الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1309 [ ص: 110 ] ( 9 ) باب الجائحة في بيع الثمار والزرع

1268 - مالك ، عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن ، عن أمه [ ص: 111 ] عمرة بنت عبد الرحمن ; أنه سمعها تقول : ابتاع رجل ثمر حائط في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعالجه وقام فيه حتى تبين له النقصان ، فسأل رب الحائط أن يضع له أو يقيله ، فحلف أن لا يفعل ، فذهبت أم المشتري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تألى أن لا يفعل خيرا " فسمع بذلك رب الحائط ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : يا رسول الله هو له .

1269 - مالك ; أنه بلغه أن عمر بن عبد العزيز قضى بوضع [ ص: 112 ] الجائحة . قال مالك : وعلى ذلك الأمر عندنا .

قال مالك : والجائحة التي توضع عن المشتري ، الثلث فصاعدا ، ولا يكون ما دون ذلك جائحة .


28393 - قال أبو عمر : ليس في حديث عمرة ما يدل على إيجاب وضع الجائحة ، وإنما فيه الندب إلى الوضع .

28394 - وهو نحو حديث ابن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن بكير بن الأشج ، عن عياض بن عبد الله ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : أصيب رجل في ثمار ابتاعها ، وكثر دينه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " تصدقوا عليه " ، فتصدق عليه ، فلم يبلغ وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذوا ما وجدتم ، وليس لكم إلا ذلك " فلم يأمر بوضع الجائحة ، وأخبرهم أن ليس لهم غير ما وجدوا ; لأنه لم يبق له شيء يأخذونه ، فليس لهم غير ما وجدوا ; لأنه لم يبق لهم شيء يأخذونه ، وقد أنظر الله المعسر إلى الميسرة .

[ ص: 113 ] 28395 - وأما اعتبار مالك في مقدار الجائحة الثلث ، فلأن ما دونه عنده في حكم التافه الذي لا يسلم منه بهذه .

28396 - وأما اختلاف فقهاء الأمصار في وضع الجوائح فقد تقدم قول مالك في موطئه في ذلك .

28397 - وروى ابن وهب ، وغيره ، عنه في بيع البطيخ ، والقثاء إذا بدا صلاحه جاز للمشتري ما ينبت منه حتى تنقطع ثمرته ; لأن وقته معروف عند الناس ، فإن أصابته جائحة ، فقطعت ثمرته قبل أن يأتي ذلك الوقت ، فبلغ الثلث ، أو أكثر كان ذلك موضوعا عن الذي ابتاعه .

28398 - وقال ابن القاسم عنه مثل ذلك ، وزاد ، قال : ينظر إلى الميقات كما لو أنهما من أول ما يشتري إلى آخر ما ينقطع ثمرتها فينظر إلى قيمته في كل زمان على قدر ارتفاع الأسواق ، والأرضين ، ثم يقسم الثمن على ذلك ، ثم يمتثل فيه أن يقسم الثمن على ذلك ، ويمتثل ما يجب امتثاله عند الجوائح .

28399 - وكذلك الورد ، والياسمين ، والتفاح ، والموز ، والأترج ، وكل شيء يجنى بطنا بعد بطن .

28400 - فأما ما يخرص من النخل ، والعنب ، وما ييبس ويدخر ، فإنه ينظر [ ص: 114 ] إلى ثلث الثمرة ، إذا أصابتها الجائحة وضع عن المشتري ثلث الثمن ، فلا تقويم .

28401 - وقال أشهب : لا ينظر في ذلك إلى ثلث الثمرة ، وإنما ينظر إلى القيمة يوم وقفت الصفقة .

28402 - وبين أشهب ، وابن القاسم في هذا الباب اختلاف كثير ، قد ذكرته في كتاب اختلافهم .

28403 - قال مالك : والبقول ، والكراث ، والجزر ، والبصل ، والفجل ، وما أشبه إذا اشتراه رجل ، فأصابته جائحة ، فإنه يوضع عن المشتري بكل شيء أصابته الجائحة ، قل ، أو كثر ، وكل ما ييبس ويصير تمرا أو زبيبا وأمكن قطافه ، فلا جائحة فيه .

28404 - وقال أشهب : المقاثي بمنزلة البقل يوضع عن المشتري قليل الجائحة وكثيرها .

28405 - قال : والجراد ، والنار ، والبرد ، والمطر ، والطير الغالب ، والعفن ، والسموم ، وانقطاع ماء العيون كله من الجوائح إلا الماء فإنه يوضع ، وإن كان أقل من الثلث ، لأن الماء من سبب ما يباع .

28406 - وقال أحمد بن حنبل ، وطائفة من أهل الحديث : الجائحة من البائع كلها قليلها ، وكثيرها ، ولم يلتفتوا في ذلك إلى الثلث .

[ ص: 115 ] 28407 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، وأصحابهما : من اشترى ثمرة من نخل ، أو من سائر الشجر كانت أو زرعا في الأرض ، أو غير ذلك في حال يجوز البيع في ذلك فقبضه بما يقبض به مثله ، فأصابته جائحة أهلكته كله ، أو بعضه ، فهو من مال المشتري .

28408 - وهو قول داود ، والطبري .

التالي السابق


الخدمات العلمية