الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
قال : الأمر المجتمع عليه عندنا ، فيمن باع عبدا أو وليدة أو حيوانا بالبراءة ، من أهل الميراث أو غيرهم ، فقد برئ من كل عيب فيما باع ، إلا أن يكون علم في ذلك عيبا فكتمه ، فإن كان علم عيبا فكتمه ، لم تنفعه تبرئته ، وكان ما باع مردودا عليه .


28065 - قال أبو عمر : هكذا هو في " الموطأ " عند أكثر الرواة فيمن باع عبدا ، أو وليدة ، أو حيوانا بالبراءة .

28066 - وكان مالك يفتي به مرة في سائر الحيوان ، ثم رجع عنه إلى أن البراءة لا تكون في شيء من الحيوان إلا في الرقيق .

28067 - قال ابن القاسم عن مالك : البراءة لا تكون في الثياب .

28068 - وقال في الخشب إذا كان العيب داخل الخشبة ، فليس بعيب ترد منه .

28069 - قال : وكان مالك يقول مرة : لا تنفعه البراءة في شيء يتابعه الناس ، كانوا أهل ميراث ، أو غيرهم إلا بيع الرقيق وحده ، فإنه كان يرى البراءة فيه ما [ ص: 46 ] لم يعلم ، وإن علم عيبا ، فلم يسمه وقد باع بالبراءة لم تنفعه البراءة من ذلك العيب .

28070 - قال : ولو أن أهل الميراث باعوا دواب ، وشرطوا البراءة ، وباع الوصي كذلك لم ينفعه ذلك في الدواب ، وليست البراءة إلا في الرقيق ، ثم رجع فقال : لا أرى البراءة تنفع في الرقيق لأهل الميراث ، ولا للوصي ، ولا لغيرهم ، وإنما كانت البراءة لأهل الديون يفلسون ، فيبيع عليهم السلطان .

28071 - قال مالك : ولا أرى البراءة تنفع أهل الميراث ، ولا غيرهم إلا أن يكون عيبا خفيفا ، وليست البراءة إلا في الرقيق .

28072 - والبراءة الذي يتبرأ بها في هذا إذا قال : أبيعك بالبراءة ، فقد برئ مما يصيب العبد من الأيام الثلاثة ، ومن عهدتها أيضا .

28073 - وقال ابن خواز منداد : اختلف قول مالك في البيع بالبراءة : 28074 - فقال مرة : إذا باع بالبراءة برئ من كل عيب لم يعلمه ، ولا يبرأ من عيب علمه فكتمه في الحيوان كله .

28075 - وقال مرة أخرى : لا براءة إلا في الرقيق .

28076 - وقد قال : لا تنفعه البراءة بوجه من الوجوه إلا من عيب يريه المشتري .

28077 - وبهذا قال الشافعي في الكتاب العراقي ببغداد .

28078 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا باع بيعا بالبراءة من كل عيب [ ص: 47 ] جاز ، سمى العيوب أو لم يسم .

28079 - وبه قال أبو ثور .

28080 - وقال الثوري : إذا باع السلعة بالبراءة ، فسمى العيوب ، وتبرأ منها ، فقد برئ ، وإن لم يرها إياه .

28081 - وقال ابن أبي ليلى : لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها بأسمائها .

28082 - وهو قول شريح ، والحسن ، وطاوس .

28083 - وقال الحسن بن حي : لا يبرأ حتى يبين ، ويسمي .

28084 - وقال أحمد بن حنبل : لا يبرأ حتى يسمي العيوب كلها ، ويضع يده عليها .

28085 - وقال أحمد : من باع رقيقا ، أو حيوانا بالبراءة من كل عيب لم يبرأ مما علم ، إنما يبرأ مما لم يعلم .

28086 - وقال الليث بن سعد في بيع المواريث : إنه بيع براءة ، وإن باع صاحب الميراث ، فقد برئ من العيوب كلها ، إلا أن تقوم بينة ، أنه علم ذلك العيب ، فكتمه .

28087 - وقال عبيد الله بن الحسن في رجل اشترى إبلا ، فقال البائع : إنه [ ص: 48 ] بريء من الجرب ، ولم يعلمه أن بها جربا ، فإذا هي جرباء ، فإنه يردها ، وإذا تبرأ من كل عيب ، لم يبرأ بذلك ، وإذا أراه العيب ، فقد برأه .

28088 - وقال الشافعي : إذا باع شيئا من الحيوان بالبراءة ، فالذي أذهب إليه في ذلك قضاء عثمان بن عفان أنه بريء من كل عيب لم يعلمه ، ولم يبرأ من عيب علمه ، ولا يسمه ، ولم يقف عليه ، والحيوان يفارق ما سواه ; لأنه يعتدي بالصحة والسقم ، وتحول طبائعه ، وقل ما يبرأ من عيب يخفى ، أو يظهر ، فإن صح ما في القياس لولا ما وصفنا من افتراق الحيوان وغيره إلا أن يبرأ من عيوب لم يرها ، وإن سماها لاختلافها ، أو يبرأ من كل عيب ، والأول أصح .

28089 - وقال إسحاق بن راهويه في بيع البراءة بقول عثمان رضي الله عنه .

28090 - قال أبو عمر : روي عن زيد بن ثابت أنه كان يرى البراءة من كل عيب جائزة .

28091 - وهو مذهب ابن عمر على ما تقدم عنه في أول الباب .

28092 - وحجة من قال بهذا القول القياس والاستدلال بأن من أبرأ رجلا كان يعامله من كل حق له قبله ، فإنه يبرأ منه في الحكم ; لأنه حق [ ص: 49 ] للمشتري إذا جاز تركه تركه .

28093 - وأصح ما فيه عندي - والله أعلم - قول من قال : لا يبرأ من العيوب حتى يريه إياه ، ويقفه عليه ، فيتأمله المشتري ، وينظر إليه ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس الخبر كالمعاينة " .

28094 - معلوم أن العيوب تتفاوت بعضها أكثر من بعض ، فكيف يبرأ بما لم يعلم المشتري قدره .

التالي السابق


الخدمات العلمية