الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
159 [ ص: 78 ] ( 2 ) باب النداء في السفر وعلى غير وضوء

132 - مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح . فقال : ألا صلوا في الرحال ، ثم قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول : " ألا صلوا في الرحال " .


[ ص: 79 ] 4199 - هكذا عن يحيى في ترجمة هذا الباب : وعلى غير وضوء . ولم يتابعه أحد على هذه الزيادة من رواة الموطأ فيما علمت ، ولا في غير هذا الباب ما يدل على ذلك أيضا ، ولو كان في مكان قوله : " وعلى غير وضوء " : " والأذان راكبا " - كان صوابا ; لأنها مسألة في الباب مذكورة .

4200 - وليس في حديث مالك هذا أنه كان في السفر ، ولكنه قيده بترجمة الباب ، وقد روي أن ذلك في السفر من وجوه ذكرتها في التمهيد .

4201 - وفي هذا الحديث من الفقه : " الأذان في السفر " ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك .

4202 - فروى ابن القاسم عن مالك أن الأذان إنما هو في المصر للجماعات في المساجد .

4203 - وروى أشهب عن مالك : إن ترك الأذان مسافر عمدا أعاد الصلاة .

4204 - وذكره الطبري ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى عن أشهب ، [ ص: 80 ] عن مالك .

4205 - وقال أبو حنيفة وأصحابه : أما المسافر فيصلي بأذان وإقامة ، ويكره أن يصلي بغير أذان ولا إقامة .

4206 - قالوا : وأما المصر فيستحب للرجل إذا صلى وحده أن يؤذن ، ويقيم ، فإن استجزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه .

4207 - وقال الثوري : تجزئك الإقامة من الأذان في السفر ، وإن شئت أذنت ، وأقمت .

4208 - وقال أحمد بن حنبل : يؤذن المسافر على حديث مالك بن الحويرث .

4209 - وقال داود : الأذان واجب على كل مسافر في خاصته ، والإقامة ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمالك بن الحويرث ولصاحبه : " إذا كنتما في سفر فأذنا ، وأقيما ، وليؤمكما أكبركما " . وهو قول أهل الظاهر .

[ ص: 81 ] 4210 - واتفق الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما ، والثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، والطبري - على أن المسافر إن ترك الأذان عامدا أو ناسيا أجزأته صلاته ، وكذلك لو ترك الإقامة عندهم ، وهم أشد كراهية لتركه الإقامة .

[ ص: 82 ] 4211 - واحتج الشافعي أن الأذان غير واجب فرضا من فروض الصلاة - بسقوط أذان الواحد عند الجميع بعرفة والمزدلفة .

4212 - وقد أوضحنا هذا المعنى في " التمهيد " بالآثار ووجوه الأقوال .

4213 - وتحصيل مذهب مالك في الأذان في السفر كالشافعي سواء .

4214 - وفيه أيضا من الفقه : الرخصة في التخلف عن الجماعة في الليلة المطيرة والريح الشديدة .

4215 - وفي معنى ذلك كل عذر مانع ، وأمر مؤذ .

4216 - وإذا جاز التخلف عن الجماعة للعشاء والبول والغائط - فالتخلف عنها لمثل هذا أحرى .

4217 - والسفر عندي والحضر في ذلك سواء ; لأن السفر إن دخل بالنص دخل الحضر بالمعنى ; لأن العلة من المطر والأذى قائمة فيهما .

4218 - واستدل قوم على أن الكلام في الأذان جائز بهذا الحديث إذا كان مما لا بد منه .

[ ص: 83 ] 4219 - وذكرنا حديث الثقفي أنه سمع منادي النبي - عليه السلام - في ليلة مطيرة في السفر يقول - إذا قال : حي على الفلاح - : ألا صلوا في الرحال .

4220 - وقد ذكرنا الخبر بإسناده من طرق في " التمهيد " .

4221 - واختلف العلماء في كراهية الكلام في الأذان وإجازته .

4222 - فكان مالك يكره الكلام في الأذان ; روى ذلك عنه جماعة من أصحابه ، وقال : لم أعلم أحدا يقتدى به تكلم في أذانه ، وكره رد السلام في الأذان ; لئلا يشتغل المؤذن بغير ما هو فيه .

4223 - وكذلك لا يشمت عاطسا ، فإن فعل شيئا من ذلك ، وتكلم في أذانه - فقد أساء ، ويبنى على أذانه ولا شيء عليه .

4224 - وقول الشافعي ، وأبي حنيفة ، والثوري في ذلك - نحو قول مالك ; [ ص: 84 ] قالوا : لا يتكلم المؤذن في أذانه ولا إقامته ، وإن تكلم مضى ، ويجزئه ، وهو قول إسحاق .

4225 - وروي عن الشعبي ، والنخعي ، وابن سيرين - كراهة الكلام في الأذان .

4226 - ولم أجد عن أحد من العلماء - فيما علمت - إعادة الأذان وابتداءه لمن تكلم فيه إلا عن ابن شهاب بإسناد فيه ضعف .

4227 - ورخصت طائفة من العلماء في الكلام في الأذان ، منهم : الحسن ، وعروة ، وعطاء وقتادة ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل .

4228 - وروي عن سليمان بن صرد أنه كان يأمر غلامه بالحاجة في أذانه .

4229 - وروى الوليد بن مزيد عن الأوزاعي ، قال : لا بأس برد السلام في أذانه ، ولا يرد في الإقامة .

4230 - قال الأوزاعي : ما سمعت أن مؤذنا قط أعاد أذانه .

4231 - وقد زدنا في التمهيد هذا الحديث بيانا . والحمد لله .

التالي السابق


الخدمات العلمية