الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
153 127 - مالك ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري ، ثم المازني ، عن أبيه ، أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري قال له : إني أراك تحب الغنم والبادية ، فإذا كنت في غنمك أو باديتك ، فأذنت بالصلاة - فارفع صوتك بالنداء ; فإنه " لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ، ولا إنس ، ولا شيء - إلا شهد له يوم القيامة " . قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .


[ ص: 46 ] 4053 - قال أبو عمر : فيه الأذان للمنفرد والمسافر ، وذلك عند مالك حسن ، إلا أن الأذان عنده في مساجد الجماعات ، وحيث يجتمع الناس .

4054 - فقد ورد في فضائل الأذان للمنفرد والمعتزل آثار حسان ، سنذكرها بعد في أولى المواضع بها من كتابنا هذا .

4055 - وفيه إباحة لزوم البادية ، واكتساب الغنم ، وأنه ينبغي للمرء أن يحب الغنم والبادية ; اقتداء بالسلف ، وفرارا من شر الناس ، واعتزالا عنهم ، ولكن في البعد عن الجماعة والجمعة ما فيه من البعد عن الفضائل ، إلا أن الزمان إذا كثر فيه الشر ، وتعذرت فيه السلامة - طابت العزلة ، والجليس الصالح - إذا وجد - خير من العزلة والوحدة .

4056 - وقد روى مالك بهذا الإسناد عن النبي ، عليه السلام : " يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر ، يفر بدينه من الفتن " .

4057 - وأما قوله : " فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ، ولا إنس ، ولا شيء - إلا شهد له يوم القيامة " - فالمدى الغاية ; حيث ينتهي الصوت .

4058 - فأما فهم الجماد والموات فلا يدرك كيفيته ذلك إلا الله ، وفي قوله ، تعالى : ياجبال أوبي معه [ سبأ : 10 ] ; أي سبحي معه ، وقوله ، تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده [ الإسراء : 44 ] وقوله : فما بكت [ ص: 47 ] عليهم السماء والأرض [ الدخان : 25 ] ما يشهد لهذا المعنى .

4059 - وقد أوضحنا فيما مضى وجه قول من قال : إنه على الحقيقة ، ومن حمله على المجاز . والحمد لله .

4060 - وسنذكر في العزلة وفضلها ما حضرنا في موضعه من كتابنا .

4061 - ونذكر اختلاف العلماء في الأذان في السفر في الباب بعد هذا ، إن شاء الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية