الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1344 [ ص: 19 ] ( 21 ) باب السلفة في الطعام .

1306 - مالك ، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر ، أنه قال : لا بأس بأن يسلف الرجل الرجل في الطعام الموصوف بسعر معلوم إلى أجل مسمى ، ما لم يكن في زرع لم يبد صلاحه أو تمر لم يبد صلاحه .


[ ص: 20 ] 29056 - قال أبو عمر : قد روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واتفق الفقهاء على ذلك إذا كان المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى حلول الأجل ، واختلفوا فيما سوى ذلك .

29057 - فأما الحديث المسند في هذا الباب ، فقال : حدثني عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثني قاسم بن أصبغ قال : حدثني محمد بن إسماعيل ، قال : حدثني الحميدي ، قال حدثني سفيان ، قال حدثني ابن أبي نجيح ، عن عبد الله بن كثير الرازي ، عن أبي المنهال ، واسمه عبد الرحمن بن مطعم المكي ، عن ابن عباس ، قال : قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمر السنتين والثلاث ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : " من سلف فليسلف في تمر معلوم ، ووزن معلوم ، وأجل معلوم " .

[ ص: 21 ] 29058 - وقال ابن عباس : أشهد أن السلم المضمون إلى أجل معلوم قد أحله الله - عز وجل - في كتابه وأذن فيه ، فقال تعالى : ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه [ البقرة : 282 ] .

29059 - وأما اختلاف الفقهاء في ذلك : 29060 - فقال مالك ، والشافعي : يجوز السلم في التمر قبل حينه إذا كان مثله موجودا في أيدي الناس وقت حلول الأجل في الغالب ، فإن كان ينقطع حينئذ لم يجز .

29061 - وبه قال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور .

29062 - واحتج الشافعي بحديث ابن عباس هذا .

29063 - قال : والرطب من التمر ، فقد أجاز السلم فيه قبل حينه ، إذا أجازه السنتين والثلاث .

29064 - قال أبو عمر : من الحجة لمالك والشافعي أيضا في ذلك ما رواه شعبة وغيره عن عبد الله بن أبي المجالد ، قال : سألت عبد الله بن أبي أوفى عن [ ص: 22 ] السلف ، فقال : كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في القمح والشعير والتمر والزبيب ، إلى أجل معلوم ، وكيل معلوم ، وما هو عند صاحبه .

29065 - أخبرناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثني محمد بن بكر ، قال : حدثني أبو داود ، قال : حدثني محمد بن بشار ، قال : حدثني يحيى ، وعبد الرحمن ، قال : حدثنا شعبة فذكره .

29066 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : لا يجوز سلم إلا أن يكون المسلم فيه موجودا في أيدي الناس من وقت العقد إلى وقت حلول الأجل ، فإن كان منقطعا في شيء من ذلك لم يصح ، ولم يجز .

29067 - وقال الأوزاعي ، والثوري . لا يجوز السلم إلا فيما كان في أيدي الناس منه شيء . ولا يجوز إذا لم يكن في أيدي الناس منه شيء .

[ ص: 23 ] 29068 - وقال الحسن بن حي : لا يكون السلم إلا فيما لا يكون من السنة حين إلا وهو يوجد فيه كقول أبي حنيفة .

29069 - وقال الليث : أكره السلم في الفاكهة الرطبة قبل أوانها .

29070 - قال أبو عمر : إنما كره السلم بما ينقطع ولا يوجد بأيدي الناس العام كله ، والله أعلم ، من كرهه ، لأنهم يقولون : من مات حل دينه ، فإذا لم يوجد كان عذرا ، والسنة أولى من كل من يرد النصوص بقياس على غيرها .

29071 - وليس في نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم يخلق ، وعن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها ما يرد حديث السلم ، لأن ذلك بيع عين غير مضمونة ، وهذا بيع شيء موصوف ومضمون في الذمة ، وتقرير ذلكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها إلا في السلم .

29072 - ولم يختلفوا أنه لا يجوز السلم في شيء بعينه إلى أجل ، وهذا معنى قول ابن عمر في زرع لم يبد صلاحه ، وتمر لم يبد صلاحه .

التالي السابق


الخدمات العلمية