الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1324 [ ص: 198 ] 1285 - مالك عن نافع ، عن أبي سعيد الخدري ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تبيعوا الذهب بالذهب . إلا مثلا بمثل . ولا تشفوا بعضها على بعض . ولا تبيعوا الورق بالورق . إلا مثلا بمثل . ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منها شيئا غائبا بناجز " .

1286 - ومثله أيضا حديث مالك ، عن حميد بن قيس المكي ، عن مجاهد ; أنه قال : كنت مع عبد الله بن عمر . فجاءه صائغ . فقال له : يا أبا عبد الرحمن ، إني أصوغ الذهب ، ثم أبيع الشيء من ذلك بأكثر من [ ص: 199 ] وزنه فأستفضل من ذلك قدر عمل يدي ، فنهاه عبد الله عن ذلك ، فجعل الصائغ يردد عليه المسألة ، وعبد الله ينهاه ، حتى انتهى إلى باب المسجد ، أو إلى دابة يريد أن يركبها ، ثم قال عبد الله بن عمر : الدينار بالدينار ، والدرهم بالدرهم ، لا فضل بينهما ، هذا عهد نبينا إلينا ، وعهدنا إليكم .


28714 - ألا ترى أن ابن عمر جعل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " الدينار بالدينار " بما فهم من مخرجه ، كالمصوغ بالدنانير ، وأرسله حجة على ذلك ، وقال : إنه عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

28715 - ولو لم يكن في هذا الباب إلا حديث نافع ، عن أبي سعيد الخدري كان حجة بالغة ; لثبوته ، وبيانه .

28716 - وقد رواه ابن عمر ، عن أبي سعيد الخدري ، ومع ابن عمر كان نافع إذ سمعه من أبي سعيد .

28717 - وكذلك رواه أيوب ، وعبيد الله ، ويحيى بن أبي كثير ، وغيرهم ، عن نافع ، قال : دخلت مع ابن عمر على أبي سعيد ، فذكر [ ص: 200 ] الحديث وقد ذكرته بطرقه في " التمهيد " .

28718 - وفيه تحريم الشفوف بعضها على بعض في الذهب بالذهب ، والورق بالورق ، وكذلك يقتضي قليل الزيادة وكثيرها .

28719 - وأما قوله فيه ; ولا يباع منه غائب بناجز ، فقد اختلف العلماء من معناه في تعاطي الدنانير من الدراهم ، والدراهم من الدنانير ، وسنذكره في باب بيع الطعام إلى أجل بطعام ; لأن فيه القول في تقاضي الطعام .

28720 - واختلفوا من ذلك في الدينين يصارف عليهما : 28721 - فقال مالك : من كان له على أحد دراهم وعلى الآخر دنانير جاز أن يشتري أحدهما ما عليه بما على الآخر من الافتراق ، إن [ ص: 201 ] كانا لم يفترقا .

28722 - وهو قول ابن القاسم .

28723 - وقال أبو حنيفة : يجوز في الحال ، وفي غير الحال .

28724 - وقال الشافعي ، والليث : لا يجوز في الحال ، ولا في غير الحال ; لأنه غائب بغائب ، وإذا لم يجز غائب بناجز أحرى أن لا يكون غائبا بغائب .

28725 - وهو قول ابن وهب وابن كنانة .

28726 - وقد روي عن الشافعي في ذلك مثل قول مالك ، وابن القاسم .

28727 - قال أبو عمر : إذا اجتمع المتصارفان فالذمم كالعين إذا لم يفترقا ، إلا وقد تفاضلا في صرفها ذلك .

28728 - يشهد له حديث ابن عمر : كنت أبيع الإبل بالبقيع ، فآخذ من الدنانير دراهم . الحديث نذكره عند ذكرنا تقاضي الطعام من ثمن [ ص: 202 ] [ ص: 203 ] [ ص: 204 ] الطعام - إن شاء الله عز وجل .

28729 - ومن معنى حديث ابن عمر عن الصائغ مسألة رواها جماعة من أصحاب مالك ، وهي مسألة سواء منكرة لا يقول بها أحد من فقهاء المسلمين .

28730 - وقد روي عن كثير من أصحاب مالك ، وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه الخروج وبه حاجة إلى دراهم مضروبة أو دنانير مضروبة فيأتي دار الضرب بفضته أو ذهبه فيقول للضراب : خذ فضتي هذه أو ذهبي ، وخذ قدر عمل يدك ، وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي ، أو دراهم مضروبة في فضتي هذه ، لأني محفوز للخروج ، وأخاف أن يفوتني من أخرج معه ، قال : إن كان ذلك لضرورة [ ص: 205 ] خروج الدفعة ، ونحو ذلك ، فأرجو ألا يكون به بأس .

[ ص: 206 ] 28731 - وقال سحنون ، عن ابن القاسم : أراه خفيفا للمضطر ولذي الحاجة .

28732 - وقال ابن وهب : وذلك ربا ، فلا يحل منه شيء .

28733 - وقال عيسى بن دينار : لا يصلح هذا ، ولا يعجزني .

28734 - وقال سائر الفقهاء : لا يجوز شيء من ذلك ، وهو ربا ; لأنه أعطى في المضروب ، أكثر من وزن الفضة ، ومن ازداد فقد أربى .

28735 - وفي قوله في حديث مالك ، عن يحيى بن سعيد : " أربيتما فردا " ، دليل على أن البيع الحرام مردود أبدا ، فإن فات رجع فيه إلى القيمة عند الفقهاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية