الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
155 129 - وأما حديثه عن أبي حازم بن دينار ، عن سهل بن سعد [ ص: 54 ] الساعدي أنه قال : ساعتان يفتح لهما أبواب السماء ، وقل داع ترد عليه دعوته : حضرة النداء للصلاة ، والصف في سبيل الله .


4091 - فقد روي مرفوعا من حديث مالك وغيره . وقد ذكرنا ذلك في التمهيد .

4092 - فمن ذلك ما حدثنا أحمد بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن الفضل ، قال : حدثنا محمد بن جرير ، قال : حدثنا أبو عمرة أحمد بن عبد العزيز الرملي ، قال : حدثنا أيوب بن سويد ، قال : حدثنا مالك بن أنس ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد الساعدي ، قال : قال : رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " ساعتان تفتح لهما أبواب السماء ، وقلما يرد على الداعي فيهما دعوته : حضرة الصلاة ، والصف في سبيل الله " .

4093 - رواه عن أيوب بن سويد هكذا - جماعة منهم مؤمل بن إهاب .

[ ص: 55 ] 4094 - وذكرنا في التمهيد أيضا حديث سليمان التيمي عن أنس ، عن النبي - عليه السلام - قال : " إذا نودي بالأذان فتحت أبواب السماء ، واستجيب الدعاء " .

4095 - وحديث يزيد الرقاشي عن أنس ، عن النبي - عليه السلام - قال : " عند الأذان تفتح أبواب السماء ، وعند الإقامة لا ترد دعوة " .

4096 - وروى الثوري عن يزيد ، عن أبي إياس ، عن أنس ، قال : لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة - موقوفا .

4097 - وقال عطاء : عند نزول الغيث ، والتقاء الزحفين ، والأذان - يستجاب الدعاء .

4098 - فأما قوله : سئل مالك عن الأذان يوم الجمعة : هل يكون قبل أن يحل الوقت ؟ قال : لا يكون حتى تزول الشمس .

4099 - وقد ذكرنا اختلاف الناس في وقت الجمعة ، وأن الفقهاء أئمة الأمصار [ ص: 56 ] على أنه لا يجوز الأذان لها إلا بعد الزوال كالظهر ، وللاختلاف في ذلك سئل مالك عنه . والله أعلم .

4100 - ولما أجمع الفقهاء على أنها تنوب في يومها عن الظهر - وجب أن يكون وقتها وقت الظهر قياسا ونظرا . وعلى ذلك جماعة الفقهاء .

4101 - وأما قوله : إنه لم يبلغني في الأذان والإقامة إلا ما أدركت الناس عليه ، فأما الإقامة فإنها لا تثنى ، وهذا الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا ، فتصريح بأنه لم يبلغه فيه حديث من أخبار الآحاد ، وأن الأذان والإقامة عنده مأخوذان من العمل بالمدينة ، وهو أمر يصح فيه الاحتجاج بالعمل ; لأنه شيء لا ينفك منه في كل يوم مرارا ، وقد لا يصح لغيره مثل ذلك ; لأن كل بلدة أخذت علم شريعتها في أول أمرها عن الصحابة النازلين بها ، وهم الذين وعوا عن نبيهم ، وأمروا بالتبليغ ; فبلغوا .

4102 - وهذا يدلك أن الأذان وجه الاختلاف فيه الإباحة على ما قدمنا . وقد مضى في الأذان والإقامة ما فيه كفاية .

4103 - وأما قوله في قيام الناس إلى الصلاة : إنه لا حد عنده فيه ; لأن [ ص: 57 ] الناس تختلف أحوالهم ; فمنهم الخفيف ، والثقيل - فيدل على أنه لم يكن عنده فيه عن السلف ما ينزع به في جواب سائله .

4104 - وهذه مسألة قديمة لكبار التابعين ، ومن تلاهم من فقهاء المسلمين .

4105 - وقد ذكرنا في التمهيد بالأسانيد عن عمرو بن مهاجر ، قال : رأيت عمر بن عبد العزيز ، ومحمد بن كعب القرظي ، وسالم بن عبد الله ، وأبا قلابة ، وعراك بن مالك الغفاري ، ومحمد بن مسلم الزهري ، وسليمان بن حبيب - يقومون إلى الصلاة في أول بدء الإقامة .

4106 - قال : وسمعت عمر بن عبد العزيز يقول : إذا سمعت النداء بالإقامة فكن أول من أجاب .

4107 - وقال : إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة - عدل الصفوف بيده عن يمينه ويساره ، فإذا فرغ المؤذن ; كبر .

[ ص: 58 ] 4108 - وعن عمر بن عجلان ، قال : سمعت عمر بن عبد العزيز بخناصرة يقول : حين يقول المؤذن : قد قامت الصلاة - قوموا قد قامت الصلاة .

4109 - وعن ابن المبارك ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، قال : سمعت الزهري يقول : ما كان المؤذن يقول : قد قامت الصلاة - حتى تعتدل الصفوف .

4110 - وعن ابن المبارك ، عن أبي يعلى ، قال : رأيت أنس بن مالك إذا قيل : قد قامت الصلاة - قام ، فوثب .

4111 - وعن الحسن وابن سيرين أنهما كانا يكرهان أن يقوما حتى يقول المؤذن : قد قامت الصلاة .

4112 - وقال فرقد السبخي للحسن : أرأيت إذا أخذ المؤذن في الإقامة أأقوم أم حتى يقول : قد قامت الصلاة ؟ فقال الحسن : أي ذلك شئت .

4113 - وروى كلثوم بن زياد ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال : إذا قال المؤذن : الله أكبر - وجب القيام ، فإذا قال : حي على الصلاة - اعتدلت الصفوف ، فإذا قال : لا إله إلا الله - كبر الإمام .

4114 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إذا لم يكن الإمام معهم في المسجد فإنهم لا يقومون حتى يروا الإمام .

4115 - وهو قول الشافعي وداود ، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : إذا كان الإمام معهم في المسجد فإنهم يقومون في الصف إذا قال المؤذن : حي على الفلاح .

[ ص: 59 ] 4116 - وقال الشافعي وأصحابه وداود : البدار في القيام إلى الصلاة أولى في أخذ المؤذن في الإقامة ; لأنه بدار إلى فعل بر ، وليس في شيء من ذلك شيء محدود عندهم .

4117 - وحجتهم حديث أبي قتادة عن النبي - عليه السلام - أنه قال : " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " .

4118 - وقد ذكرنا أسانيد هذه الآثار كلها في التمهيد .

4119 - وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سألت أبي عن الإمام : أيكبر إذا قال المؤذن : حي على الصلاة ، قد قامت الصلاة - أو حين يفرغ من الإقامة ؟ فقال : حديث أبي قتادة : " لا تقوموا حتى تروني " .

4120 - وقد روي عن ابن عمر أنه كان يبعث إلى الصفوف ، فإذا استوت ، كبر . وحديث : " لا تسبقني بآمين " ، فأرجو ألا يضيق ذلك .

4121 - قال أبو عمر : قوله : وحديث " لا تسبقني بآمين " ; يعني حديث [ ص: 60 ] بلال أنه كان يتولى إقامة الصلاة ، فقال للنبي - عليه السلام - : لا تسبقني بآمين ; أي لا تسبقني بقراءة فاتحة الكتاب ; فيفوتني معك قول : آمين .

4122 - ومن هاهنا قال أبو هريرة : من فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير .

4123 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا محمد بن بكر ، حدثنا أبو داود ، قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي عثمان ، عن بلال أنه قال : يا رسول الله ، لا تسبقني بآمين .

4124 - وفي هذا الحديث أن رسول الله كان يكبر للإحرام ، ويقرأ وبلال في إقامة الصلاة .

4125 - وهو مخالف لحديث أبي هريرة ، وحديث أبي قتادة ; فلذلك قال أحمد : أرجو ألا يضيق شيء مما قيل في هذا الباب .

4126 - وفي حديث بلال أن رسول الله كان يقول : آمين .

4127 - وقال الأثرم : قلت لأحمد بن حنبل في حديث أبي قتادة عن النبي عليه السلام " إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني " : أتذهب إليه ؟

4128 - قال أنا أذهب إلى حديث أبي هريرة ، قال : خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أقمنا الصفوف - فأقبل يمشي حتى أتى مقامه ، فذكر أنه لم يغتسل .

[ ص: 61 ] 4129 - إسناده جيد ورواه الزهري عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، ولا أدفع حديث أبي قتادة .

4130 - قال أبو عمر : وحديث أبي قتادة رواه يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن النبي عليه السلام ، وخرجه أهل الصحيح كلهم .

4131 - وأما قوله : وسئل عن قوم حضور أرادوا أن يجمعوا المكتوبة; فأرادوا أن يقيموا ولا يؤذنوا ، فقال مالك : ذلك مجزئ عنهم ، وإنما يجب النداء في مساجد الجماعات التي تجمع فيها الصلاة - فقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلاف استحباب ، وما أعلم أحدا أفسد صلاة من لم يؤذن إذا أقام ، بل الصلاة مجزئة عند جميعهم إذا صليت بإقامة ، وكذلك عند الجمهور ولو لم يقيموا ، وقد أساءوا .

4132 - وقال الشافعي : ترك رسول الله التأذين حين جمع بين الصلاتين بمزدلفة ويوم الخندق - دليل على أن التأذين ليس بواجب فرضا .

4133 - ولو لم تجز الصلاة إلا بأذان لم يدع ذلك وهو بمكة .

4134 - قال : وإذا كان هكذا في الأذان كانت الإقامة كذلك ; لأنهما جميعا غير الصلاة .

4135 - وقال الشافعي : لا أحب لأحد أن يصلي في جماعة ، ولا وحده إلا [ ص: 62 ] بأذان وإقامة . والإقامة عنده أوكد ، وهو قول الثوري ومالك أيضا .

4136 - قال مالك والثوري : لا يجتزئ بإقامة أهل المصر - المصلي وحده .

4137 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : إن استجزأ بإقامة أهل المصر وأذانهم أجزأه . ويستحبون إذا صلى وحده أن يؤذن ، ويقيم .

4138 - ويأتي القول في أذان المسافر والمنفرد في باب الأذان في السفر بعد هذا الباب .

4139 - وأما قوله : وسئل عن تسليم المؤذن على الإمام ودعائه إياه للصلاة ، ومن أول من سلم عليه ؟ فقال : لم يبلغني أن التسليم كان في الزمان الأول فهو كما قال ، لم يكن ذلك في زمن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم .

4140 - ويقال : أول من فعل ذلك معاوية ; أمر المؤذن بأن يشعره ، ويناديه ، فيقول : السلام على أمير المؤمنين ، ورحمة الله ، الصلاة ، يرحمك الله .

4141 - وقد قيل : إن المغيرة بن شعبة أول من فعل ذلك ، والأول أصح .

4142 - وكان مالك يقول : في حي على الصلاة ، حي على الفلاح - ما يكفي من الدعاء إليها .

4143 - قال أبو عمر : من خشي على نفسه الشغل عن الصلاة بأمور المسلمين ، وما يجوز فعله - فلا بأس أن يقيم لذلك من يؤذنه بالصلاة ، ويشعره بإقامتها .

[ ص: 63 ] 4144 - وأما قوله في مؤذن أذن بقوم ، ثم انتظر هل يأتيه أحد ، فأقام ، فصلى وحده ، ثم جاء الناس من بعد أن فرغ من الصلاة - : إنهم يصلون أفرادا ، ولا يجمعون ، ولو جمعوا لم يجمع معهم - هذا معنى قوله دون لفظه - فإن ابن نافع قال : إنما عنى مالك بالمؤذن هنا الإمام الراتب إذا انتظر القوم ، وصلى ، ثم أتى الناس لم يجمعوا ، ولم يؤذن المؤذن .

4145 - قال ابن نافع : فإن لم يكن الإمام الراتب فلا بأس أن يجمعوا تلك الصلاة في ذلك المسجد ، ويصليها ذلك المؤذن معهم .

4146 - قال أبو عمر : تفسير ابن نافع لذلك تفسير حسن على أصل مذهب مالك في ذلك ; لأنه لم يختلف قوله : إن كل مسجد له إمام راتب إنه لا تجمع فيه صلاة واحدة مرتين ، فإن كان مسجد على طريق يصلي فيه المارة يجمعون فيه ، فلمن جاء بعدهم أن يجمع فيه ، وهو قول ابن القاسم ، وأجاز ذلك أشهب .

4147 - وروى ابن مزين عن أصبغ ، قال : دخلت المسجد مع أشهب ، وقد صلى الناس ، فقال لي : يا أصبغ ، ائتم بي وتنحى إلى زاوية فأتممت به .

[ ص: 64 ] 4148 - وفي " العتبية " لأشهب ، عن مالك في مسجد له إمام راتب في بعض الصلوات دون بعض - أنه لا بأس أن يجمع فيه من الصلوات مرتين ما لا يجمع بإمام راتب .

4149 - وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا تجمع فيه صلاة مرتين : لا من الصلوات التي يجمع فيها بالإمام الراتب ، ولا من غيرها .

4150 - قال أبو عمر : هذه المسألة لا أصل لها إلا إنكار جمع أهل الزيغ والبدع ، وألا يتركوا وإظهار نحلتهم ، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة [ ص: 65 ] لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام ، ثم يأتون بعده ، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم ، فرأى أهل العلم أن يمنعوا من ذلك ، وجعلوا الباب بابا واحدا ، فمنعوا منه الكل . والأصل ما وصفت لك .

4151 - وقال الثوري كقول مالك في هذه المسألة : لا تجمع صلاة في مسجد واحد مرتين ، ومن أتى مسجدا وقد صلى أهله فليصل وحده .

4152 - قال أبو حنيفة وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، وأبو ثور ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق ، وداود بن علي ، وجمهور الفقهاء ، وأهل العلم - : لا بأس أن يجمع في المسجد مرتين .

[ ص: 66 ] [ ص: 67 ] 4153 - واحتج أصحاب داود بالأحاديث في فضل صلاة الجماعة ، وبأن الله لم ينه عن ذلك ولا رسوله ، ولا اتفق أهل العلم عليه ، فلا وجه للنهي عنه .

4154 - واحتج غيرهم في ذلك أيضا .

4155 - حدثنا أبو محمد قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن سعيد ، حدثنا محمد بن إبراهيم بن سحنون ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الصايغ بمكة ، وأبو داود السجستاني بالبصرة ، قالا : حدثنا أبو سلمة موسى بن إسماعيل ، قال : حدثنا وهيب بن خالد ، قال : حدثنا سليمان بن الأسود عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري أن النبي - عليه السلام - صلى إحدى صلاتي العشي ، فلما سلم دخل رجل لم يدرك الصلاة معه ، فاستقبل القبلة ليصلي ، فقال النبي ، عليه السلام : " ألا رجل يتصدق على هذا ، فيصلي معه ؟ " فقام رجل ممن صلى مع النبي - عليه السلام - فصلى معه .

4156 - قال محمد بن إبراهيم ، وحدثنا إسماعيل بن إسحاق ، ومحمد بن [ ص: 68 ] إسماعيل قالا : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد عن ثابت ، عن أنس أنه دخل البصرة وقد صلى أهله ومعه قوم ، فسأل ، فقالوا : قد صلينا . فأمر بإقامة الصلاة ، وقد تقدم فصلى بمن معه .

4157 - قال أبو ثور : إذا أذنوا ، وأقاموا ، وصلوا جماعة - فهو أحب إلي .

4158 - وحدثنا عبد الوارث وسعيد ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن وضاح ، قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا : عبدة بن سليمان ، عن ابن أبي عروبة ، عن سليمان الناجي ، عن أبي المتوكل ، عن أبي سعيد قال : جاء رجل وقد صلى النبي - عليه السلام - فقال : " أيكم يتجر على هذا ؟ " ، فقام رجل من القوم ، فصلى معه .

4159 - وذكرنا في المصنف ، قال : حدثنا هشيم ، قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، قال : دخل رجل المسجد وقد صلى النبي - عليه السلام - فقال : " ألا رجل يتصدق على هذا فيقوم فيصلي معه ؟ " .

4160 - وممن أجاز ذلك ابن مسعود ، وأنس ، وعلقمة ، ومسروق ، والأسود ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء على اختلاف عنه .

4161 - وقال : إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان .

4162 - وأما قوله : وسئل مالك عن أهل المسجد : هل يصلون بإقامة [ ص: 69 ] غير المؤذن ؟ . فقال : لا بأس بذلك ; إقامته وإقامة غيره سواء ، فهذه مسألة خلاف أيضا .

4163 - فأما مالك وأبو حنيفة وأصحابهما فقالوا : لا بأس أن يؤذن المؤذن ، ويقيم غيره .

4164 - وقال الثوري ، والليث بن سعد ، والشافعي وأصحابه : من أذن فهو يقيم .

4165 - وهو قول أكثر أهل الحديث . وحجتهم حديث عبد الله بن الحارث الصدائي ، قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلما كان أول أذان الصبح أمرني ، فأذنت ، ثم قام إلى الصلاة ، فقام بلال ليقيم ; فقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن أخا صداء أذن ، ومن أذن فهو يقيم " .

[ ص: 70 ] 4166 - وهو حديث انفرد به عبد الرحمن بن زياد الإفريقي ، وليس بحجة عندهم .

4167 - وحجة مالك حديث عبد الله بن زيد حين أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالأذان ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يلقيه على بلال ، وقال : " وهو أندى صوتا " ، فلما أذن بلال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن زيد : " أقم أنت " فأقام .

4168 - وهذا الحديث أحسن إسنادا من حديث الإفريقي .

4169 - ومن جهة النظر ليست الإقامة مضمنة بالأذان ; فجائز أن يتولاها غير متولي الأذان .

4170 - وأما قوله : لم تزل الصبح ينادى لها قبل الفجر . فأما غيرها من الصلوات فإنا لم نرها ينادى لها إلا بعد أن يحل وقتها .

4171 - فهذا يدلك على أن الأذان عنده مأخوذ من العمل ; لأنه لا ينفك منه كل يوم ، فيصح الاحتجاج فيه بالعمل ; لأنه ليس مما ينسى .

[ ص: 71 ] 4172 - وكذلك غيره احتج بالعمل فيه أيضا لما قدمنا ذكره .

4173 - وكذلك اختلف العلماء في هذه المسألة :

4174 - فذهب أهل الحجاز ، والشام ، وبعض أهل العراق - إلى إجازة الأذان لصلاة الفجر قبل طلوع الفجر .

4175 - وممن قال بذلك مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، والطبري . وهو قول أبي يوسف القاضي .

4176 - وروى عبد الملك بن الحسن عن ابن وهب ، قال : لا يؤذن لها إلا بالسحر . فقيل له : وما السحر ؟ قال : السدس الآخر .

4177 - وقال ابن حبيب : يؤذن لها من بعد خروج وقت العشاء ، وذلك نصف الليل .

4178 - وقال أبو حنيفة ، ومحمد بن الحسن ، والثوري : لا يؤذن للفجر حتى يطلع الفجر .

4179 - وهو قول ابن مسعود وأصحابه ، وعائشة ، وإبراهيم النخعي ، ونافع مولى ابن عمر ، والشعبي ، وجماعة .

4180 - وقد ذكرنا حجة كل فرقة منهم من جهة الآثار في باب حديث الزهري عن سالم عند قوله ، عليه السلام : " إن بلالا ينادي بليل " ، من كتاب [ ص: 72 ] التمهيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية