الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
28609 - قال مالك : فإن فني قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى ، رد عليه البائع من ذهبه ، بحساب ما بقي له ، أو يأخذ منه المشتري سلعة ما بقي له ، [ ص: 167 ] يتراضيان عليها . ولا يفارقه حتى يأخذها ، فإن فارقه ، فإن ذلك مكروه ، لأنه يدخله الدين بالدين ، وقد نهي عن الكالئ بالكالئ فإن وقع في بيعهما أجل ، فإنه مكروه ، ولا يحل فيه تأخير ولا نظرة ، ولا يصلح إلا بصفة معلومة ، إلى أجل مسمى ، فيضمن ذلك البائع للمبتاع ، ولا يسمى ذلك في حائط بعينه ، ولا في غنم بأعيانها .


28610 - قال أبو عمر : قوله : إن فني اللبن أو الفاكهة قبل أن يستوفي المشتري ما اشترى من ذلك رد عليه البائع من ذهبه بحساب ما بقي له ، فلأنه على ما ذكره في الراوية من الزيت تنشق ، ويذهب زيتها وقد قبض المشتري ، بعد ما عقد عليه صفقته من تلك الراوية ينفسخ البيع فيما لم يقبض ، ولا يلزم للبائع أن يأتيك بمثله ، لأنه ليس بسلم مضمون عليه في ذمته ، فإذا انفسخ البيع فيما وصفنا رجع بحصته من الثمن ; لأنه الواجب له ، وإذا وجب له كان أن يأخذ فيه ما شاء من السلع تاجرا ، وأن أخذه دخله الدين بالدين ; لأنه دين وجب له في ذمته الذي قبض منه ثمن ما لم يوف البدل منه ، فإن أخذه بما يأخذ منه كان كمن قد فسخ دينه ذلك بدين .

28611 - وأما قوله : " وإن وقع في بيعهما أجل " إلى آخر كلامه ، فإنما كره ذلك ; لأن الأعيان المبيعة لا يجوز الاشتراط في قبضها ; إلا بصفة معلومة ، إلا ما كان في العقار المأمون ، وما أشبهه ، وإنما يصح الأجل في بيع الصفات المضمومات ، وهي السلم المعلوم في صفة معلومة ، وكيل معلوم ، أو وزن معلوم إلى [ ص: 168 ] أجل معلوم ، وهذا لا يجوز عند الجمهور في حائط معلوم بعينه ، ولا في ثمن لبن بأعيانها .

28612 - وقد روي عن مالك أن السلم في حنطة فدية كذا معينة إذا كانت كثيرة لا تختلف في الأغلب جائز ، وأصل مذهبه ما في " الموطأ " كراهة ذلك ; لأنه غرر .

28613 - وقد كان الشافعي يقول : من شرائط المسلم الذي به يصلح أن يكون ما أسلم فيه من الطعام يقول فيه من حصاد عام كذا .

28614 - وأنكره الكوفيون ، وجعلوه من باب سلم في عين معدومة غير مضمونة ، وهو غير جائز عند الجميع .

28615 - قال أبو عمر : لا يختلفون في قليل جواز الغرر ; لأنه لا يسلم منه بيع ، ولا يمكن الإحاطة بكل المبيع لا بنظر ، ولا بصفة ، والأغلب في العام السلامة إن لم يكن في تلك كان في آخر ، ويأتي هذا في موضعه - إن شاء الله عز وجل .

التالي السابق


الخدمات العلمية