الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1277 [ ص: 238 ] [ ص: 239 ] 30 - كتاب الرضاع [ ص: 240 ] [ ص: 241 ] بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد ، وأهله ، وصحبه ، وسلم ( 1 ) باب رضاعة الصغير

1237 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، أن عائشة أم المؤمنين أخبرتها : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عندنا ، وأنها سمعت صوت رجل يستأذن في بيت حفصة ، قالت عائشة : فقلت ، يا رسول الله ، هذا رجل يستأذن في بيتك . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أراه فلانا " . لعم لحفصة من الرضاعة ، فقالت عائشة : يا رسول الله لو كان فلان حيا - لعمها من الرضاعة - دخل علي ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم . إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " .


27668 - قال أبو عمر : هذا حديث صحيح نقله العدول .

27669 - وهو يبين كتاب الله في الزيادة في معناه ; [ لأن كتاب الله ] [ ص: 242 ] إنما ذكر في كتابه في التحريم بالرضاعة الأمهات والأخوات ، فقال تعالى : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة [ النساء : 32 ] .

27670 - وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن كل ما يحرم من النسب ، فمثله يحرم من الرضاع .

27671 - وإذا كانت الأم من الرضاع محرمة كان كذلك الأب ; لأن اللبن منهما جميعا .

27672 - وإذا كان زوج التي أرضعت أبا كان أخوه عما ، وكانت أخت المرأة خالة فحرم بالرضاعة العمات ، والخالات ، والأعمام والأخوال ، والأخوات ، وبناتهن ، كما حرم بالنسب .

27673 - هكذا معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " .

27674 - وفي هذا الحديث دليل واضح على أن لبن الفحل يحرم الذكر العم ، ولولا لبن الفحل ما ذكر العم ; لأن بمراعاة لبن الرجل صار أبا ، فصار أخوه عما .

27675 - فإن قيل : إنه ليس في هذا الحديث شيء يدل على التحريم بلبن الفحل ، فإنه ممكن أن يكون عم حفصة المذكور قد أرضعته مع عمر بن الخطاب امرأة واحدة ، فصار عما لحفصة .

27676 - فالجواب أن قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة " ، [ ص: 243 ] يقضي بتحريم لبن الفحل ; لأنه معلوم أن الأب لم يلد أولاده بالحمل والوضع كما صنعت الأم ، إنما ولدهم بما كان من مائه المتولد منه الحمل واللبن ، فصار بذلك والدا كما صارت الأم بالحمل والولادة أما . فإذا أرضعت بلبنها طفلا كانت أمه ، وكان هو أباه .

27677 - وهذا يوضح ، ويرفع الإشكال فيه .

27678 - وبعد هذا جعله مالك بعده في الباب مفسرا ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية