الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1255 1214 - وروى مالك ، عن حميد بن قيس المكي ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ; أن عمر بن الخطاب كان يرد المتوفى عنهن أزواجهن من البيداء ، يمنعهن الحج .

1215 - وروى مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أنه كان يقول : لا تبيت المتوفى عنها زوجها ، ولا المبتوتة إلا في بيتها .


27419 - وفي هذه المسألة قول ثان ، روي عن علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وعائشة ، وجابر بن عبد الله أنهم قالوا : تعتد المتوفى عنها زوجها حيث شاءت ، وليس عليها السكنى بواجب في بيتها أيام عدتها .

[ ص: 183 ] 27420 - وبه قال الحسن البصري ، وجابر بن زيد ، وعطاء بن أبي رباح .

27421 - وإليه ذهب داود ، وأهل الظاهر ، قالوا : لأن السكنى إنما ورد في [ ص: 184 ] القرآن في المطلقات ، وليس للمتوفى عنها زوجها سكنى .

27422 - قالوا : والمسألة مسألة خلاف ، وإيجاب السكنى إيجاب حكم ، والأحكام لا تجب إلا بنص كتاب ، أوسنة ثابتة ، أو إجماع .

27423 - قالوا : وهذا الحديث إنما ترويه امرأة غير معروفة بحمل العلم ، وذكروا ما رواه ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء ، عن ابن عباس ، قال : إنما قال الله تعالى : يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا [ البقرة : 234 ] ولم يقل في بيوتهن .

27424 - وروى الثوري ، وغيره ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، عن علي - رضي الله عنه - أنه انتقل ابنته أم كلثوم في عدتها حين قتل عنها عمر - رضي الله عنه .

27425 - وروى معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قال : خرجت عائشة بأختها أم كلثوم حيت قتل عنها طلحة بن عبيد الله إلى مكة في عمرة .

27426 - قال عروة : وكانت عائشة تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها .

27427 - وروى الثوري ، عن عبد الله بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول : أبى ذلك الناس عليها ، والله أعلم .

27428 - قال أبو عمر : قد أخبر القاسم أن الناس في زمن عائشة - يعني [ ص: 185 ] علماء زمانها - أنكروا ذلك عليها ، وهم طائفة من الصحابة ، وجلة التابعين ، وقد ذكرنا من روينا ذلك عنه في هذا الباب منهم .

27429 - وجملة القول في هذه المسألة أن فيها للسلف والخلف قولين ، مع أحدهما سنة ثابتة ، وهي الحجة عند التنازع ، ولا حجة لمن قال بخلافها .

27430 - وليس قول من طعن في إسناد الحديث الوارد بها مما يجب الاشتغال به ; لأن الحديث صحيح ، ونقلته معروفون ، قضى به الأئمة ، وعملوا بموجبه . وتابعهم جماعة فقهاء الأمصار بالحجاز ، والعراق ، وأفتوا به ، وتلقوه بالقبول لصحته عندهم .

27431 - وأما قولها في هذا الحديث : فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ، فقد اختلف الفقهاء في المتوفى عنها زوجها إذا كان السكن الذي يسكنه بكراء :

27432 - فقال مالك : هي أحق بسكناه من الورثة ، والغرماء من رأس مال المتوفى ، إلا أن لا يكون فيه عقد لزوجها . وأراد أهل المسكن إخراجها .

27433 - قال : وإذا كان المسكن لزوجها فبيع في دينه ، فهي أولى بالسكنى فيه حتى تنقضي عدتها .

[ ص: 186 ] 27434 - قال : وكان ابن القاسم يجيز بيع دار المتوفى للغرماء ، ويستثني للمرأة السكنى فيها حتى تنقضي عدتها .

27435 - وقال محمد بن عبد الله بن محمد بن الحكم : البيع فاسد ; لأنها قد ترتاب ، فتمتد عدتها .

27436 - وقال سحنون : لو ارتابت كان كالعيب يظهر للمشتري .

27437 - قال أبو عمر : قول سحنون كقول ابن القاسم ، وهو الأصح ; لأن الارتياب نادر ، ولا يعتبر مع إطلاق البيع قبل الكراء ، فإن طرأ كان كالعيب ، والاستحقاق ، يطرأ على البيع الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية