الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1292 1253 - مالك ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ; أنه قال : أخبرني عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين ، عن جدامة بنت وهب الأسدية ; أنها أخبرتها : أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ، حتى ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك ، فلا يضر أولادهم " .

قال مالك ، والغيلة أن يمس الرجل امرأته وهي ترضع .


27833 - قال أبو عمر : قد روى بعض الرواة عن مالك هذا الحديث ، فجعلوه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم : أبو عامر العقدي .

27834 - وكذلك رواه القعنبي في غير " الموطأ " وهو عنده في " الموطأ " كما هو عند سائر الرواة عن عائشة ، عن جدامة .

[ ص: 282 ] 27835 - وفي رواية عائشة له عن جدامة دليل على حرصها على العلم ، وبحثها عنه ، وأن القوم لم يكونوا يرسلون من الأحاديث في الأغلب إلا ما يستوفيه المحدث لهم بها ، أو لوجوه غير ذلك .

27836 - وقد ذكرنا هذا في كتاب " التمهيد " .

27837 - وأما الغيلة ، فكما فسرها مالك ، وعلى تفسير ذلك أكثر الناس من أهل اللغة وغيرهم .

27838 - وقال الأخفش : الغيلة والغيل سواء ، وهي أن تلد المرأة ، فيغشاها زوجها وهي ترضع ، فتحمل من ذلك الوطء ; لأنها إذا حملت فسد اللبن على الطفل المرضع ، ويفسد به جسمه ، وتضعف به قوته حتى ربما كان ذلك في عقله .

27839 - قال : وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " إنه ليدرك الفارس فيدعثره عن فرسه " أو قال : عن سرجه ، أي يضعف ، فيسقط عن السرج .

27840 - قال الشاعر : فوارس لم يغالوا في الرضاع فتنبو في أكفهم السيوف .

27841 - قال أبو عمر : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حتى ذكرت أن فارس والروم . [ ص: 283 ] يصنعون ذلك ، فلا يضر أولادهم شيئا ، يرد كل ما قاله الأخفش ، وحكاه عن العرب .

27842 - وذلك من تكاذيب العرب ، وظنونهم ، ولو كان ذلك حقا ; لنهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جهة الإرشاد والأدب ، فإنه كان - عليه السلام - حريصا على نفع المؤمنين رءوفا بهم ، وما ترك شيئا ينفعهم إلا دلهم عليه ، وأمرهم به - صلى الله عليه وسلم - .

27843 - وقد قال بعض أهل اللغة : الغيلة : أن ترضع المرأة ولدها ، وهي حامل .

27844 - وقال غيره : الغيل نفسه الرضاع .

27845 - وقد زدنا هذا المعنى بيانا بشواهد الشعر في " التمهيد " .

27846 - وقال ابن الماجشون : وذكره ابن القاسم أيضا عن مالك ، وقال : إنه لم يسمعه منه في الرجل يتزوج المرأة وهي ترضع فيصيبها وهي ترضع أن ذلك اللبن له ، وللزوج قبله ؟ لأن الماء يغير اللبن ، ويكون منه الغذاء .

[ ص: 284 ] 27847 - واحتج بهذا الحديث : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة .

27848 - قال ابن القاسم : وبلغني عن مالك : إذا ولدت المرأة ، فاللبن منه بعد الفصال وقبله ، ولو طلقها ، فتزوجت ، وحملت من الثاني ، فاللبن بينهما جميعا أبدا حتى يتبين انقطاعه من الأول .

27849 - ومن الحجة لمالك أيضا أن اللبن يغيره وطء الزوج الثاني .

27850 - ولوطئه فيه تأثير قوله - عليه السلام - : إذا نظر إلى المرأة الحامل من السبي ، فسأل : هل يطأ هذه صاحبها ؟ قيل له : نعم ، فقال : لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره ، أيورثه ، وليس منه أم يستعبده ؟ وهو قد عداه في سمعه وبصره .

27851 - وهو حديث في إسناده لين .

27852 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : اللبن من الأول في هذه المسألة حتى تضع المرأة ، فيكون من الآخر .

27853 - وهو قول ابن شهاب .

27854 - وروي عن الشافعي أنه منهما حتى تلد ، فيكون من الثاني .

[ ص: 285 ] 27855 - وقد مضى القول في لبن الفحل في صدر كتاب الرضاع من هذا الكتاب ، والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية