الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1302 [ ص: 81 ] باب ما جاء في ثمر المال يباع أصله 1263 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من باع نخلا قد أبرت ، فثمرها للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع " .


[ ص: 82 ] 28263 - قال أبو عمر : لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحة هذا الحديث ، وهو عند جميعهم صحيح .

28264 - وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " من باع نخلا قد أبرت ; فالأبار عند أهل العلم ، وأهل اللغة لقاح النخل ، يقال منه : أبر النخل ، يؤبرها ، أبرا ، أو تأبرت تأبرا .

28265 - قال الخليل : الأبار : لقاح النخل .

28266 - قال : والأبار أيضا علاج الزرع بما يصلحه من السقي ، والتعاهد .

28267 - قال الشاعر :

ولي الأصل الذي في مثله يصلح الآبر زرع المؤتبر

.

28268 - ولا أعلم بين أهل العلم خلافا أن التلقيح هو أن يؤخذ طلع ذكور النخل ، فيدخل بين ظهراني طلع الإناث .

28269 - وأما معنى الأبار في سائر ثمار الأشجار : فابن القاسم يراعي ظهور الثمرة لا غير ، ومعناه انعقاد الثمرة ، وثبوتها .

28270 - وقال ابن عبد الحكم : كل ما لا يؤبر من الثمار ، فاللقاح فيه بمنزلة [ ص: 83 ] الأبار في النخل ، واللقاح أن تنور الشجرة ، ويعقد ، فيسقط منه ما يسقط ، ويثبت ما يثبت ، فهذا هو اللقاح فيما عدا النخيل من الأشجار .

28271 - قال : وأما أن يورق ، أو ينور فقط ، فلا . هذا فيما يذكر من ثمار الأشجار ، وأما ما يذكر من ثمار شجر التين ، وغيرها ، فإن إباره التذكير .

28272 - وهذا قول الشافعي ، وسائر العلماء .

28273 - ولم يختلفوا في أن الحائط إذا تشقق طلع إناثه ، فأخذ إباره ، وقد أبر غيره مما حاله مثل حاله أن حكمه حكم ما قد أبر ; لأنه قد جاء عليه وقت الأبار ، وظهرت إبرته بعد مغيبها في الجف .

28274 - وأما اختلاف العلماء في ثمار النخيل يباع أصله : 28275 - فقال مالك ، والشافعي ، وأصحابهما ، والليث بن سعد بظاهر حديث ابن عمر المذكور في أول هذا الباب .

28276 - قالوا : إذا كان في النخل ثمر ، وقد أبر قبل عقد البيع ، فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، فإن اشترطه المبتاع في صفقة واحدة ، فهو له ، وإن كان النخل لم يؤبر ، فالثمر للمشتري بالعقد من غير شرط .

[ ص: 84 ] 28277 - وإن كان بعض الحائط مؤبرا ، أو بعضه لم يؤبر كان ما أبر منه للبائع ، وما لم يؤبر للمشتري ، فإن كان المؤبر ، أو غيره الأقل كان تبعا للأكثر منهما .

28278 - وهذا كله قول مالك .

28279 - وقد روي عنه أن المؤبر قليلا أو كثيرا للبائع ، والذي لم يؤبر قليلا أو كثيرا للمبتاع ، كما لو كان المؤبر ، أو غير المؤبر متساويين .

28280 - وأجاز مالك - رحمه الله - للمشتري أصول النخل المؤبر إذا لم يشترط الثمرة أن يشتريها هو وحده دون غيره قبل بدو صلاحها في صفقة واحدة ، كما كان له أن يشترطها في صفقة .

28281 - هذه رواية ابن القاسم عنه في هذه المسألة ، وفي مال العبد .

28282 - وروى ابن وهب عن مالك أن ذلك لا يجوز فيها لا له ، ولا لغيره .

28283 - ولم يجز ذلك الشافعي ، ولا الثوري ، ولا أحمد ، ولا إسحاق ، ولا أبو ثور ، ولا داود ، ولا الطبري .

28284 - وكذلك قال المغيرة ، وابن دينار ، وابن عبد الحكم ، وهو الصواب .

[ ص: 85 ] 28285 - فإن لم يشترطه المبتاع ، فالثمرة للبائع متروكة في النخل إلى الجذاذ .

28286 - وقال الشافعي : ومعقول إذا كانت الثمرة للبائع أن على المشتري تركها في شجرها إلا أن تبلغ الجذاذ ، والقطاف من الشجر ، فإذا كان لا يصلح بها إلا السقاء ، فعلى المشتري تخلية البائع ، وما يكفي من السقي ، وإنما من الماء ما تصلح به الثمرة مما لا غنى له عنه ، وهذا كله معنى قول مالك ومن ذكرنا معه .

28287 - وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : إذا باع الرجل نخلا ، أو شجرا فيها ثمر قد ظهر ، فهو للبائع إذا لم يشترطه المشتري ، وعليه قلعه من شجر المشتري ومن نخله ، وليس له تركه إلى الجذاذ ، ولا إلى غيره ، وسواء عندهم أبر ، أو لم يؤبر إذا كان قد ظهر في النخل .

28288 - فإن اشترط البائع في البيع ترك الثمرة إلى الجذاذ ، فإن أبا حنيفة ، وأبا يوسف قالا : البيع فاسد .

28289 - وقال محمد بن الحسن : إذا كان صلاحها لم يبد فالبيع فاسد إن اشترط البائع بقاءها إلى جذاذها ، وإن كان قد بدا صلاحها فالبيع ، والشرط جائزان .

28290 - واختاره الطحاوي .

28291 - قال أبو عمر : خالف الكوفيون السنة في ذلك إلى قياس ، [ ص: 86 ] ولا قياس مع النص .

28291 م - ومن حجتهم الإجماع على أن الثمرة لو لم تؤبر حتى تناهت ، وصارت بلحا ، أو بسرا ، وبيع النخل أن الثمرة لا تدخل فيه .

28292 - قالوا : فعلمنا أن المعنى في ذكر التأبير ظهور الثمرة ، فاعتبروا ظهور الثمرة ، ولم يعرفوا بين المؤبر وغير المؤبر .

28293 - وقال ابن أبي ليلى : سواء أبر النخل ، أو لم يؤبر ، إذا بيع أصله ، فالثمرة للمشتري اشترطها ، أو لم يشترطها كسعف النخل .

28294 - قال أبو عمر : هذا أشد خلافا للحديث ، وبالله التوفيق .

28295 - وقال ابن القاسم ، عن مالك : من اشترى أرضا فيها زرع ولم يبد صلاحه ، فالزرع للبائع ، إلا أن يشترطه المشتري .

28296 - وبدو صلاحه عند ابن القاسم أن يبرز ، ويظهر ، ويستقل .

28297 - وإن وقع البيع ، والبذر لم ينبت ، فهو للمبتاع بغير شرط ، ولا يحتاج إلى شرط .

28298 - وقد روي عن مالك أنه للبائع .

28299 - وذكر ابن عبد الحكم ، عن مالك ، قال : ومن ابتاع أرضا ، وفيها زرع قد ألقح ، فهو للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ، وإن كان لم يلقح ، فهو [ ص: 87 ] للمبتاع .

28300 - قال : وكذلك لو ألقح أكثره كان للبائع كله دون المبتاع .

28301 - وقال : ولقاح القمح ، والشعير أن يحبب ، ويسنبل حتى لو يبين - حينئذ - لم يكن فسادا .

28302 - وقولهم في اشتراط نصف الثمرة ، وغيرها كقولهم في اشتراط نصف مال العبد ، أو بعضه ، وقد تقدم ذكر ذلك في بابه ، والحمد لله كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية