الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1296 [ ص: 37 ] ( 3 ) باب ما جاء في العهدة 1257 - مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ; أن أبان بن عثمان ، وهشام بن إسماعيل ، كانا يذكران في خطبتهما عهدة الرقيق في الأيام الثلاثة من حين يشترى العبد أو الوليدة ، وعهدة السنة .

قال مالك : ما أصاب العبد أو الوليدة في الأيام الثلاثة ، من حين يشتريان حتى تنقضي الأيام الثلاثة ، فهو من البائع ، وإن عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص ، فإذا مضت السنة ، فقد بريء البائع من العهدة كلها .

قال مالك : ومن باع عبدا أو وليدة من أهل الميراث ، أوغيرهم بالبراءة ، فقد برئ من كل عيب ، ولا عهدة عليه إلا أن يكون علم عيبا فكتمه ; فإن كان علم عيبا فكتمه ، لم تنفعه البراءة ، وكان ذلك البيع مردودا ، ولا عهدة [ ص: 38 ] عندنا إلا في الرقيق .


28033 - قال أبو عمر : زعم الطحاوي أن العهدة في الرقيق لا أصل لها في الكتاب ، ولا في السنة ، وأن الأصول المجتمع عليها تنقضها ، وأنه لم يتابع مالكا أحد من فقهاء الأمصار على القول بها .

28034 - وليس كما قال : بل عهدة الرقيق في الثلاث من كل ما يعرض ، وفي السنة من الجنون والجذام والبرص معروفة بالمدينة إلا أنه لا يعرفها غير أهل المدينة .

28035 - وكذلك قال مالك : - رحمه الله - : لا أرى أن يقضى بعهدة الرقيق إلا بالمدينة خاصة ، أو عند قوم يعرفونها بغير المدينة ، فيشترطونها فتلزم .

28036 - ذكر ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال : قضى عمر بن عبد العزيز في رجل باع من رجل عبدا ، فهلك العبد في عهدة الثلاث ، فجعله عمر من مال البائع .

28037 - وذكر عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، قال : سمعت سعيد بن المسيب يقول في العهدة : في كل داء عضال ; الجذام ، والجنون ، والبرص سنة .

28038 - قال ابن شهاب : والقضاة قد أدركنا يقضون بذلك .

28039 - قال ابن وهب : وأخبرنا ابن سمعان ، قال : سمعت رجالا من [ ص: 39 ] علمائنا ، منهم : يحيى بن سعيد الأنصاري يقولون : لم تزل الولاة بالمدينة في الزمن الأول يقضون في الرقيق بعهدة السنة في الجذام ، والجنون ، والبرص ، إن ظهر بالمملوك شيء من ذلك قبل أن يحول الحول عليه ، فهو راد على البائع ، ويقضون في عهدة الرقيق بثلاث ليال ، فإن حدث في الرأس في تلك الليالي الثلاث حدث من موت ، أو بعض فهو من بائع ، وإنما كانت عهدة الثلاث من أجل حمى الربع ; لأنها لا تتبين إلا في ثلاث ليال .

28040 - وحكى أبو الزناد عن الفقهاء السبعة ، وعن عمر بن عبد العزيز عهدة الثلاث .

28041 - قال أبو عمر : قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل عهدة الرقيق ثلاثة أيام .

28042 - رواه سعيد بن أبي عروبة ، وأبان العطار ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

28043 - ورواه همام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " لا عهدة بعد أربع " .

28044 - وبعض أصحاب همام يرويه عن همام ، عن قتادة ، عن الحسن قوله .

28045 - ورواه يونس ، عن الحسن ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي - عليه السلام - : " لا عهدة بعد أربع " .

[ ص: 40 ] 28046 - وأهل الحديث يقولون : إن الحسن لم يسمع من عقبة بن عامر شيئا .

28047 - حدثني عبد الوارث بن سفيان قال : حدثني قاسم بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن الجهم ، قال : حدثني عبد الوهاب بن عطاء ، قال : حدثني سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عهدة الرقيق أربع ليال " .

28048 - قال هشام : قال قتادة ، وأهل المدينة يقولون : ثلاث .

28049 - وحدثني عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني محمد ، قال : حدثني أبو بكر ، قال : حدثني عبدة ، ومحمد بن بشر ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عهدة الرقيق ثلاث ليال " .

28050 - قال أبو عمر : من جعلهما حديثين قضى بصحة حديث سمرة على أنه قد اختلف أيضا في سماع سمرة من الحسن .

ومن جعلها حديثا واحدا ، فقد اختلف فيه عن الحسن ، فهو عندهم أوهن ، والله أعلم .

28051 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، وابن جريج ، وسفيان ، والحسن بن صالح ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود : من اشترى شيئا من [ ص: 41 ] الرقيق ، وقبضه ، فكل ما أصابه من الثلاث ، وغيرها فمن المشترى مصيبة .

28052 - وقال أصحاب الشافعي : معنى حديث عقبة في الخيار المشروط .

28053 - وروي عن شريح في تفسير ذلك ، قال : عهدة المسلم لا داء ، ولا غائلة ، ولا شين .

28054 - ورواه أيوب ، عن ابن سيرين ، عن شريح ، فأخبر أن العهدة هي في وجوب الرد بالعيب الموجود قبل البيع ، ولا يختلف في ذلك الثلاث ، وما فوقها .

28055 - وروى ابن المبارك ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، قال : لم يكن فيما عهده في الأرض ، قلت : فما ثلاثة أيام ؟ قال : كل شيء .

28056 - وروى ابن جريج ، عن ابن طاوس ، عن أبيه أنه كان لا يرى العهدة شيئا لا ثلاثا ، ولا أكثر .

28057 - وروى الشافعي ، قال : أخبرنا مسلم بن خالد ، عن ابن جريج ، قال : سألت ابن شهاب عن عهدة السنة ، وعهدة الثلاث ، فقال : ما علمت فيه أمرا سالفا .

28058 - قال أبو عمر : لم يقل من أئمة الفتوى بالأمصار بعهدة الثلاث ، وعهدة السنة في الرقيق ، غير مالك وسلفه في ذلك أيضا ، أهل بلدة ، فهي عنده مسألة اتباع لهم .

28059 - وأما القياس على سائر العروض من الحيوان إلا الرقيق وغير الحيوان من سائر العروض ، والمتاع .

[ ص: 42 ] فالإجماع منعقد على أن ما قبضه المبتاع ، وبان به إلى نفسه ، فمصيبته منه .

28060 - وهذا أصل وإجماع ينبغي ألا يرغب عنه إلا بالشرط ، أو يكون قاضي البلد أو الأمير فيحمل عليه ، فيجري - حينئذ - مجرى قاض قضى بما قد اختلف فيه العلماء ، فينفذ ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية