الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1207 - مالك ; أنه بلغه أن سعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار سئلا عن طلاق السكران ؟ فقالا : إذا طلق السكران جاز طلاقه ، وإن قتل قتل به . قال مالك : وعلى ذلك ، الأمر عندنا .


27334 - قال أبو عمر : اختلف أهل المدينة ، وغيرهم في طلاق السكران :

27335 - فأجازه عليه ، وألزمه إياه جماعة من العلماء منهم : سعيد بن [ ص: 161 ] المسيب ، وسليمان بن يسار ، ومجاهد ، وإبراهيم ، والحسن ، وابن سيرين ، وميمون بن مهران ، وحميد بن عبد الرحمن الحميدي ، وشريح القاضي ، والشعبي ، والزهري ، والحكم بن عيينة .

27336 - وأما بلاغ مالك ، عن سعيد بن المسيب ، فرواه عنه قتادة ، وعبد الرحمن بن حرملة .

27337 - ذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثني حاتم بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن بن حرملة ، قال : طلق جار لي سكران ، فأمرني أن أسال سعيد بن المسيب ، فسألته ، فقال : يفرق بينه وبين امرأته ، ويجلد ثمانين جلدة .

27338 - قال : وحدثني عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، قال : إذا طلق السكران ، أو أعتق جاز عليه العتق ، وأقيم عليه الحد .

27339 - إلى هذا ذهب مالك ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، الثوري ، والأوزاعي ، وأبو عبيد .

27340 - وعن الشافعي في ذلك روايتان :

( إحداهما ) : مثل قول مالك في أن طلاقه لازم في حال سكره ، وهو الأشهر عنه .

[ ص: 162 ] ( والثانية ) : أنه لا يلزم السكران طلاقه في حال سكره .

27341 - واختاره المزني ، وذهب إليه ، وخالفه أكثر أصحاب الشافعي ، فألزموه طلاقه .

27342 - وكان عمر بن عبد العزيز أجاز طلاق السكران ثم رجع عنه .

27343 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : طلاق السكران ، وعقوده ، وأفعاله ، جائزة عليه كأفعال الصاحي ، إلا الردة ، فإنه إن ارتد لا تبين منه امرأته استحسانا .

27344 - وقد روي عن أبي يوسف أنه يكون مرتدا في سكره .

27345 - وقال محمد بن الحسن : إن قذف السكران حد ، وإن قتل قتل ، وإن زنى أو سرق أقيم عليه الحد ، ولا يجوز إقراره في الحدود .

27346 - وقال الشافعي : إن ارتد سكران فمات كان ماله فيئا ، ولا نقتله في سكره ، ولا نستتيبه فيه .

27347 - وقال الثوري ، والحسن بن حي : طلاق السكران وعتقه جائز عليه .

27348 - قال أبو عمر : ألزمه مالك الطلاق ، والعتق ، والقود من الجراح ، والقتل ، ولم يلزمه النكاح ، والبيع .

27249 - وروي عن عمر بن الخطاب في طلاق السكران أنه أجازه عليه .

[ ص: 163 ] وإسناده فيه لين .

27350 - ذكره أبو بكر ، قال حدثني وكيع ، عن جرير بن حازم ، عن الزبير بن الخريت ، عن أبي لبيد : أن عمر بن الخطاب أجاز طلاق السكران بشهادة النسوة .

27351 - وأما عثمان بن عفان ، فالحديث عنه صحيح أنه كان لا يجيز طلاق السكران ، ولا يراه شيئا .

27352 - وقد زعم بعض أهل العلم أنه لا مخالف لعثمان في ذلك من الصحابة ، وليس ذلك عندي كما زعم ; لما ذكرنا عن عمر ، ولما جاء عن علي ، وهو حديث صحيح عنه أيضا ، رواه الثوري ، وغيره ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عامر بن ربيعة قال : سمعت عليا - رضي الله عنه - يقول : كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه .

27353 - ومن قال : إن عثمان لا مخالف له من الصحابة في طلاق السكران ، تأول قول علي : أن السكران معتوه بالسكر ، كما أن الموسوس معتوه بالوسواس ، والمجنون معتوه بالجنون .

27354 - وحديث عثمان رواه وكيع ، وغيره ، عن ابن أبي ذئب ، عن [ ص: 164 ] الزهري ، عن أبان بن عثمان ، عن عثمان : أنه كان لا يجيز طلاق السكران ، والمجنون .

27355 - قال : وكان عمر بن عبد العزيز يجيز طلاقه ، ويوجع ظهره حتى حدثه أبان بن عثمان في ذلك عن أبيه .

27356 - وبه كان يفتي أبان .

27357 - وهو قول جابر بن زيد ، وعكرمة ، وعطاء ، وطاوس ، والقاسم بن محمد ، وربيعة ، ويحيى بن سعيد ، والليث بن سعد ، وعبيد الله بن الحسن ، وإسحاق بن راهويه ، وأبي ثور ، والمزني ، وداود بن علي .

27358 - وإليه ذهب الطحاوي ، وخالف أصحابه في ذلك الكوفيين ، وقال : لا يختلفون فيمن شرب البنج ، فذهب عقله أن طلاقه غير جائز ، فكذلك من سكر من الشراب .

27359 - قال : ولا يختلف فقدان العقل بسبب من الله ، أو بسبب من جهته ، كما أنه لا يختلف حكم من عجز عن الصلاة بسبب من الله ، أو من فعل نفسه في [ ص: 165 ] باب سقوط فرض القيام عنه .

27360 - قال أبو عمر : ليس تشبيه فعل السكران بالعجز عن الصلاة بقياس صحيح ; لأنه ما من أحد يعجز به على نفسه في الصلاة آثم ، ولا تسقط عنه الصلاة ، وعليه أن يؤديها على حسب طاقته .

27361 - وأما أحمد بن حنبل ، فجبن عن القول في طلاق السكران ، وأبى أن يجيب فيه .

27362 - قال أبو عمر : أجمعوا على أنه يقام عليه حد السكران .

27363 - وقال عثمان البتي : السكران بمنزلة المجنون ، لا يجوز طلاقه ، ولا عتقه ، ولا بيعه ، ولا نكاحه ، ولا يحد في قذف ، ولا زنا ، ولا سرقة .

27364 - وقال الليث بن سعد : كل ما جاء من منطق السكران ، فهو مرفوع عنه ، ولا يلزمه طلاق ، ولا عتق ، ولا بيع ، ولا نكاح ، ولا يحد في القذف ، ويحد في الشرب ، وفي كل ما جنته يده ، وعملته جوارحه مثل القتل ، والزنا ، والسرقة .

27365 - قال أبو عمر : قول الليث حسن جدا ; لأن السكران يلتذ بأفعاله ، ويشفي غيظه ، وتقع أفعاله قصدا إلى ما قصده من لذة بزنا ، أو سرقة ، أو قتل ، وهو مع ذلك لا يعقل أكثر ما يقول بدليل قول الله عز وجل : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ ص: 166 ] [ النساء : 34 ] .

27366 - فإذا تبين على الشارب التخليط البين بالمنطق من القراءة ، وغيرها ، فقد تغير عقله ، وصح سكره ، وبالله التوفيق ، ولا شريك له .

التالي السابق


الخدمات العلمية