويه . وقد قال - عليه السلام - " لا تردوا الطيب ، فإن طيب الريح خفيف المحمل " .

3831 - وقد قال - عليه السلام - : " حبب إلي من دنياكم النساء والطيب ، وجعلت قرة عيني في الصلاة " .

3832 - وقد كان أبو هريرة يوجب الطيب وجوب سنة وأدب ، والله أعلم .

3833 - وحدثنا سفيان بن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن طاوس ، قال : سمعت أبا هريرة يوجب الطيب يوم الجمعة ، فسألت ابن عباس عنه ، فقال : لا أعلمه .

3834 - قال سفيان : وأخبرني ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : من أتى الجمعة فليمس طيبا إن كان لأهله ، غير مؤثم من تركه .

[ ص: 272 ] 3835 - قال أبو عمر : إن كان أبو هريرة يوجب الغسل ، ويوجب الطيب ما كان في قوله حجة ، إذ كان الجمهور يخالفونه فيما تأول من ذلك .

3836 - وروى الوليد بن مسلم عن موسى بن صهيب . قال : كانوا يقولون : الطيب يغني من الغسل يوم الجمعة .

3837 - وفيه الترغيب في السواك .

3838 - والآثار في السواك كثيرة جدا .

3839 - وكان سواك القوم الأراك والبشام . وكل ما يجلو الأسنان ، ولا يؤذيها ، ويطيب نكهة الفم فجائز الاستنان به .

3840 - وقال ابن عباس : " ما زال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بالسواك حتى ظننا أنه سينزل عليه فيه " .

3841 - وقالت عائشة : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل علي أول ما يبدأ بالسواك " .

[ ص: 273 ] 3842 - وسمعته يقول : " السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب " .

3843 - وكان ربما استاك في الليلة مرارا .

3844 - والعلماء كلهم يندبون إليه ، ويستحبونه ، ويحثون عليه ، وليس بواجب عندهم .

3845 - قال الشافعي : لو كان واجبا لأمرهم به شق أو لم يشق .

3846 - وهذا الحديث يحمله أهل العلم على أن ذلك كان منه - عليه السلام - وهو يخطب على المنبر .

3847 - وإذا كان ذلك كذلك كان فيه دليل على أن للخطيب أن يأتي في خطبته بكل ما يحتاج إليه في فصول الأعياد ، وفضل رمضان ، والترغيب في صيامه وقيامه، وما كان مثل ذلك مما بالناس من حاجة إلى معرفته .

3848 - وفيه دليل على أن من حلف أن يوم الجمعة يوم عيد فقد بر ، ولم يحنث . 3849 - وقد ذكرنا في التمهيد حديث سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو ، [ ص: 274 ] عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : الغسل يوم الجمعة ليس بواجب ، ومن اغتسل فهو خير وأطهر .

3850 - ثم قال : إن الناس كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسون الصوف ، وكان المسجد ضيقا متقارب السقف ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة في يوم صائف شديد الحر ومنبره صغير ، إنما هو ثلاث درجات ، فخطب الناس ، فعرقوا في الصوف ، فصار يؤذي بعضهم بعضا ، حتى بلغت أرواحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر ، فقال : " يا أيها الناس ! إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أطيب ما يجد من طيبه أو دهنه " .

التالي السابق


الخدمات العلمية