الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1315 1276 - مالك ، عن عبد الحميد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي سعيد الخدري ، وعن أبي هريرة ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر ، فجاءه بتمر جنيب ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " أكل تمر خيبر هكذا ؟ " فقال لا ، والله يا رسول الله ، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين . والصاعين بالثلاثة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تفعل . بع الجمع بالدراهم . ثم ابتع بالدراهم جنيبا " .


[ ص: 142 ] 28501 - هكذا قال يحيى ، عن مالك في هذا الحديث : عبد الحميد ، وأكثر الرواة يقولون : عبد المجيد وقد تقدم في صدر هذا الباب .

28502 - وأما عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيبر الذي جاءه بالتمر الجنيب المذكور في حديث عبد الحميد بن سهيل هذا ، وحديث عطاء بن يسار أيضا ، فهو سواد بن غزية البلوي الأنصاري ، حليف بني عدي بن النجار ، وهو ممن شهدا بدرا ، وقد ذكرناه في كتاب الصحابة .

[ ص: 143 ] 28503 - روى الدراوردي ، عن عبد الحميد بن سهيل ، عن سعيد بن المسيب أن أبا سعيد ، وأبا هريرة حدثناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سوار بن غزية أخا بني عدي من الأنصار وأمره على خيبر ، فقد مر عليه بتمر جنيب ، فقال : له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكل تمر خيبر هكذا " فقال : لا ، وذكر الحديث بمعنى حديث مالك ، هذا سواء .

28504 - وفي هذا الحديث ، وفي الذي قبله من الفقه أن التمر كله جنس واحد ، رديئه وجيده ، ورفيعه ووضيعه ، لا يجوز التفاضل في شيء منه .

28505 - ويدخل في معنى التمر : جميع الطعام ، فلا يجوز في الجنس الواحد منه بعضه ببعض الزيادة ، ولا النسيئة ، فإن كان جنسين وصنفين من الطعام مختلفين لم يجز فيه التشبيه ، وجاز فيه التفاضل .

28506 - فهذا حكم الطعام المقتات المدخر كله عند مالك .

[ ص: 144 ] 28507 - وأما الشافعي ، فالطعام كله مقتات ، وغير مقتات مدخرا كان أو غير مدخر عنده ، لا يجوز بيع بعضه ببعض ، متفاضلا ، ولا نسيئة .

28508 - وعند الكوفيين الطعام المكيل كله ، وكذلك الموزون عندهم ، وسنبين مذاهبهم في موضعها من كتابنا هذا - إن شاء الله تعالى .

28509 - وقد أجمعوا على أن الجنس الواحد من المأكولات يدخله الربا من وجهين ، لا يجوز بعضه ببعض متفاضلا ، ولا بعضه ببعض نسيئة ، إلا أن كل واحد منهم على أصله المذكور في الاقتيات وغيره ، والكيل والوزن وغيرهما .

28510 - والجنس الواحد من الطعام كالذهب بالذهب ، لا يجوز شيء منه بشيء متفاضلا ، ولا نسيئة .

28511 - وكذلك الورق بالورق فإذا اختلف الجنسان ذهبا بورق جاز فيهما التفاضل يدا بيد ، ولا تحل فيهما النسيئة .

28512 - وهكذا الطعام ، وسنذكر اختلافهم في أصنافه في موضعها - إن شاء الله تعالى .

28513 - وفيه أن من لم يعلم بتحريم الشيء ، فلا حرج عليه حتى يعلم إذا كان ذلك الباب مما يعذر الإنسان بجهله من علم الخاصة .

28514 - قال الله عز وجل : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ ص: 145 ] الإسراء : 15 .

28515 - ومثله قوله عز وجل : وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون التوبة : 115 .

28516 - والبيع إذا وقع محرما ، فهو مفسوخ مردود ، وإن جهله فاعله .

28517 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

28518 - وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برد هذا البيع من حديث بلال بن رباح ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضا .

28519 - وروى منصور ، وقيس بن الربيع ، عن أبي حمزة ، عن سعيد بن المسيب ، عن بلال قال : كان عندي تمر دون ، فابتعت أجود منه في السوق بنصف . [ ص: 146 ] كيله صاعين بصاع ، وأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " من أين لك هذا ؟ " فحدثته بما صنعت ، فقال : هذا الربا بعينه ، انطلق ، فرده على صاحبه ، وخذ تمرك ، وبعه بحنطة ، أو شعير ، ثم اشترى من هذا التمر ثم ائتني به " ، ففعلت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : التمر بالتمر مثلا بمثل ، والذهب بالذهب وزنا بوزن ، والورق بالورق وزنا بوزن ، فما كان من فضل ، فهو ربا ، فإذا اختلفت فخذوا واحدا بعشرة " .

28520 - وفي اتفاق الفقهاء على أن البيع إذا وقع بالربا ، فهو مفسوخ أبدا دليل واضح على أن بيع عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصاعين بالصاع كان قبل نزول آية الربا ، وقبل أن يتقدم إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التفاضل عن ذلك ، ولهذا سأله عن فعله ليعلمه بما أحدث الله فيه من حكمه ، ولذلك لم يأمر بفسخ ما لم يتقدم فيه إليهم ، والله أعلم .

28521 - وقد احتج بظاهر هذا الحديث من أجاز أن يبيع الرجل الطعام من رجل بالنقد ، ويبتاع منه بذلك النقد طعاما قبل الافتراق ، وبعده ; لأنه لم [ ص: 147 ] يخص فيه بائع الطعام ، ولا مبتاعه من غيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية