الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1331 1292 - مالك عن أبي الزناد ; أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : لا ربا إلا في ذهب أو فضة ، أو ما يكال أو يوزن بما يؤكل أو يشرب .


28772 - قال أبو عمر : قال مالك - رحمه الله - : لم يكن أحد من التابعين أعلم بالبيوع من سعيد بن المسيب ، وإنما أخذ [ ص: 218 ] ربيعة العلم بها منه .

28773 - وروى هشام الدستوائي ، عن قتادة ، قال : ما رأيت أحدا من الفقهاء [ ص: 219 ] أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيب .

28774 - قال أبو عمر : قد مضى كثير من معنى هذا الخبر .

28775 - وجملة مذاهب العلماء في ذلك أن الذهب والورق يدخلهما الربا في الجنس الواحد من وجهين على ما تقدم ذكرنا له ، وهما التفاضل والنسيئة ، فلا يجوز ذهب بذهب إلا مثلا بمثل يدا بيد ، وكذلك الورق بالورق .

28776 - فأما الجنسان بعضها ببعض كالذهب بالورق ، فجائز التفاضل فيهما بإجماع من العلماء ، ولا يجوز فيهما النسيئة بإجماع أيضا من العلماء .

[ ص: 220 ] 28777 - وأما ما يؤكل ويشرب فقد مضى القول في ذلك في باب بيع الفاكهة .

28778 - وأما ما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب فإن مالكا قال : الأمر عندنا فيما يكال أو يوزن مما لا يؤكل ولا يشرب نحو العصفر والنوى والحنطة والكتم ، وما أشبه ذلك أنه لا بأس باثنين بواحد يدا بيد ، ولا يجوز اثنان بواحد إلى أجل .

ولا بأس برطلي حديد برطل حديد يدا بيد ، ولا يجوز بنسيئة ، وإن اختلف الصنفان فبان اختلافهما ، فلا بأس به اثنان بواحد إلى أجل يجوز في ذلك النسيئة والتفاضل ، وإن كان الصنف منه بنسيئة الصنف الآخر ، وإن اختلفا في الاسم مثل الشبة والرصاص ، والآنك ، فإني أكره اثنين بواحد إلى أجل .

28779 - ولمالك في ( الموطأ ) أربعة أبواب في هذا المعنى سيتكرر القول فيها بأوضح وأبلغ ، إن شاء الله عز وجل .

28780 - وأما الشافعي فلم يعد ما قاله سعيد بن المسيب في هذا الباب ، ولا ربا عنده في غير ما ذكره سعيد إلا ما ذكرنا عنه أنه ذهب إليه بمصر : من ضم ما [ ص: 221 ] لا يكال ولا يوزن من الطعام إلى ما يكال ويوزن ربا .

28781 - قال الشافعي : كل ما يخرج من المأكول والمشروب ، والذهب والفضة ، فلا بأس ببيع بعضه ببعض متفاضلا أو إلى أجل ، كان من صنف واحد ، أو من صنفين ، لا بأس عنده برطل حديد برطلي حديد ، وببعير ببعيرين إذا دفع العاجل ، ووصف الآجل .

28782 - وأما أبو حنيفة فقد تقدم عنه أيضا أن الكيل والوزن كل واحد منهما مما لا يؤكل ولا يشرب عنده يجري فيه الربا ، كما يجري في المأكول والمشروب .

28783 - وأما داود بن علي فلا ربا عنده إلا في النسيئة إلا الأشياء المنصوصة في الحديث ، وهي : الذهب ، والورق ، والبر ، والشعير ، والتمر ، والبلح لا يجوز في الجنس الواحد منها عنده التفاضل دون النسيئة ، وما عداها من كل شيء يكال أو يوزن أو يؤكل أو يشرب ، أو لا يكال ولا يوزن ، ولا يؤكل ولا يشرب لا يدخله الربا بوجه من الوجوه ، وجائز بيع ذلك كله عنده ، كيف شاء المتبايعون ، على عموم قول الله عز وجل : وأحل الله البيع وحرم الربا [ البقرة : 275 ]ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم الربا في حديث عمر بن الخطاب ، ويأتي ذكره في [ ص: 222 ] باب الصرف ، إن شاء الله تعالى ، وفي حديث عبادة ، وقد تقدم .

28784 - وأما الحيوان فاختلاف العلماء : هل يدخله الربا في بيع بعضه ببعض بنسيئة يدا بيد ، وسيأتي في بابه - إن شاء الله عز وجل .

28785 - وقال سفيان الثوري : سلف ما يكال فيما يوزن ، وما يوزن فيما يكال ، وسلف الحنطة في القطن .

28786 - وقال الأوزاعي : لا يجوز بيع النحاس المكسور بإناء نحاس معمول ، وزيادة دراهم لا يجوز إلا وزنا بوزن .

28787 - وقال : لا بأس بإبريق رصاص بإبريق رصاص ; لأنه قد خرج عن الورق ، ولا بأس ببيع النحاس بالفلوس .

28788 - وقال الليث : تفسير الربا : أن كل ما ينتفع به الناس من كل صنف من الأصناف ، وإن كان من الحجارة أو التراب ، وكل واحد من صنف تلك الأصناف بمثليه من صنفه إلى أجل هو الربا ، أو واحد بمثله ، وزيادة شيء إلى أجل : ربا .

[ ص: 223 ] 28789 - قال أبو عمر : وهذا مذهب مالك وأصحابه ، وهو عندهم من باب سلف جر منفعة ، فإنه أقرضه واحدة بما أقرضه من ذلك للزيادة فيه من جنسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية