الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1245 1203 - مالك ، عن ثابت بن الأحنف ; أنه تزوج أم ولد لعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب . قال : فدعاني عبد الله بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، فجئته فدخلت عليه ، فإذا سياط موضوعة ، وإذا قيدان من حديد ، وعبدان له قد أجلسهما . فقال : طلقها وإلا ، والذي يحلف به فعلت بك كذا وكذا ، قال فقلت : هي الطلاق ألفا . قال فخرجت من عنده ، فأدركت عبد الله بن عمر ، بطريق مكة . فأخبرته بالذي كان من شأني ، فتغيظ عبد الله وقال : ليس ذلك بطلاق . وإنها لم تحرم عليك . فارجع إلى أهلك . قال فلم تقررني نفسي حتى أتيت عبد الله بن الزبير وهو يومئذ بمكة ، أمير عليها ، فأخبرته بالذي كان من شأني ، وبالذي قال لي عبد الله بن عمر ، قال فقال لي عبد الله بن الزبير : لم تحرم عليك ، فارجع إلى أهلك ، وكتب إلى جابر بن الأسود الزهري ، وهو أمير المدينة ، يأمره ، أن يعاقب عبد الله بن عبد الرحمن ، وأن يخلي بيني وبين أهلي . قال : [ ص: 150 ] فقدمت المدينة فجهزت صفية امرأة عبد الله بن عمر امرأتي ، حتى أدخلتها علي ، بعلم عبد الله بن عمر ، ثم دعوت عبد الله بن عمر يوم عرسي لوليمتي فجاءني .


27287 - قال أبو عمر : اختلف العلماء في طلاق المكره :

[ ص: 151 ] [ ص: 152 ] 27288 - فذهب مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والحسن بن حي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود إلى أن طلاق المكره لا يلزم ، ولا يقع ، ولا يصح .

27289 - والحجة لهم قول الله - عز وجل - : إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان [ النحل : 106 ] . فنفى الكفر باللسان إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان ، فكذلك الطلاق إذا لم يرده بقبله ، ولم ينوه ، ولم يقصده ، لم يلزمه .

27290 - وروى الأوزاعي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " تجاوز الله لأمتي عن الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .

27291 - وروي من حديث عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا طلاق ، ولا عتاق في إغلاق ، فتأولوه على المكره " .

[ ص: 153 ] 27292 - وروي عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن عباس ، في طلاق المكره أنه لا يلزم ، كما قال ابن عمرو ، وابن الزبير .

27293 - وبه قال شريح ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وعطاء ، وطاوس ، وعمر بن عبد العزيز ، والضحاك ، وأيوب ، وابن عون .

27294 - وقال عطاء : الشرك أعظم من الطلاق .

27295 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : يصح طلاق المكره ونكاحه ، ونذره ، وعتقه ، ولا يصح بيعه .

27296 - واحتج لهم الطحاوي في الفرق بين البيع والطلاق ، فإن البيع ينتقض بالشرط الفاسد ، والخيار ، ولا يصح الخيار في طلاق ، ولا عتق ، ولا نكاح .

27297 - وقال في معنى حديث ابن عباس المذكور : التجاوز معناه : العفو عن الإثم .

27298 - قال : والعفو عن الطلاق والعتاق لا يصح ; لأنه غير مذنب ، [ ص: 154 ] فيعفى عنه .

27299 - وذكر حديث حذيفة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له ولأبيه - حين خلعهما المشركون " نفي لهم بعهدهم ، ونستعين الله عليهم " .

27300 - قال : وكما يثبت حكم الوطء في الإكراه ، فيحرم به على الواطئ ابنة المرأة ، وأمها ، فكذلك القول على الإكراه ، لا يمنع وقوع ما حلف .

27301 - وقال سفيان الثوري : يصح طلاقه وعتقه ، إلا أن يكون ورد ذلك إلى شيء ينويه ، ويريده بقوله ذلك .

27302 - هذه رواية الأشجعي ، وغيره عنه ، وقال عنه المعافى : لا نكاح لمضطهد .

27303 - وكان الشعبي ، والنخعي ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، وأبو قلابة ، وشريح في رواية - يرون طلاق المكره جائزا .

27304 - قال إبراهيم : لو وضع السيف على مفرقه ، ثم طلق لأجزت طلاقه .

[ ص: 155 ] 27305 - وقد روي عن الشعبي : إن أكرهه اللصوص لم يجز طلاقه ، وإن أكرهه السلطان جاز .

27306 - قال أبو عمر : كأنه رأى أن اللصوص يقتلونه ، والسلطان لا يقتله ، ولم يختلفوا في خوف القتل ، والضرب الشديد أنه إكراه .

27307 - وروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أخيف ، أو ضرب ، أو أوثق .

27308 - وقال أحمد بن حنبل : إذا كان يخاف القتل ، أو الضرب الشديد ، واحتج بحديث عمر هذا ، فقال شريح : القيد إكراه ، والسجن إكراه ، والوعيد إكراه .

التالي السابق


الخدمات العلمية