الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1293 1254 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت : كان فيما أنزل من القرآن - عشر رضعات معلومات يحرمن - ثم نسخن بخمس معلومات - [ ص: 286 ] فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو فيما يقرأ من القرآن .

قال يحيى : قال مالك : وليس على هذا العمل .


27856 - قال أبو عمر : قد تقدم في هذا الكتاب ذكر من رأى العمل على هذا الحديث من السلف ، ومن قال به من أئمة الفتوى بالأمصار ، ومن تركه ، فلم يقل به ولم يعمل به ، وهم الأكثر من العلماء .

27857 - وقد روى هذا الحديث سفيان بن عيينة ، عن يحيى بن سعيد ، عن [ ص: 287 ] عمرة ، عن عائشة قالت : نزل القرآن بعشر رضعات معلومات ، ثم صرن إلى خمس .

27858 - وروى سفيان أيضا عن الزهري قال : قالت عائشة : لا يحرم دون خمس رضعات معلومات .

27859 - قال : وكانت عائشة ترى ذلك للصغير والكبير .

27860 - قال أبو عمر : رد حديث عمرة ، عن عائشة هذا أصحابنا ، ومن ذهب في هذه المسألة مذهبهم ، ودفعوه فقالوا : هذا حديث أضيف إلى القرآن ولم يثبت قرآنا .

27861 - وعائشة التي قطعت بأنه كان من القرآن ، قد اختلف عنها في العمل به ، فليس بسنة ولا قرآن .

27862 - وردوا حديث المصة ، والمصتين ; بأنه حديث مرة يرويه ابن الزبير عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرة عن أبيه ، عن عائشة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

قالوا : ومثل هذا الاضطراب يسقطه .

27863 - وضعفه حديث أم الفضل أيضا في ذلك .

[ ص: 288 ] 27864 - وردوا حديث عروة ، عن عائشة في الخمس رضعات بأن عروة كان يفتي بخلافه ، ولو صح عنده ما خالفه .

27865 - وروى مالك ، عن إبراهيم بن عقبة أنه سأل سعيد بن المسيب عن الرضاعة ؟ فقال : ما كان في الحولين ، وإن كان قطرة واحدة ، فهو يحرم .

27866 - قال : ثم سألت عروة بن الزبير ، فقال مثل ذلك .

27867 - قال أبو عمر : انفك المخالفون لهم مما احتجوا به عليهم من هذا ; بأن القرآن منه ما نسخ خطه ، ورفع ، وثبت الحكم به والعمل ، من ذلك الرجم ، خطب به عمر على رءوس الصحابة ، وقال : الرجم هو في كتاب الله ، فلم ينكر عليه ذلك أحد ، فمثله الخمس رضعات ، بل هي ألزم من جهة العمل ; لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلهة بن سهيل أن ترضع سالما خمس رضعات ، فيحرم عليها .

27868 - وبحديث معمر ، وابن جريج ، وغيرهما عن هشام ، عن عروة ، عن أبيه عن الحجاج الأسلمي أنه استفتى أبا هريرة : ما يحرم من الرضاع ؟ فقال : لا يحرم إلا ما فتق الأمعاء .

27869 - ومثل هذا لا يكون رأيا ، وقد روي مرفوعا .

[ ص: 289 ] 27870 - قالوا : ولا حاجة بنا إلى أن نثبت قرآنا ; لأنا لا نريد قطع العذر به ، إنما نريد به إيجاب الحكم ، والعمل كالرجم وغيره ، وليس في أن لا يعمل به عروة ، ولا يفتي به مذهب ; لأنها مسألة اختلاف ، رأى فيها عروة غير رأي عائشة كسائر ما خالفها فيه من رأيه ، وقد أخبرنا عروة أن عائشة كانت تفتي به ، وتعمل به ، وقولها أولى لمن يسوغ له التقليد من قوله ، وحديث : المصة ، والمصتان ، والرضعة ، والرضعتان ثابت ، ليس فيه علة يجب بها دفعه ، وقد قال به أهل العلم بالحديث على ما ذكرته عنهم مما تقدم ، والله بالصواب أعلم ، وصلى الله على محمد ، وآله وسلم تسليما .

التالي السابق


الخدمات العلمية